قالت وكالة Associated Press الأمريكية، الثلاثاء 10 أغسطس/آب 2021، إن بعض المتعاقدين الأجانب الذين قدموا خدمات لوجستية لأمريكا خلال الحرب في أفغانستان، وجدوا أنفسهم "عالقين" في مدينة دبي الإماراتية، وذلك دون أن يجدوا وسيلة للعودة إلى أوطانهم التي تفرض قيوداً على السفر بسبب جائحة فيروس كورونا المستجد.
كانت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) قد أعلنت، يوم الجمعة 17 أبريل/نيسان 2021، أن الخطة المبدئية للانسحاب العسكري الأمريكي من أفغانستان تشمل سحب بعض المتعاقدين على الأقل.
فقد أوضح المتحدث باسم الوزارة، جون كيربي، أن الخطط المبدئية تخضع للمراجعة، مضيفاً أنه ليس لديه تفاصيل بشأن عدد المتعاقدين الذين سيجري سحبهم.
في حين أشارت تقارير إلى أن هناك أكثر من 16 ألف موظف مدني من المتعاقدين مع البنتاغون.
على إثر الانسحاب الأمريكي السريع من أفغانستان بعد قرابة عقدين انقلبت حيوات آلاف المتعاقدين الأمنيين الخاصين من بعضٍ من أفقر دول العالم رأساً على عقب، وليست هذه هي البنادق المستأجرة بل الأيدي المُوظَّفة التي خدمت المجهود الحربي الأمريكي. وقد عملوا في الظل لسنوات كعمال نظافة وطهاة وعمال بناء وخُدَّام وفنيين في القواعد الأمريكية المترامية.
حيث أصبح العشرات من أولئك العمال الأجانب الذين يحاولون العودة إلى بلدانهم في الفلبين ودول أخرى قيَّدت السفر الدولي بسبب الجائحة، عالقين طي النسيان في الفنادق في أنحاء دبي.
يأتي ذلك في الوقت الذي تعيد فيه الولايات المتحدة ما تبقى من جنودها وتُخلي قواعدها بشكل سريع.
"رحيل فوضوي"
من جهتهم، قال خبراء إن ما وصفوه بالرحيل الفوضوي للجيش الأمريكي يُعرِّي الحقيقة المزعجة بشأن النظام المُخصخَص الذي لطالما كان عرضة لسوء الإدارة، نظام موَّله بدرجة كبيرة دافعو الضرائب، لكن بعيداً عن نطاق القانون.
تعقيباً على ذلك، أشار أنتوني كوردسمان، وهو محلل لشؤون الأمن القومي بمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن، إلى أن ما يحدث هو "نفس الوضع الذي يؤثر على المتعاقدين الأجانب في كل أنحاء العالم. أناس لا يدركون كثيراً إلى أين سيذهبون وعلاقات ملتبسة جداً تحدد تحركاتهم ووضعياتهم القانونية بمجرد وصولهم".
كوردسمان أضاف: "شروط العقود في الحرب يمكن فعلاً أن تعفي رب العمل من مسؤوليات كبرى، وحتى حق العودة يمكن أن يكون مبهماً".
رغم أن عدد العالقين في الخارج بعد الإجلاء ليس واضحاً، إلا أن صحفي وكالة Associated Press الأمريكية رأى على الأقل 12 متعاقداً فلبينياً لشركة التشييد والهندسة Fluor عالقين في فندق Movenpick في حي بر دبي.
لكن إدارة فندق Movenpick رفضت التعليق على الأمر، لافتة إلى أنها "لا تمتلك سلطة الإفصاح عن بيانات نزلاء الفندق أو تفاصيل شركاء الفندق لأسباب تتعلق بالخصوصية".
وفقاً لآخر أرقام المفتش العام الخاص لإعادة إعمار أفغانستان، فقد بقي اعتباراً من أول يونيو/حزيران الماضي 2491 عامل أجنبي متعاقد في القواعد الأمريكية في عموم أفغانستان، بتراجع من مستوى 6399 في أبريل/نيسان.
العودة إلى الأوطان
فيما عاد معظم هؤلاء العمال منذ ذلك الحين إلى بلدانهم في رحلات جوية وفَّرها أرباب عملهم، الذين يمثلون عمالقة الجيش الخاص الذين فازوا على مدار سنوات الحرب بعقود لوجستية من البنتاغون بقيمة مليارات الدولارات، وذلك في ظل استعداد الولايات المتحدة لإنهاء مهمتها العسكرية بصورة رسمية في نهاية شهر أغسطس/آب الجاري.
إلا أن موظفين آخرين، جُلِبوا أولاً إلى دبي في طريقهم إلى بلدانهم بعد الرحيل المفاجئ في 15 يونيو/حزيران، لم يكونوا بنفس الحظ.
إذ علَّقت الفلبين، إلى جانب بنغلاديش ونيبال وسريلانكا، رحلات الطيران إلى الإمارات في منتصف مايو/أيار الماضي بسبب مخاوف من الانتشار السريع لمتحور فيروس كورونا المعروف باسم "دلتا"، وجددت هذه البلدان حظر السفر بصورة متكررة.
هذا الأمر يبدو أنه بداية فترة توقف لا نهاية لها على ما يبدو، ويصفها بعض العمال الفلبينيين بأنها فترة قلق وملل شديد.
بحسب وكالة Associated Press الأمريكية، أمضى العديد من متعاقدي شركة Fluor العالقين، بعد جذبهم إلى أفغانستان على أساس وعد بتوظيف ثابت وأجور أعلى بكثير مما في الفلبين، سنواتٍ يعملون في البناء ونقل المعدات وتجهيز التأشيرات وغيرها من اللوجستيات العسكرية. عَمِلَ البعض منهم في قاعدة باغرام الجوية، أكبر مجمع عسكري في البلاد، وفي مطار قندهار جنوبي أفغانستان. في حين لم يكن لهم علاقة بالعمليات القتالية، لكنهم مع ذلك تحدثوا عن مواجهة الهجمات الصاروخية وغيرها من مخاطر الحرب في القاعدة.
في حين أكد أولئك الذين تحدثوا للوكالة الأمريكية أنهم يعرفون عشرات من المتعاقدين الآخرين من الفلبين وبلدان أخرى بينها نيبال عالقين في دبي، لكن لم يمكنهم تقديم معلومات أكثر تحديداً.
"ظروف صعبة"
معظم هؤلاء المتعاقدين العالقين في دبي لفتوا إلى أنهم لا يقدرون على عمل أي شيء باستثناء الانتظار، في ظل تناقص نقودهم على مدار فترة التوقف الممتدة لشهرين، موضحين أنهم يقضون وقتهم في مشاهدة التلفزيون، والتحدث إلى العائلة في الفلبين عبر تقنية الاتصال المرئي من الفندق، حيث توفر لهم شركة Fluor وجبات يومية.
كما لم تستجب شركة Fluor العملاقة في مجال البناء، ومقرها مدينة إيرفينغ بولاية تكساس الأمريكية والتي كانت أكبر متعاقد دفاعي في أفغانستان، لطلبات متكررة للتعليق قبل نشر هذا التقرير.
لكن الشركة أصدرت بعد نشره بياناً يقول: "إننا نواصل عمل كل ما بوسعنا لإعادة كل الموظفين المُطالبين بمغادرة أفغانستان"، مُلقية باللوم في هذه المشكلات على قيود السفر المرتبطة بالفيروس، وقالت إنها تعتني بكل المتضررين، ووعدت بـ"مواصلة العمل عن كثب مع الحكومة الأمريكية لإزالة هذه العوائق في أسرع وقتٍ ممكن".
إلى ذلك، تُظهِر السجلات الفيدرالية أن وزارة الدفاع الأمريكية أنفقت 3.8 مليار دولار لقاء عمل شركة Fluor في أفغانستان منذ عام 2015، معظمه مقابل خدمات لوجستية.
بدوره، أوضح جون سيفتون، مدير شؤون المناصرة في قسم آسيا بمنظمة هيومن رايتس ووتش، أن "الجميع يركز على القوات الأمريكية، وكذلك على الأفغان والمترجمين وغيرهم. لكن بالنسبة للعمال الأجانب العالقين، يمكن لإدارة بايدن أن تقول حسناً، كان يجب على شركاتهم وحكوماتهم أن تفعل كل ما بوسعها لإعادتهم إلى بلدانهم".
يشار إلى أن مستوى العنف في أفغانستان تصاعد، منذ مطلع مايو/أيار الماضي، مع اتساع رقعة نفوذ "طالبان"، تزامناً مع بدء المرحلة الأخيرة من انسحاب القوات الأمريكية المقرر اكتماله بحلول 31 أغسطس/آب الجاري.
بينما تعاني أفغانستان حرباً منذ عام 2001، حين أطاح تحالف عسكري دولي، تقوده واشنطن، بحكم "طالبان"؛ لارتباطها آنذاك بتنظيم القاعدة، الذي تبنى هجمات 11 سبتمبر/أيلول من العام نفسه في الولايات المتحدة.