احتاج الرئيس الصيني شي جين بينغ ست سنوات كي يلتقي بزعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون بعد أن خلف الأخير والده. وخلال الفترة نفسها، التقى شي برئيسة كوريا الجنوبية السابقة بارك غيون هاي ست مرات.
ورغم أن المسؤولين على جانبي نهر "يالو" قالوا إن إقامة علاقات ثنائية بين البلدين (الصين وكوريا الشمالية) كانت قريبة قرب الشفاه من الأسنان، كشفت المحادثات السرية عن ودٍ أقل بكثير؛ إذ قال أكاديمي صيني لمجلة National Interest الأمريكية إنه يتمنى أن تتبنى الولايات المتحدة "الحل الإسرائيلي"، أي قصف المنشآت النووية في كوريا الشمالية. وقال مسؤول كوري شمالي إن هدف بيونغ يانغ ليس الاعتماد على أي دولة بعينها، وواضح أي "دولة بعينها" يقصد.
تذبذب العلاقات بين الصين وكوريا الشمالية
وفعلاً، حرصت جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية دوماً على أن تحافظ على استقلالها، خاصةً من جيرانها المتسلطين في الشمال. إذ لم يُعجَب المؤسس كيم إيل سونغ بالثورة الثقافية البروليتارية الكبرى، بينما لم يحب الزعيم الصيني ماو تسي تونغ شيوعية كيم الملكية. وتدهورت العلاقات بين البلدين خلال الفترة الأخيرة من إدارة أوباما، حين دعمت بكين عقوبات أشد صرامة فرضتها الأمم المتحدة على كوريا الشمالية؛ رداً على العديد من تجاربها النووية والصاروخية.
ولكن بعد أن وافق الرئيس دونالد ترامب على عقد قمة مع كيم، بدأ شي في التقرب من الأخير؛ إذ أدرك خطورة الانسلاخ عن اتفاق بين بيونغ يانغ وواشنطن. أما كوريا الشمالية فكانت ترى الأخيرة على أنها قوة تدخلية، لكنها بعيدة، وبالتالي أقل خطورة. لكن كيم أراد أيضاً تحسين العلاقات مع الصين. وانعقدت أربعة اجتماعات أخرى كان آخرها قبل عامين.
ويواصل كيم الاستفادة من لين جمهورية الصين الشعبية (PRC)، حيث يعتقد على نطاق واسع أن بكين خففت من تطبيق العقوبات وتوفر الطاقة والأسمدة والمساعدات الغذائية لمساعدة كوريا الشمالية في الخروج من الجائحة. ويبدو أن العلاقة التجارية بين الدولتين الشيوعيتين قد انتعشت في الأشهر الأخيرة.
ويبدو أن كوريا الشمالية تأمل في زيادة التجارة مع جمهورية الصين الشعبية. على سبيل المثال، أرسلت بيونغ يانغ خبير التجارة، ري ريونغ نام، ليكون سفيرها الجديد في بكين. وقال وزير الخارجية الصيني وانغ يي عند ترحيبه بري في مايو/أيار الماضي إن "الصين تدعم جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية بقوة في تطوير اقتصادها وتحسين معيشة الشعب، وهي على استعداد لمواصلة تقديم المساعدة لها في حدود قدرتها".
كوريا الشمالية تأمل بدعم صيني لمواجهة "المجاعة"
وقد أفاد موقع NKNews الشهر الماضي أن كوريا الشمالية استأنفت بناء منشأة تطهير بالقرب من الحدود الصينية "في خطوة قد تشير إلى أن بيونغ يانغ تستعد لاستئناف التجارة على نطاق واسع مع الصين".
وتقول المجلة الأمريكية حيال ذلك، إن المخابرات الكورية الجنوبية أشارت إلى أن تأجيل افتتاح هذه المنشأة كان "الحادث الخطير" الذي أثار غضب كيم ودفعه لمعاقبة العديد من كبار المسؤولين في يونيو/حزيران. ومع حرص كيم على الحفاظ على استقرار بلاده واستمرار النظام وسط "مسيرة شاقة" جديدة، قد تعني مجاعة، فالمساعدات المقدمة من الصين والتجارة معها هي أفضل نقطة يبدأ منها.
وقد تحدثت إدارة بايدن عن سعيها للاستعانة بالصين لإقناع كوريا الشمالية بنزع السلاح النووي. وربما انتبه كيم لذلك، حيث زار الأسبوع الماضي برج الصداقة في بيونغ يانغ لتكريم القتلى الصينيين في الحرب الكورية. وأعلنت إذاعة صوت كوريا أن كيم "أعرب عن تقديره لشهداء متطوعي الشعب الصيني الذين قدموا حياتهم الثمينة لحرب تحرير الوطن الكورية في وجه العدوان الإمبريالي".
وهذه هي المرة الثانية فحسب التي يزور فيها كيم هذا النصب التذكاري. وقال إن العلاقات الثنائية "ستمضي بثبات على طريق القضية المشتركة جيلاً بعد جيل". وقبلها بوقت قصير، أرسل رسالة إلى شي جين بينغ أعرب فيها عن أسفه للفيضانات التي تجتاح جمهورية الصين الشعبية. وهذا الاهتمام بعلاقات الجوار تحول دراماتيكي عن الأيام التي كان يهزأ فيها المسؤولون الكوريون الشماليون بدور حليفتهم العملاقة.
وردت بكين برسالة مماثلة؛ إذ قال كيم الشهر الماضي إنه يأمل في الارتقاء بالعلاقات الثنائية إلى "مرحلة استراتيجية جديدة". ورد شي في رسالة بأنه يعتزم "حماية العلاقات بين البلدين وتوطيدها وتطويرها". وتعتزم الدولتان تحقيق "السلام والاستقرار والتنمية والازدهار في المنطقة بالتنفيذ الناجح للتفاهم المشترك المهم الذي توصل إليه الجانبان".
قوة العلاقة بين كوريا الشمالية والصين
وهذا التقارب الأخير بين كوريا الشمالية والجنوبية، إن صح أن يُطلق عليه ذلك، أثار نقاشاً عن إمكانية تحسين العلاقات بين الكوريتين وربما حتى عقد قمة أخرى بين كيم والرئيس الكوري الجنوبي مون جاي إن. لكن هذا التقدم في العلاقات أقرب إلى محاولة لدفع مون، الذي كان حريصاً دوماً على أن تسود العلاقات الودية شبه الجزيرة الكورية، للتخلي عن التدريبات العسكرية المخطط لها مع الولايات المتحدة، منها إلى جهد صادق لتقليل التوترات. وفي غياب استعداد سيول لخرق العقوبات الدولية، فلن تتمكن كوريا الشمالية من رد سوى جزء بسيط من الخدمات التي تقدمها لها جمهورية الصين الشعبية.
ويُحتمل أن كيم لهذا السبب، إن لم يوجد سبب آخر، باع روحه، أو على الأقل حرية التصرف، لبكين. وعلاوة على ذلك، تحاشت كوريا الشمالية الاستفزازات، مثل التهديد الذي أطلقه كيم عن "هدية عيد الميلاد" منذ فترة طويلة بالإضافة إلى اختبارات الصاروخ الباليستي العابر للقارات (ICBM) التي كُشف عنها في أكتوبر/تشرين الأول الماضي. وبذلك تصبح كوريا الشمالية، على ما يبدو، الدويلة الحيادية المطيعة التي سعت إليها الحكومات الصينية طويلاً.
وربما يفيد دعم الصين الواضح أيضاً القيود الصارمة التي يفرضها كيم على التأثيرات الثقافية الغربية وخاصة الكورية الجنوبية. ويبدو أنه قرر أن الإغواء الواضح للحياة خارج "مملكة الراهب" وجوها الخانق يشكل تهديداً وجودياً لبقاء النظام واستمرار عائلته في الحكم. وهو يرى أن توسيع العلاقات مع كوريا الجنوبية والولايات المتحدة يضمن بصورة شبه أكيدة توسع تأثيرهما في كوريا الشمالية. ومن جانبه، يحرص شي بالمثل على محو أدنى تلميح إلى أن للأفراد حقوقاً وأرواحاً تتجاوز التي حددها الحزب الشيوعي وزعيمه المجيد. وفي هذا الشأن، على الأقل، يفكر الزعيمان الشيوعيان ويعملان كيدٍ واحدة، بحسب وصف المجلة الأمريكية.
وحين نتحدث عن كوريا الشمالية، فلا يوجد شيء مؤكد أو محدد مسبقاً. ولكن في ظل الأزمة الاقتصادية التي تمر بها كوريا الشمالية وخوفها من التسلل الثقافي، يرجح أن تزداد علاقاتها مع الصين قوة. والجانب الإيجابي هو أن بكين ستستمر في استغلال نفوذها المتزايد لتثبيط الاستفزازات المزعزعة للاستقرار. ويبدو أن إدارة ترامب كانت بمثابة فترة استراحة قصيرة اختبر خلالها كيم الخيار الأمريكي ووجد أنه دون المستوى المطلوب. وقد تجد الولايات المتحدة نفسها تنتظر وقتاً طويلاً حتى تجد فرصة أخرى لتغيير العلاقات في شمال شرق آسيا.