جاء طلب إثيوبيا من الجزائر تصحيح صورتها لدى جامعة الدول العربية، وما أعقب ذلك من زيارة لوزير الخارجية الجزائري الجديد رمطان لعمامرة للخرطوم والقاهرة ليعطي مزيداً من الزخم للحديث عن وساطة جزائرية في أزمة سد النهضة، فما هي فرص نجاح هذه الوساطة المحتملة؟
خلال زيارة العمامرة لأديس أبابا، أعلنت وزارة الخارجية الإثيوبية "طلبها من الجزائر للوساطة مع القاهرة والخرطوم حول ملف أزمة سد النهضة". ولكن بدا الأمر بشكل غير مباشر.
ودعا وزير الخارجية ونائب رئيس الوزراء الإثيوبي ديميكي ميكونين خلال لقائه رمطان لعمامرة، الجزائر "إلى لعب دور بنّاء في تصحيح التصورات الخاطئة لجامعة الدول العربية بشأن سد النهضة"، وفق ما أوردته وسائل الإعلام الإثيوبية.
تصحيح التصورات العربية الخاطئة أم طلب وساطة جزائرية في أزمة سد النهضة
ودعا وزير الخارجية نائب رئيس الوزراء الإثيوبي، ديميكي ميكونين، خلال لقائه وزير الخارجية رمطان لعمامرة، الجزائر إلى لعب دور بنّاء في "تصحيح التصورات الخاطئة لجامعة الدول العربية بشأن سد النهضة"، مؤكداً "نيات إثيوبيا في الاستخدام العادل والمنصف لمياه النيل"، معرباً عن التزام أديس أبابا الراسخ استئناف المفاوضات الثلاثية بشأن سد النهضة برعاية الاتحاد الإفريقي، كما طلب من الوزير لعمامرة إقناع السودان بحل مشكلته الحدودية مع إثيوبيا سلمياً، وفق الآليات المشتركة القائمة، والامتناع عن استخدام القوة؛ لأنه لن يحل المسألة ودياً.
وفي السياق ذاته، شرحت رئيسة إثيوبيا، ساهيل وارك زودي، أثناء محادثات مع وزير الخارجية لعمامرة، الوضع في تيغراي والتعبئة الثانية لسد النهضة الكبير، حسب ما جاء في تغريدة لها على حسابها عبر "تويتر".
رمطان لعمامرة يقوم بزيارة السودان
وبعد ذلك، زار وزير الخارجية الجزائري الخرطوم كأول مسؤول جزائري يزور السودان منذ سقوط نظام الرئيس المخلوع عمر حسن البشير، التقى خلال الزيارة مع رئيس مجلس السيادة السوداني الفريق أول ركن عبدالفتاح برهان، وكذا مع رئيس الوزراء السوداني عبدالله حمدوك.
كما عقد لعمامرة جلسات مباحثات موسعة مع نظيرته السودانية مريم الصادق المهدي، تم خلالها بحث واستعراض جملة من القضايا المتعلقة بالعلاقات الثنائية المتميزة بين البلدين والجهود الرامية لحلحة الأزمات في منطقتي القرن الإفريقي وشمال إفريقيا، بحسب تغريدة للوزير الجزائري.
ورحبت وزيرة الخارجية السودانية مريم الصادق بنظيرها الجزائري، وقدمت شرحاً مفصلاً حول تطورات الوضع في أزمة سد النهضة.
وأشارت إلى أن الخرطوم تسعى للوصول إلى حل دبلوماسي لأزمة سد النهضة، وشددت على موقف السودان الثابت الذي يتمثل في ضرورة الاتفاق القانوني الملزم حول ملء السد.
وأعربت وزيرة الخارجية السودانية عن أملها في عودة إثيوبيا إلى رشدها في التعاطي مع الموقف السوداني بمسؤولية وإرادة، وبيّنت الوزيرة أن السودان قلق للأوضاع في إثيوبيا وحريص على الاستقرار فيه.
وأكدت وزارة الخارجية الجزائرية، في بيان لها أن زيارة لعمامرة إلى الخرطوم "تندرج في إطار الجهود المشتركة للبلدين الرامية إلى تنشيط التعاون الثنائي في جميع المجالات، وتعزيز سنة التشاور والتنسيق بخصوص القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك، لا سيما التوترات السائدة في منطقة القرن الإفريقي"، حسبما ورد في موقع "العين".
ثم القاهرة
ثم زار وزير الخارجية الجزائري مصر بعد ذلك، حيث استقبله الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، الذي أكد له موقف مصر الثابت بالتمسك بحقوقها التاريخية من مياه النيل والحفاظ على أمنها المائي.
وشدد السيسي في هذا الإطار على أهمية قيام كافة الأطراف المعنية بالانخراط في عملية التفاوض بجدية وبإرادة سياسية حقيقية للوصول لاتفاق شامل وملزم قانوناً حول قواعد ملء وتشغيل سد النهضة، حسبما جاء في بيان للمتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية.
تعد القاهرة رابع محطة خارجية لوزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة منذ توليه منصبه، مطلع الشهر الحالي، بعد زيارته تونس وإثيوبيا والسودان.
وكان سامح شكري وزير الخارجية المصري من أوائل المسؤولين العرب الذين تحادث معهم وزير الخارجية الجزائري الجديد رمطان لعمامرة بعد تعيينه في منصبه الجديد، وبحث الوزيران وجهات النظر بشأن الأوضاع الإقليمية.
وحسب المعلن لم تطلب إثيوبيا وساطة جزائرية في أزمة سد النهضة، ولكن طلبت وساطة جزائرية لتصحيح المعلومات الخاطئة عن سد النهضة في العالم العربي.
ويأتي ذلك فيما تكاد الجامعة العربية وأعضاؤها الاثنان والعشرون هي الجهة الوحيدة التي تؤيد موقف مصر والسودان في أزمة سد النهضة، وهو ما ظهر في الاجتماع الطارئ لوزراء الخارجية العرب الذي عقد في قطر الرئيس الحالي لمجلس الجامعة العربية وصدر عنه بيان مؤيد لموقف مصر والسودان، وكان أساساً لذهاب البلدين إلى مجلس الأمن والذي قدم له مشروع قرار تونسي بشأن الدعوة لتوسع الوساطة في الأزمة ووضع إطار زمني لها، وهو المشروع الذي لم يقره مجلس الأمن، فيما بدت أغلب مواقف أعضاء مجلس الأمن متراوحة بين الحياد السلبي والتأييد الضمني لموقف إثيوبيا مثلما بدا تحديداً من روسيا.
وبحسب الإعلام الإثيوبي والجزائري، فقد طلب وزير الخارجية الإثيوبي من نظيره الجزائري أيضاً "التوسط لحل المشكلة الحدودية مع السودان سلمياً وفق الآليات المشتركة القائمة، والامتناع عن استخدام القوة، لأنه لن يحل المسألة ودياً".
في السياق ذاته، كشفت، وسائل إعلام مصرية عن أن زيارة لعمامرة إلى القاهرة تأتي في "إطار مبادرة جزائرية لتقريب وجهات النظر بين مصر والسودان وإثيوبيا حول سد النهضة".
لماذا الوساطة الجزائرية الآن؟
قوبل تعيين رمطان العمامرة في منصب وزير الخارجية ببعض الاعتراضات في الجزائر، لأنه محسوب على الحرس القديم وعهد بوتفليقة، ولكن لا يستطيع أحد أن ينكر خبرته الدبلوماسية الكبيرة وتميزه بالهدوء والخبرة في المجال الإفريقي، خاصة حيث تولى رئاسة مجلس السلم والأمن الإفريقي.
ورغم أن منطقة القرن الإفريقي بعيدة جغرافياً عن الجزائر، إلا أن الجزائر دولة عربية كبيرة، وهي من أنشط الدول العربية في إفريقيا دبلوماسياً إن لم تكن أنشطها، وهو ما مكَّنها من دعم جبهة البوليساريو أمام المغرب.
ومنذ استقلالها، أعطت الجزائر اهتماماً كبيراً لإفريقيا أكبر من معظم الدول العربية، وهو دور ظل مستمراً، ولم يحدث له انقطاع مثلما حدث مع مصر بعد رحيل رئيسها جمال عبدالناصر الذي دعم استقلال أغلب الدول الإفريقية.
وكان للجزائر دور في الوساطة بين في صراعات عديد من البلدان، بما في ذلك الصراع الإثيوبي-الإريتري، وهو الدور الذي شكرت الرئيسة الإثيوبية الجزائر عليه خلال زيارة لعمامرة إلى أديس أبابا.
ويعد تفعيل الدور الدبلوماسي الإفريقي بما في ذلك احتمال إطلاق وساطة جزائرية في أزمة سد النهضة، دليلاً على عودة الجزائر إلى دورها ومكانتها عربياً ودولياً في عهد الرئيس تبون.
ماذا تستفيد الجزائر؟
بالنسبة للجزائر فإن نجاح هذه الوساطة، سيطلق رسائل داخلية وخارجية على استقرار النظام، كما أن الجزائر التي أصبحت من بين دول عربية قليلة لا تطبع مع إسرائيل أو لا تسعى لذلك، وهي ليست مرتاحة للصعود الإسرائيلي في إفريقيا والذي كان آخر مظاهره قبول إسرائيل كمراقب في الاتحاد الإفريقي.
والجزائر قد تحقق كثيراً من المكاسب من وراء هذه الوساطة، إضافة لاستعادة دورها الدبلوماسي، منها أنها قد تحصل على موقف مصري أكثر تفهماً لمصالحها في ليبيا.
كما قد يكون هناك مزيد من التنسيق المصري-الجزائري بشأن الأزمة التونسية، خاصة أن الجزائر قد تكون غير معترضة على قرارات الرئيس التونسي قيس سعيد بتجميد البرلمان وإضعاف الديمقراطية وإقصاء الإسلاميين، ولكنها لا تريد تحول تونس إلى عضو تابع للمحور الثلاثي المصري-السعودي-الإماراتي الذي للجزائر تحفظات على سلوكه سواء فيما يتعلق بمحاولته التفرد بالزعامة في العالم العربي والتدخل في الشؤون المغاربية أو محاولة إشعال حرب بين الإسلاميين ومجتمعاتهم على الطراز المصري بعد 30 يونيو/حزيران، لأنه رغم رغبة الجزائر والمغرب على السواء في تحجيم الإسلاميين، إلا أن طريقتهم أن يتم ذلك التحجيم من داخل النظام وليس طرده خارجه بعدما عانت الجزائر كثيراً جراء ذلك خلال العشرية السوداء.
كما يمكن أن تؤدي هذه الوساطة لتعزيز موقف الجزائر في خلافها مع المغرب في أزمة الصحراء، وتدرأ أي احتمالات لمزيد من الاعترافات المشرقية بمغربية الصحراء، ورغم أن مصر لم تتطرق لهذا الملف، ولكن هذا قد يكون مفيداً للجزائر بشكل استباقي، خاصة في ظل الارتباط المثير للغضب بالنسبة للجزائر بين قطار التطبيع والاعتراف بمغربية الصحراء.
فأي وساطة جزائرية في أزمة سد النهضة، من شأنها تعزيز مصالح الجزائر ومواقفها في قضايا أخرى متعددة.
هل تنجح الوساطة الجزائرية في سد النهضة؟
تتمتع الجزائر بتاريخ جيد في العلاقات الدبلوماسية، وخاصة الوساطات؛ حيث عرف عنها قياداتها ودبلوماسيتها الهدوء والنزاهة في القضايا الخارجية وخليط من الكتمان والالتزام بأعراف ومبادئ مستمدة من نضال الجزائر، ولديها إرث طويل من التأكيد على عدم التدخل في الشؤون الداخلية، (وقد يكون الاستثناء هو الصحراء).
ولكن نجاح الوساطة الجزائرية قد لا يكون متوقفاً بشكل كبير على الجزائر ولا حتى على مصر والسودان، بل على إثيوبيا.
فلقد سبق أن توسطت الولايات المتحدة وهي أكبر دولة في العالم في عهد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بين الدول الثلاث، ورفضت أديس أبابا في اللحظات الأخيرة التوقيع على اتفاق صاغته هذه الوساطة، كما أن إثيوبيا فعلياً أفرغت وساطة الاتحاد الإفريقي من مضمونها.
ومقدار نجاح أي وساطة مرتبط إما بامتلاكها الوساطة لأدوات الضغط أو وجود ضغوط على أطراف الأزمة للقبول بمقترحات الوساطة.
وخلال الفترة الماضية، بدا واضحاً أن مصر والسودان ليس لديهما أوراق للضغط على إثيوبيا، وحتى تحرير الجيش السوداني للفشقة والمناورات المصرية-السودانية المشتركة وتهديدات الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي لم يظهر أن لها تأثيراً على إثيوبيا التي أصرت على الملء الثاني للسد دون اتفاق.
ولكن التغير الوحيد على الأرض، بالنسبة لإثيوبيا هو ما يحدث في إقليم تيغراي، حيث تعرضت القوات الحكومية الإثيوبية وقوات إقليم الأمهرة والقوات الإريترية الحليفة لها لهزيمة كبيرة أدت إلى سقوط عاصمة الإقليم وتقدم قوات جبهة تحرير تيغراي إلى أراضي إقليم الأمهرة وإقليم عفار المجاورين، وسط حديث عن إمكانية اقتراب قوات التيغراي من خط النقل الرئيسي الذي يربط بين أديس أبابا وميناء جيبوتي، كما أن دعوة آبي أحمد قوات الإقاليم لمساندة القوات الحكومية في حرب تيغراي كشف عن حجم الأزمة التي أصبح يواجهها.
ومع أنه ليس هناك أي معلومات عن وجود دعم مصري أو سوداني للتيغراي، إلا أن التزامن بين انتصارات مسلحي التيغراي الكبيرة، وبين وصول أزمة سد النهضة إلى نفق مسدود يثير تساؤلات حول وجود يد مصرية أو سودانية في تيغراي خاصة أن الإقليم يتاخم السودان، كما أن القوات الحكومية الإثيوبية والقوات الإريترية كانت قد حققت انتصارات كبيرة في بداية الحرب.
وبصرف النظر عن وجود دور مصري أو سوداني في أزمة تيغراي، فالأكيد أن الأزمة باتت تمثل عامل ضغط على آبي أحمد، وقد تكون سبباً في بحثه عن وساطة جزائرية في أزمة سد النهضة.
ولكن الأمر قد يكون مختلفاً، وقد يكون الطلب الإثيوبي من الجزائر مجرد وسيلة للإلهاء والتشتيت وحملة علاقات عامة بعد تدهور صورة إثيوبيا في العالم العربي، بل محاولة لاستقطاب الجزائر وإبعادها عن الموقف المصري والسوداني.
ومما قد يزيد من هذا الاحتمال أن أديس أبابا طلبت من الجزائر تصحيح ما وصفته بالمعلومات المغلوطة عن سد النهضة في الجامعة والأوساط العربية التي قالت إنها تروج من قبل وسائل الإعلام؛ فلسان حال أديس أبابا يقول إن الأزمة خلقتها مصر والسودان ووسائل الإعلام.
فصيغة الطلب الإثيوبي حمَّالة أوجه، وتمكِّنها من التنصل لاحقاً والقول إنها لم تطلب وساطة جزائرية في أزمة سد النهضة.
وكما تنصلت أديس أبابا من قبل من الوساطة الأمريكية فإنها قد تفعل في أي وساطة جزائرية في أزمة سد النهضة، مهما كانت مكانة الجزائر عربياً وإفريقياً.
فوجود أوراق ضغط فعالة وليست فقط الوساطة النزيهة هي الطريق لحل أزمة سد النهضة.