بدأت الحكومة الهندية اليمينية الاستعدادات لإعادة ترسيم الدوائر الانتخابية في إقليم كشمير ذي الغالبية المسلمة، والخاضع للإدارة الهندية، وذلك بعد عامين من إلغاء نيودلهي الوضع شبه المستقل للمنطقة المتنازع عليها مع باكستان، وإدخال ضوابط فيدرالية أكثر صرامة، وحجبها عن العالم.
ففي عام 2019، أعربت نيودلهي عن رغبتها في أن يؤدي تشديد السيطرة الفيدرالية إلى تسهيل إخضاع سكان كشمير، وكبح دعوات العديد من سكانها لاستقلال كشمير. ومنذ ذلك الحين، شنت الوكالات الفيدرالية حملات قمع واضطهاد قاسٍ ضد السياسيين المحليين، والتجار، ودور النشر، وحتى الموظفين الحكوميين الذين كانوا أو يحتمل أن يصبحوا مصادر للمعارضة.
ويقول تقرير لمجلة Foreign Policy الأمريكية إن حملات القمع في كشمير التي خاضتها حكومة ناريندرا مودي المتطرفة استهدفت أيضاً المتظاهرين، وأعضاء المجتمع المدني، والصحفيين بموجب قوانين مكافحة الإرهاب الصارمة التي تشتمل على الاحتجاز المطول قبل المحاكمة وتجعل الكفالة استثناءً.
الهند تعمل على إعادة الهندسة الديموغرافية لسكان كشمير
أما الآن، يستهدف برنامج ترسيم الحدود تقسيم الدوائر الانتخابية للمنطقة شبه المستقلة السابقة إلى عدة وحدات انتخابية جديدة بطريقة من المرجح أن تعطي ثقلاً عددياً للمنطقة الجنوبية من جامو، حيث يوجد تركيز أكبر للناخبين الهندوس.
هذه التغيرات الديموغرافية، بحسب تقرير "فورين بوليسي"، عندما تقترن بإعادة تشكيل ذكية للدوائر الانتخابية؛ ستسمح للسياسيين الهندوس القوميين بتحقيق هدفهم القديم المتمثل في تنصيب رئيس وزراء هندوسي في كشمير.
كما بدأت حكومة رئيس الوزراء ناريندرا مودي الهندوسية المتطرفة في تطبيق مئات القوانين والسياسات الهندية الفيدرالية في كشمير؛ إذ فككت نيودلهي هياكل الحكم الذاتي في كشمير بسرعة ملحوظة. وفتحت الحكومة الهندية ملكية الأراضي في كشمير الخاضعة للإدارة الهندية للأجانب، وسهلت الحصول على حقوق السكن، وألغت إصلاحات الأراضي التاريخية.
وأعقبت ذلك بخطوة خفضت نسبة المرشحين الكشميريين الذين يدخلون الخدمة المدنية الهندية من 50% إلى 33%، مما سيزيد في المستقبل عدد الموظفين غير المحليين في إدارة كشمير.
كما قامت الحكومة الفيدرالية بتمكين القوات المسلحة الهندية من إعلان أي منطقة في كشمير على أنها منطقة "استراتيجية"، وأنهت فترة 131 عاماً من سيادة اللغة الأردية باعتبارها اللغة الرسمية الوحيدة في المنطقة.
تطهير عرقي على طريقة مودي في كشمير
وعلى عكس الولايات الهندية الأخرى، لم تكن هذه القوانين والسياسات قابلة للتطبيق في المنطقة حتى أغسطس/آب 2019. حيث كان لكشمير دستورها الخاص، وكان لمجلسها التشريعي سلطة حصرية لوضع القوانين.
وجدير بالذكر أن جامو وكشمير هي المنطقة الهندية الوحيدة ذات الأغلبية المسلمة. وقبل عام 2019، دأبت الجماعات الهندوسية القومية على حملات طويلة من أجل إلغاء الوضع الخاص لكشمير المنصوص عليه في المادة 370 -الملغاة الآن- من الدستور الهندي. ومن السمات الأخرى لهذا التشريع الملغى المادة 35A، التي قصرت شراء الأراضي على السكان المحليين وحدهم.
وفي أغسطس/آب 2019، ألغى مودي كلا التشريعيين في خطوة مثيرة للجدل إلى حد كبير، مما أدى منذ ذلك الحين إلى توتر علاقات الهند مع باكستان والصين.
وبدأت نيودلهي العام الجاري في طرح تصاريح الإقامة للهنود غير الكشميريين، مما زاد المخاوف من أن وادي كشمير (المحصور وسط جبال الهيمالايا الثلجية) سيغمره الغرباء، مما يحول السكان المحليين الذين يشكلون أغلبية مسلمة إلى أقلية سياسية في وطنهم. وفي أكتوبر/تشرين الأول 2020، أصدرت وزارة الداخلية الهندية مجموعة قوانين جديدة للأراضي الخاضعة للإدارة الهندية في كشمير، مما أتاح لأي مواطن هندي شراء أرض في المنطقة.
وفي حين اتبعت الحكومة الفيدرالية -بقيادة حزب بهاراتيا جاناتا الذي ينتمي إليه مودي- علانية سياسة الهندسة الانتخابية في المنطقة؛ فإن عملية ترسيم الدوائر الانتخابية توفر ستاراً دخانياً وتعطيها صلاحية دستورية، مع الاستمرار في تحقيق هدفها بإضعاف المسلمين الكشميريين.
وتعتمد لجنة ترسيم الحدود التي تشرف على العملية برمتها على الأرقام التي يوفرها التعداد السكاني الوطني العشري الذي يفرضه الدستور الهندي.
الخصوم القدامى في كشمير يتحدون ضد مودي
في السياق، تقول المجلة الأمريكية إن هجوم الهند على الحكم الذاتي الكشميري وحّد طرفين كانا في السابق عدوين لدودين. ويمكن لتحالف غوبكار المُشكل حديثاً أن يعيد تشكيل سياسات المنطقة المتنازع عليها، ويسبب مشاكل لحزب بهاراتيا جاناتا.
وبعد إلغاء المادة 370، أقر البرلمان بقيادة حزب بهاراتيا جاناتا قانون إعادة تنظيم جامو وكشمير لعام 2019 (الذي وصفته الأحزاب السياسية الرئيسية في المنطقة بأنه غير دستوري وطعنت في صلاحيته في المحكمة العليا في الهند)، مضيفاً سبعة مقاعد أخرى للمنطقة ليجعل ممارسة ترسيم الحدود أمراً حتمياً.
وحتى أغسطس/آب 2019، كان لجامو وكشمير 111 مقعداً في مجلسها التشريعي للولاية. وحصلت منطقة وادي كشمير ذات الأغلبية المسلمة على 46 مقعداً، بينما حصلت جامو على 37 مقعداً. كما حصلت منطقة كشمير التي تديرها باكستان على 24 مقعداً.
وفي غضون عامين من الحكم الفيدرالي بالمنطقة، مُنحت حقوق السكن لآلاف من السكان غير المحليين الذين خدموا أو أقاموا في المنطقة. واستقر غالبية هؤلاء السكان الجدد في جامو، والتي يعتقد الخبراء السياسيون أنها ستغير التركيبة السكانية الانتخابية لكشمير على المدى البعيد.
وإذا اعتمدت لجنة ترسيم الحدود على إحصاء عام 2011 لترسيم الحدود الانتخابية الجديدة، فإن وادي كشمير سيحصل على مقاعد أكثر من جامو؛ حيث كشفت أرقام التعداد الرسمية لذلك العام أن تعداد سكان وادي كشمير كان يبلغ 6.8 مليون نسمة، مقارنةً بسكان جامو البالغ عددهم 5.3 مليون نسمة.
كما يطالب حزب بهاراتيا جاناتا بحجز مقاعد للفئات المحرومة اجتماعياً من المجتمع الهندوسي، والمعروفة باسم الداليت. كما اقترح الحزب حجز مقاعد للجماعات القبلية والبانديت الكشميريين (الهندوس) الذين هاجروا إلى جامو في التسعينيات، عندما اندلع تمرد شعبي في وادي كشمير ضد الحكم الهندي.
مودي يريد تحقيق أكبر المكاسب السياسية لحزبه على حساب كشمير
بخلاف هذه المجموعات، من المرجح أيضاً أن يحجز حزب بهاراتيا جاناتا مقاعد للاجئين الذين هاجروا من باكستان واستقروا في جامو أثناء الحروب الهندية الباكستانية في عامي 1947 و1965. وينظر إلى هذه التحركات على أنها محاولات لزيادة حصة المقاعد في جامو، حيث يتمتع حزب بهاراتيا جاناتا الحاكم بموطئ قدم كبير، مما يؤدي إلى المزيد من المكاسب السياسية للحزب على حساب القضية الكشميرية.
وشهد الخامس من أغسطس/آب 2021 مرور عامين على فقدان كشمير لوضعها الخاص. والآن، يخشى الناس في كشمير المزيد من الاعتداءات على هويتهم، حيث يقترب حزب بهاراتيا جاناتا من تحقيق مشروعه لتطهير المنطقة ذات الأغلبية المسلمة وتحويلها إلى منطقة ذات أغلبية هندوسية.
وفي مواجهة محاولة تقسيم الدوائر الانتخابية هذه، تواصل الأحزاب السياسية في وادي كشمير المطالبة بضرورة أن يكون السكان هم العامل الوحيد لتحديد الدوائر الانتخابية.
وتخشى هذه الأحزاب السياسية إعلان الدوائر الانتخابية ذات الأغلبية المسلمة في جامو "دوائر انتخابية محجوزة" للداليت والبانديت، وبالتالي حرمان المسلمين من المشاركة السياسية. وهناك أيضاً مخاوف من أن المناطق ذات الأغلبية المسلمة في جامو يمكن أن تتوزع على المقاعد بسبب إعادة تقسيم الدوائر لدوافع سياسية.
وقبل عام 2019، تعهدت الأحزاب السياسية الإقليمية بمقاومة أي تحرك من الحكومة الفيدرالية من شأنه إلغاء الحكم الذاتي الإقليمي في ما أصبح يعرف باسم "إعلان غوبكار".
وفي وقت لاحق، بعد أن ألغى مودي الحكم الذاتي، شكلت الأحزاب السياسية ائتلافاً يسمى "تحالف الشعب من أجل إعلان غوبكار"؛ حيث جادل التحالف بأنه "حركة من أجل استعادة حقوق وكرامة شعب جامو وكشمير". ومع ذلك، انهار الائتلاف بعد فترة وجيزة من تشكيله، مع تسلل الخلافات السياسية وترك العديد من الأحزاب السياسية للائتلاف.
وهذا الشهر، تجاهل التحالف تعهده بتقديم معارضة شديدة لحزب بهاراتيا جاناتا في المنطقة، حيث شارك معظم شركاء التحالف في الاجتماع الافتتاحي للجنة ترسيم الحدود، وهي خطوة انتُقِدَت على نطاق واسع واعتُبِرَت أنها توفر شرعية لسياسات حزب بهاراتيا جاناتا في المنطقة.