لا تزال المعارك محتدمة بين حركة طالبان والجيش الأفغاني في عدة مدن ومناطق استراتيجية، حيث تشن الحركة حالياً معركة عنيفة للسيطرة على مراكز المدن، بعد سيطرتها على المناطق التي ما بينها، بما فيها البلدات والقرى والأرياف، بعد الانسحاب الأمريكي من البلاد.
وتكافح القوات الحكومية في أفغانستان -التي تقول تقارير إن أعدادها تفوق أعداد مقاتلي طالبان- لصدّ هجمات مسلحي الحركة على مدن رئيسية عدة، خلال الأيام الأخيرة، أبرزها هلمند وقندهار وهرات.
وبرغم تقدم طالبان في بعض الجبهات وضراوة المعارك، يقول محللون إن الانتصار العسكري الحاسم لطالبان لا يزال بعيداً كل البعد عن ضمانه، بالنظر إلى قدرة وموارد قوات الجيش الأفغاني، التي لا تزال تسيطر على المدن الكبرى، والتي يقاتل إلى جانبها العديد من الميليشيات المسلحة المناهضة لطالبان.
وتسيطر طالبان الآن على حوالي النصف أو أكثر، من مساحة أفغانستان، بعد هجمات خاطفة في الأشهر الماضية، منذ أن بدأت القوات الأجنبية انسحابها النهائي من البلاد، وفي هذا التقرير سنحاول عقد مقارنة بين حجم وقوة ونفوذ حركة طالبان مقابل قوات الجيش الأفغاني الحكومية.
عدد المقاتلين لدى كل من طالبان والجيش الأفغاني
يقول تقرير لـ"مكتب المفتش العام الخاص لإعادة إعمار أفغانستان" (سيغار)، إن إجمالي قوام القوات الأفغانية الحكومية -بما في ذلك الجيش والقوات الخاصة والقوات الجوية والشرطة والاستخبارات- كان أكثر من 307.000 في نهاية أبريل/نيسان الماضي.
لكن من المحتمل أن يكون عدد قوات الجيش الأفغاني المتاحة حالياً حوالي 180.000 جندي، وفقاً لتقديرات الباحث الأمريكي جوناثان شرودن من مركز الأبحاث العسكرية CNA. ويقاتل إلى جانب الجيش النظامي العديد من الميليشيات القبلية المناوئة لطالبان، التي لا يعرف بالتحديد حجمها، إلا أنها لا تزال تسيطر على بعض المناطق وتحاول منع طالبان من دخولها.
من ناحية أخرى، فإن القوة العددية لطالبان ليست معروفة بدقة، ولكن قال مراقبو مجلس الأمن الدولي، العام الماضي، إن الجماعة لديها ما بين 55 إلى 85 ألف مقاتل مسلح.
التمويل والدعم المالي
تعد المساعدات الخارجية أمراً بالغ الأهمية لأفغانستان، وهي واحدة من أفقر الدول في العالم. ويتطلب جيشها ما بين 5 و6 مليارات دولار أمريكي سنوياً، وفقاً لخدمة أبحاث الكونغرس الأمريكي، وتقدم واشنطن في العادة حوالي 75% منها، وتعهدت بمواصلة الدعم حتى بعد الانسحاب العسكري.
على الجانب الآخر، يعد تمويل حركة طالبان غير واضح، ولكن تقدر عائداتها ما بين 300 مليون دولار و1.5 مليار دولار سنوياً، وفقاً لمراقبي الأمم المتحدة.
وقال المراقبون إن مقاتلي طالبان يدرّون أموالاً من صناعة المخدرات الضخمة في البلاد، من خلال ابتزاز الشركات والمنظمات الإجرامية الأخرى، وفرض الضرائب في المناطق الخاضعة لسيطرتهم، وواردات المعابر الحدودية التي يسيطرون عليها.
وبحسب مراقبي الأمم المتحدة، فإنه "بناء على المعلومات المتاحة، من الواضح أن طالبان لا تعاني فيما يتعلق بالتجنيد أو التمويل أو الأسلحة أو الذخيرة".
وكانت واشنطن والحكومة الأفغانية قد اتهموا مراراً باكستان وإيران وروسيا بتزويد حركة طالبان بالموارد والدعم الاستشاري، لكن هذه الدول نفت هذه المزاعم بشكل قاطع.
التسليح والعتاد العسكري
أنفقت الولايات المتحدة عشرات المليارات من الدولارات لجمع وتجهيز الجيش الأفغاني، بعد أن أطاح بنظام طالبان السابق في عام 2001.
وتمتلك القوات الأفغانية ميزات عديدة على طالبان، إذ تستخدم مجموعة واسعة من الأسلحة الغربية الصنع، بما في ذلك البنادق الهجومية الحديثة، ونظارات الرؤية الليلية، والعربات المدرعة، والمدفعية، وطائرات المراقبة الصغيرة بدون طيار.
ولدى الجيش الأفغاني سلاح لا يمكن لطالبان مواجهته، وهو السلاح الجوي. وأفاد تقرير "SIGAR" أن الجيش الأفغاني لديه أسطول جوي متاح من 167 طائرة، بما في ذلك طائرات هليكوبتر هجومية.
من ناحية أخرى، تستخدم طالبان بشكل أساسي الأسلحة الصغيرة والأسلحة الخفيفة التي غمرت أفغانستان على مدى عقود من الصراع -مثل البنادق الهجومية من طراز AK-47 سوفيتية التصميم- بينما اشترتها أيضاً من الأسواق السوداء الإقليمية، كما تقول التقارير.
بالإضافة إلى بنادق القنص والمدافع الرشاشة تمتلك طالبان قذائف صاروخية وقذائف هاون وصواريخ صغيرة أخرى، بينما كانت تحاول أيضاً استخدام بعض الأسلحة المضادة للطائرات والدبابات، كما يذكر الخبير بحركة طالبان أنطونيو جوستوزي في أحد مؤلفاته حول الحركة عام 2019.
وتمتلك طالبان أيضاً جيشاً من "الانتحاريين"، وتستخدم سلاح العبوات الناسفة في معاركها ضد القوات الأفغانية والأجنبية. وخلال السنوات الأخيرة نجحت طالبان في الاستيلاء على أسلحة ومعدات غربية الصنع، من الجيش الأفغاني، بما في ذلك أجهزة الرؤية الليلية والبنادق الهجومية والمركبات المصفحة.
التماسك والروح المعنوية
عانى الجيش الأفغاني لسنوات من خسائر فادحة وفساد وهروب الآلاف من الخدمة، والآن زاد ذلك رحيل القوات الأجنبية وانتهاء الدعم الجوي الأمريكي للقوات النظامية، ولسنوات تم إلقاء اللوم على سوء التخطيط والقيادة في تدني الروح المعنوية.
في المقابل، أظهرت حركة طالبان طوال العشرين عاماً من الحرب تماسكاً أكبر من الجيش الأفغاني، رغم تقارير أجنبية تحدثت عن وقوع انقسامات داخلية في السنوات الأخيرة داخل الحركة، كما أن العامل الديني وكذلك الوعود بتحقيق مكاسب مادية والتطلع إلى إعادة حكم أفغانستان كلها عوامل تقوي الجبهات الداخلية لطالبان.