كشفت صحيفة معاريف الإسرائيلية تفاصيل جديدة عن عملية جيش الاحتلال الإسرائيلي المعروفة بمناورة الخداع؛ إذ قالت إن العملية التي نفذها جيش الاحتلال على غزة في مايو/أيار الماضي، وكانت تهدف إلى تدمير أنفاق دفاعية (المترو) وقتل مئات من مقاتلي حماس كانت فاشلة.
الصحيفة قالت إن الخطة التضليلية لجيش الاحتلال والتي خطط لها منذ سنوات كانت استهداف ما بين 600 إلى 800 من مقاتلي المقاومة الفلسطينية حماس بعد استدراجهم إلى الأنفاق لمواجهة "اجتياح" قوات الاحتلال.
وأشارت الصحيفة الإسرائيلية إلى أن 160 طائرة شاركت بالهجوم على 150 هدفاً تحت الأرض شمال قطاع غزة، وقد ظن جيش الاحتلال بعد الخدعة والقصف أن الخطة نجحت، وأن القصف أدى لاستشهاد عشرات المقاومين في الأنفاق، ولكن سرعان ما اتضح فشل هذه الخدعة والخطة لم تحقق أهدافها.
وأضافت أن هذا الفشل أدى إلى طرح أسئلة كبيرة لدى مؤسسة الاحتلال العسكرية حول مدى صحة القرار المتخذ بتنفيذ العملية في هذه الحرب المحدودة، أو أنه كان من اللازم تأجيل تنفيذ هذه العملية إلى حرب مستقبلية.
حاصة أن الخطة تستهدف تدمير قسم كبير من أنفاق حماس، "وإخراج حماس من التوازن في أعقاب مقتل عدد كبير من مقاتليها والأضرار التي لحقت بالأنفاق". وأضافت أن "هذه كانت خطوة لتسهيل اجتياح بري حقيقي في حال اتخاذ قرار بإخراجه إلى حيز التنفيذ".
خيبة أمل إسرائيل
وزعمت إسرائيل في وقت سابق أنها دمرت كثيراً من شبكة أنفاق المقاومة بقطاع غزة في قصف مكثفٍ، إذ قصفت المروحيات والطائرات النفاثة والزوارق الحربية والمدفعية، الأجزاء الشمالية والشرقية من غزة بأكثر من 1000 قنبلة وقذيفة كجزء من عملية "معقدة" لتدمير أنفاق حماس تحت مدينة غزة.
ودفع أطفال غزة ثمن هجوم إسرائيلي خاطف على مترو حماس، وقع في بداية الحرب، واستخدمت فيه إسرائيل كمّية هائلة من القنابل، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The Times البريطانية.
بينما أكد يحيى السراج، رئيس بلدية مدينة غزة، أن الضربات الإسرائيلية لم تستهدف المواقع العسكرية وبدلاً من ذلك أصابت الطرق والبنية التحتية المدنية؛ مما أرجع الاقتصاد لسنوات إلى الوراء. ووصف الضربات بأنها عقاب جماعي، وطالب المجتمع الدولي بوقف الاعتداءات على البنية التحتية الحيوية في غزة.
وجاء هذا الهجوم العنيف بعد صدور خبر زائف من قيادة الجيش الإسرائيلي في بداية حرب غزة، بأن قواته قد دخلت إلى القطاع، والهدف كان- حسب المصادر الإسرائيلية- هو خداع مقاتلي حماس؛ لدفعهم إلى الاختباء في الأنفاق، وبالتالي توجيه ضربة لهم سواء خلال دخولهم وخروجهم من الأنفاق أو خلال وجودهم فيها، (حيث تختلف الروايات الإسرائيلية في هذا الشأن).
كما تختلف الروايات الإسرائيلية بشأن نجاح هذه الخدعة، فتحدث البعض عن فضيحة تسبب بها هذا الخبر الزائف، في حين تحدث تقرير لصحيفة The Jerusalem Post الإسرائيلية، المحسوبة على اليمين الإسرائيلي، عن نجاح عملية القصف في استشهاد عدد كبير من المقاومين.
بينما قال رئيس تحرير صحيفة Haaretz الإسرائيلية اليسارية، ألوف بن، إن الخدعة الفاشلة لم تنجح، لأنه على ما يبدو لم يكن هناك عدد كبير من مقاتلي حماس داخل الأنفاق التي قُصِفَت.
وأضاف ألوف بن، أن تدمير أنفاق مترو حماس بقنابل قوية كشف القدرات الاستراتيجية لإسرائيل دون أن يتسبب في أي ضرر كبير لقدرات القتال لدى الحركات الفلسطينية.
وفي غارة أخرى، قال المقدم جوناثان كونريكوس، المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، إن 160 طائرة، إضافة إلى المدفعية والوحدات المدرعة (من خارج القطاع)، شاركت فيما وصفه بأكبر عملية قصف ضد هدف محدد منذ بدء القتال.
وقال في إفادة صحفية: "ما كنا نستهدفه هو نظام متطور من الأنفاق يمتد تحت غزة، ومعظمها في الشمال".
ما قصة شبكة أنفاق مترو حماس؟
تخشى إسرائيل هذه الأنفاق لأسباب عدة، منها:
أولاً: أنفاق المقاومة في غزة هي الوسيلة الأساسية للحصول على السلاح من الخارج، بل تعد وسيلة مهمة لغزة للحصول على البضائع في ظل القيود المفروضة على القطاع من مصر وإسرائيل، ولكن يُعتقد أن دور الأنفاق كمصدر للسلاح والسلع قد تراجع في ضوء الجهود المصرية لتدميرها، كما تحسنت العلاقة بين حماس والقاهرة؛ مما أدى إلى تخفيف القيود المصرية على القطاع، إضافة إلى تزايد اعتماد حماس على نفسها في تصنيع السلاح، إلى جانب تقارير تفيد بتزايد الاعتماد على البحر في الحصول على السلاح؛ حيث يتم إلقاء الأسلحة معبّأة في أغلفة قبالة ساحل غزة، بحيث يتم حساب حركة الأمواج والرياح والتيارات البحرية لتصل إلى القطاع، وهي طريقة يكاد يستحيل على إسرائيل وقفها، حسبما ورد في تقرير لموقع Al-monitor.
ثانياً: الأنفاق أداة المقاومة الرئيسية لحماية أسلحتها لا سيما الصواريخ، وحتى قادتها وقواتها ومراكزها من غارات الطيران الإسرائيلي.
ثالثاً: الأنفاق وسيلة للهجوم على الجيش الإسرائيلي في حالة توغله داخل غزة، في ظل تفوق إمكاناته العسكرية، لا سيما الدبابات.
رابعاً: الأنفاق وسيلة بإمكان المقاومة التسلل عبرها إلى الداخل الإسرائيلي؛ للقيام بعمليات عسكرية مباغتة قد تشمل الهجوم على مواقع إسرائيلية أو القبض على أسرى كما حدث من قبل مع جلعاد شاليط، ويعد هذا السبب واحداً من أكثر عوامل القلق لدى إسرائيل من الأنفاق، رغم أنها بذلت جهداً كبيراً لمنع ذلك عبر تشييد حائط في باطن الأرض على الحدود مع قطاع غزة مزود بمستشعرات؛ لكشف حفر الأنفاق.
وفي هذا الإطار، زعم رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق، بنيامين نتنياهو، أن حركة المقاومة الإسلامية "حماس" قامت بإنشاء بنى تحتية واسعة النطاق تحت قطاع غزة، واستخدمت مناطق مأهولة لتخزين أسلحة وشن هجمات على إسرائيل.
وبصفة عامة، على الرغم من الجهود الإسرائيلية التي نجحت أحياناً في التصدي لـ"مترو حماس"، فإن الأنفاق تمثل واحدة من أهم استراتيجيات حماس العسكرية، وبينما تسمى إسرائيل شبكة الأنفاق "مترو حماس" أو "مترو غزة"، يسميها البعض في القطاع "غزة التحتانية".
كيف بدأت فكرة الأنفاق؟
ظهرت الأنفاق لأول مرة في غزة رداً على الحصار الإسرائيلي المفروض بعد تولي حماس السلطة.
في البداية، تم استخدامها لتهريب البضائع إلى الجيب وتمييز المشاريع غير المشروعة بدلاً من النزعة العسكرية، حسبما ورد في تقرير لصحيفة Washington Post الأمريكية.
لكن سرعان ما تم استخدامها لأغراض أخرى.
ففي عام 2006، استخدمت حماس نفقاً لأسر الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط. واحتُجز شاليط لمدة خمس سنوات قبل إطلاق سراحه في إطار صفقة تبادل أسرى عام 2011.
وكانت الأنفاق من بين أكثر أدوات حماس فاعلية خلال حرب 2014 مع إسرائيل، حيث استخدمها المسلحون لنقل الأسلحة، ودخول إسرائيل، ونصب الكمائن لجنود الجيش الإسرائيلي، وفي بعض الأحيان حتى العودة إلى غزة عبر ممرات تحت الأرض.