عندما سأل اللاعب القطري معتز برشم الحكم في أولمبياد طوكيو: "هل يمكن أن يفوز كلانا بالذهب؟"، لم يرد من خلال السؤال الاستيضاح بقدر ما أراد فعلاً مشاركة ذهبية الوثب العالي مع الإيطالي جانماركو تامبيري، الذي لم يكن فقط منافسه بل وصديقه أيضاً.
بالفعل قرر الحكم فوز كليهما، وتشارك برشم (30 عاماً) الذهبية مع تامبيري، للمرة الأولى في ألعاب القوى منذ عام 1912، بعد تجاوزهما علو 2.37 م في ظلّ مساواة تامة بالنجاح والإخفاق.
كان الحكم قد خيّرهما بين تشارك الذهبية أو خوض ملحق فاصل، ففضّلا الاحتفال معاً بالذهبية فتعانقا، قبل أن يحتضن برشم رئيس اللجنة الأولمبية القطرية الشيخ جوعان بن حمد آل ثاني.
قال برشم في تصريح لوكالة الأنباء الفرنسية بعد نيله أول ذهبية أولمبية في مسيرته الزاخرة، إنه قرّر التشارك "لأنني لا أريد المخاطرة، لو كانت بطولة عادية ربما، لكن في الأولمبياد غير واردة".
أضاف ضاحكاً: "اتفقنا أن يحصل الفائز على دعوة للعشاء من قبل الخاسر، أما الآن، فسيدفع كل منّا تكلفة العشاء".
لكن هذه كلمات لا تصف علاقة عادية بين رياضيَّيْن، صودف أن قدريهما اجتمعا في الأرقام كما في الإصابة، التي طالت برشم في العام 2018 وفي كاحله أيضاً، وأبعدته موسماً.
هكذا توطّدت تلك الصداقة، فلدى احتفاله بالذهبية، تمدّد تامبيري على الأرض ووضع إلى جانبه قطعة جبس كتب عليه "الطريق إلى طوكيو 2020" وشطب عام 2020 واستبدلها بـ2021.
تلك القطعة هي التي جبّرت بها رجل تامبيري عندما كسر كاحله في العام 2016 في موناكو، وحُرم من المشاركة في أولمبياد ريو في البرازيل، وقال تامبيري: "بعد هذه الإصابة كانت العودة صعبة. لكن الفوز اليوم يعوّض كثيراً عما حصل".
"لا تقفز من أجلهم"
حكاية الصداقة القديمة بين برشم وتامبيري، كشف عنها الأخير في رسالة مفتوحة إلى اللاعب القطري، ونُشرت في يناير/كانون الثاني 2018، وكان عنوانها "صديقي معتز"، ونشرها موقع spikes.
يقول اللاعب الإيطالي إن "كثيراً من الناس لا يدركون أننا قريبون حقاً في الوثب العالي. عندما كسرت كاحلي في موناكو عام 2016 جاء الجميع على الفور وحاولوا مواساتي (…) إنه أمر مدهش، أنا خصمهم، لكنني حقاً صديقهم".
أضاف أنه عندما بدأ مرحلة إعادة التأهيل التي استمرت طوال عام، عاد إلى المنافسة في 2017 في أوسترافا التشيكية، وقال: "كنت أشعر كأنني طفل يتنافس مع الكبار (…) بعدها ذهبت من أوسترافا إلى باريس (الدوري الماسي)، وقدّمت أداء سيئاً.. فظيعاً حقاً. كنت أشعر بالإحباط، كان اللاعبون يأتون إليّ، لكنني لم أرغب في التحدث إلى أحد".
تابع تامبيري: "ذهبت مباشرة إلى غرفتي، وفي اليوم التالي بدأ معتز يطرق على باب غرفتي ولم يرحل. في البداية كنت أريده فقط أن يغادر. أصرّ وراح يصرخ جيمبو، جيمبو، من فضلك أريد التحدث إليك؛ لذلك استسلمت وسمحت له بالدخول".
يروي تامبيري أنهما تحدثا وأنه بكى أمام اللاعب القطري الذي حاول أن يهدئه، ويضيف: " ظل يقول لي لا تحاول التسرّع. لقد تعرّضت لإصابة كبيرة، لقد عدت بالفعل إلى الدوري الماسي. لا أحد يتوقع ذلك. ولكن الآن عليك أن تأخذ وقتك، فلا تتوقع الكثير من نفسك في وقت مبكر جداً. فقط انظر ماذا سيحدث".
أشار تامبيري في رسالته أيضاً إلى أن برشم ساعده على إدراك أن يقوم بالشيء لنفسه وليس من أجل الآخرين، وذلك عندما قال برشم: "لا تقفز من أجلهم، عليك أن تقفز من أجل نفسك".
تلك المحادثة كانت دافعاً لتامبيري الذي قرّر المنافسة في بودابست من دون أن يخبر أحداً، إلا منظمي البطولة، وبرشم، وذهب تامبيري إلى بودابست ونافس وسجّل 2.28م: "لأنني لم أرغب في القفز من أجل أي شخص، كنت أرغب في القفز لنفسي".
ويملك برشم ثاني أعلى قفزة في التاريخ 2.43 متر، كما أصبح أول آسيوي يحرز ثلاث ميداليات أولمبية في ألعاب القوى، وكذلك ثاني رياضي يحرز ثلاث ميداليات أولمبية في القفز العالي بعد السويدي باتريك سيوبرج (فضية وبرونزيتان).
تُعد هذه ثاني ذهبية لقطر في طوكيو بعد ذهبية فارس إبراهيم في وزن 96 كيلوغراماً في رفع الأثقال التي أحرزها يوم السبت الفائت.