كشف موقع The Intercept الأمريكي، السبت 14 أغسطس/آب 2021، أن ما أعلنه مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي (FBI) بشأن إحباطه ما وصفها بـ "أكبر مؤامرة" في السنوات التي أعقبت هجمات 11 سبتمبر/أيلول، كان مجرد خدعة واحتيال، حيث إنها لم تتضمن أي أسلحة، أو خطط، أو حتى تنظيم القاعدة نفسه.
فقد كان التهديد الغامض وغير المعقول الذي أطلقته مجموعة من عمال البناء في ولاية فلوريدا لتفجير مبانٍ أمريكية، من بينها برج سيرز في شيكاغو، من صُنع مكتب التحقيقات الفيدرالي الذي سعى عملاؤه السريون إلى البحث عن هؤلاء الرجال وجنّدوهم، ووعدوهم بالمال، ودربوهم على مدار شهور لتوريطهم في مؤامرةٍ تهدف إلى ارتكاب أعمال عنف لم يكونوا ينوون ارتكابها فعلاً، ولم يمتلكوا حتى القدرة على تنفيذها.
هذه القضية المعروفة باسم Liberty City Seven، والتي تشتهر بارتباطها بالحي الفقير الذي يُمزقه العنف بمدينة ميامي، حيث عاش الرجال المتورطون في القضية، كانت أكبر تحقيق أجراه المكتب الفيدرالي حول خلية إرهابية مزعومة بعد الهجمات على نيويورك والعاصمة واشنطن.
"إحباط الهجمات الإرهابية"
من جانبه، قال نائب مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي سابقاً، جون بيستول، إن تلك العملية جاءت في الوقت الذي كان المكتب فيه يتعرض لضغط هائلٍ لاعتراض وإحباط الهجمات الإرهابية بعدما فشل في التعامل مع معلومات تلقاها عن هجمات 11 سبتمبر/أيلول قبل وقوعها، ما شكَّل حدثاً فارقاً في تاريخه حوَّله "من وكالة استجابة لحل الجرائم، إلى وكالة وقائية للأمن القومي".
فيما وُثقت محنة الرجال الأمريكيين السود السبعة، معظمهم من هايتي، والذين تلاعب بهم مخبران من مكتب التحقيقات الفيدرالي ليُعلنوا الولاء للقاعدة، في فيلم وثائقي جديد من إنتاج Frontline بعنوان "In the Shadow of 9/11" للمخرج البريطاني دان ريد.
بدوره، أكد ريد، الذي أخرج سابقاً أفلاماً وثائقيةً عن هجمات إرهابية على موسكو ومومباي، أن "الأمر كان سخيفاً جداً، ولا يكاد يُصدَّق. لمْ أفهم كيف ورط هؤلاء الرجال أنفسهم في ذلك المأزق".
يقول موقع The Intercept الأمريكي، إن قصة الرجال السبعة، الذين حُكم على خمسة منهم بأحكام بالسجن بلغ مجموعها 43 عاماً، تعدّ حكاية منسيَّة تماماً حول المدى الذي صُرح للوكالات الحكومية بأن تصل إليه في فترة الهلع التي تلت أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول، وحول السخافات التي باعها جهاز العدالة الجنائية الأمريكي للجمهور باسم الأمن القومي.
بسبب ذلك، تُشير هذه القضية إلى مدى سرعة تحوُّل ما يُسمى "الحرب على الإرهاب" إلى معركة لصناعة قصة تقول إن هناك تهديداً حقيقياً، وإن الولايات المتحدة كانت تربح.
في حين مهدت القضية الطريق لمئات من العمليات التي تُسمى عمليات "اللدغ" بمكتب التحقيقات الفيدرالي في السنوات التالية، حيث واصل المكتب تأطير الأفراد الذين كانوا في الغالب فقراء وسذجاً بقدرات مشكوك فيها على التخطيط بشكل مستقل لأي هجمات.
للقيام بذلك، اعتمدت الوكالة على جهاز مراقبة مترامي الأطراف أُنشئ بعد 11 سبتمبر/أيلول، واستخدمت الكلام المحمي دستورياً كأساس لمراقبة الأشخاص، حتى مع نفي مسؤولي المكتب بانتظامٍ فعل ذلك.
كما اعتمد عملاء مكتب التحقيقات الفيدرالي بشكل كبير على المخبرين ذوي الأجور الجيدة الذين يعملون مع قليل من المساءلة. ووسَّعوا اللسعات إلى قائمة متزايدة باستمرار من التهديدات المفترضة: ليس فقط ضد الأيديولوجيات المجلوبة من الخارج ولكن أيضاً ضد الأيديولوجيات المحلية، مثل تلك التي يطرحها ما سماه مكتب التحقيقات الفيدرالي "تطرف الهوية السوداء".
"الخوف الوهمي"
ووصف موقع The Intercept الأمريكي هذه القصة التي جُمعت في الفيلم الوثائقي من خلال المقابلات، إضافة إلى ساعات من لقطات المراقبة والصوت التي سجلها المخبرون، بـ"المأساوية" و"الهزلية للغاية" بحيث يصعب فهم أنها كانت عملية حقيقية لمكتب التحقيقات الفيدرالي.
كان زعيم الخلية الإرهابية المزعومة، نارسيل باتيست، صاحب عمل في مجال البناء، ومُعلماً روحياً غريب الأطوار يتبعه عدد قليل من الرجال المخلصين لمعبد Moorish Science بأمريكا، وعقيدتهم خليط بين المسيحية واليهودية والإسلام، وتتمحور قضيتهم حول تحسين الأحوال المعيشية للأفارقة الأمريكيين. وأغلب أتباعه كانوا من الشباب الفقراء الذين يجوبون شوارع مدينة ميامي. ومع تنصيب باتيست لنفسه "زعيماً إلهياً" لهم راحوا يُقدمون تدريبات على الفنون القتالية وتعاليم روحية لأطفال الحي.
بحسب الرواية الرسمية، علِم مكتب التحقيقات الفيدرالي بالمجموعة عندما أدلى كاتب متجر يمني كان يعمل مخبراً في إدارة شرطة نيويورك للمكتب بمعلومة، مفادها أن المجموعة طلبت منه إجراء اتصال مع تنظيم القاعدة.
هذه المعلومة بدت غير محتملة حتى بالنسبة لمكتب التحقيقات الفيدرالي، لكن الوكالة استأجرت الكاتب كمخبر ولفَّقت مخططاً لتقديم المجموعة إلى مخبر آخر ادَّعى أنه على صلة بأسامة بن لادن.
"احتيال رسمي"
بينما استغل باتيست، الذي كان يكافح لسداد الديون المتعلقة بالأعمال التجارية، ما ظن أنها فرصة للاحتيال على الرجلين من أجل الحصول على المال، وهما من جهتهما ظلا يعدانه به، بينما كانا يقودانه تدريجياً للإدلاء ببيانات أكثر عن تأييده لـ"القاعدة". وهو من جهته ظل يسايرهما.
في هذا الإطار، وافق باتيست على تزويد أحد المخبرين بقائمة بالعناصر التي يُفترض أنه يحتاجها لتنفيذ هجوم في شيكاغو، وضمن ذلك أحذية تصل إلى الركبة.
أضاف باتيست، الذي أظهره فيديو المراقبة لمكتب التحقيقات الفيدرالي، وهو يكافح للتمييز بين مسدس ومدفع رشاش أمام المحقق الصلب الذي يحقق معه: "كان عليَّ أن أختلق شيئاً ما في ذلك الوقت وهناك. لم أكن أعرف أسماء أسلحة. لم أمتلك سلاحاً في حياتي".
لكن تحت ضغط المخبرين، كرر باتيست قَسم الولاء المكتوب بشكل غريب لـ"القاعدة"، وأقنع، بكل حسم، شركاءه الستة بفعل ذلك أيضاً.
عقب ذلك، أدلى بتصريحات مفجعة حول مؤامرة مختلقة لتفجير المباني وإطلاق النار على الناجين، متفاخراً في وقت ما بأنها ستكون "أكبر من 11 سبتمبر/أيلول".
كما أنه بعد مزيد من الضغط، وافق على القيادة حول ميامي، في سيارة وكاميرا وفرهما مكتب التحقيقات الفيدرالي، لالتقاط صور للمباني الفيدرالية.
فيما اعتقد باتيست، طوال المحنة، أنه كان يخدع مخبري مكتب التحقيقات الفيدرالي، الذين كانوا هم أنفسهم يصنعون تهديداً يعلمون أنه ليس حقيقياً. كان الهدف النهائي لكلا الطرفين هو جني الأموال.
"تهديدات مزعومة"
إلا أن عملاء مكتب التحقيقات الفيدرالي، الذين يعملون مع المخبرين لإنشاء اللدغة، لم يعتقدوا أن التهديد كان حقيقياً، ومع ذلك فقد استشهدت وزارة العدل بـ"أعمال باتيست العلنية" لتوجيه تهم به تتعلق بالإرهاب.
فقد وصفت وزارة العدل تلك القضية بأنها "انتصار كبير" في حربها التي بدأت حديثاً على "الإرهاب"، حتى عندما كان المسؤولون يدركون أن السبعة "لم يكونوا في الحقيقة الإرهابيين الذين كنا نبحث عنهم"، كما قال مايكل مولاني، الرئيس السابق لقسم مكافحة الإرهاب بوزارة العدل، في الفيلم الوثائقي.
بمجرد القبض على السبعة في يونيو/حزيران 2006، أصبح من الواضح أن القضية بأكملها من تدبير الحكومة.
في المقابل، حاول مسؤولو وزارة العدل الأمريكية تبرير قرارهم مقاضاة الرجال من خلال الإصرار على أنهم مذنبون بالأفعال التي أُدينوا بها: قَسم الولاء لمنظمة إرهابية، والتقاط صور لمبانٍ فيدرالية، "لقد برروا اللسعات كأداة للتنبؤ بمن قد يخطط لهجوم، بدلاً من الفخاخ الموضوعة للأفراد الذين من المحتمل ألا يفكروا في القيام بذلك لو لم يكتب مكتب التحقيقات الفيدرالي النص نيابة عنهم".
بدوره، قال مولاني إن "المشكلة في قضايا الإرهاب هي أنه يجب عليك وقف الفعل، وبالتالي عليك حقاً بطريقة ما، أن تتنبأ بمن سيفعل ماذا. وبالتالي فإن اللسعات مهمة جداً".
بخلاف ذلك، يبدو الفيلم الوثائقي، الذي يحكي قصة عملية الاحتيال، أنه يخلص إلى أن الضحايا ليسوا الرجال السبعة وعائلاتهم فحسب، بل هو أيضاً الشعب الأمريكي، الذي لفقت حكومته الخوف لتبرير سلطاتها.