منذ أسابيع قليلة أعلن مجلس الوزراء العراقي، برئاسة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، عن بدء العمل على بناء مدينة إدارية جديدة على أطراف العاصمة العراقية بغداد، وقريبة من منطقة مطار بغداد الدولي، بهدف تقليل الضغط السكاني على المدن العراقية، وتنشيط قطاع الاستثمار العراقي فى البلاد.
وبحسب بيان مجلس الوزراء العراقي، فإن المدينة الإدارية الجديدة التي ستقام على مساحة 300 ألف متر مكعب، في منطقة قضاء أبوغريب بالقرب من مطار بغداد الدولي، ستحمل اسم مدينة "الرفيل"، نسبة إلى أحد الأنهار القديمة في مدينة بغداد.
الانفجار السكاني هو الدافع وراء العاصمة الإدارية
في إعلانه عن قرار بناء عاصمة إدارية، قال رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، إن الهدف منها هو مواجهة الانفجار السكاني المتزايد في العراق، وخاصة في العاصمة بغداد.
يقدر عدد سكان مدينة بغداد بأكثر من 7.3 مليون نسمة، وتعتبر المدينة المركزية لجميع أنحاء العراق، فهي موطن مختلف الإدارات والمؤسسات الحكومية، وتتوفر فيها معدلات العمل مقارنة بالمدن الجنوبية على سبيل المثال.
جاء في بيان الحكومة العراقية، خطة بناء المدينة التي ستتكون من أربع مراحل هي: الأولى تشمل المجمعات السكنية والتجارية والتعليمية، والطبية والترفيهية، وتشمل المرحلة الثانية المشاريع الصناعية، أما المرحلة الثالثة فستضم المشاريع الزراعية والغذائية، وتأتي المرحلة الرابعة والأخيرة والتي ستكون في منطقة قضاء أبوغريب، دون الإفصاح عن تفاصيل هذه المرحلة حتى الآن.
في حديثه لـ"عربي بوست"، قال أحد مستشاري رئيس الوزراء العراقي، مصطفى الكاظمي: "مدينة الرفيل مشروع عملاق، يحتاج الكثير من الجهد والاستثمارات، ومن شأنه أن يحد من الانفجار السكاني في بغداد، لكن برأيي يحتاج الأمر إلى التفكير مرة ثانية، والدراسة المتعمقة أكثر".
استياء المكون السُّنّي من مشروع العاصمة الإدارية
بمجرد الإعلان عن بناء عاصمة إدارية في العراق، وحتى الآن، لم يتوانَ السياسيون السُّنة في إبداء استيائهم وانتقادهم لهذا المشروع المقرر البدء به في المستقبل القريب، فندد تحالف "العزم" السني بزعامة السياسي السني الشهير خميس الخنجر، بالمشروع، متهماً إياه بأنه محاولة لإحداث تغيير ديموغرافي في غرب العاصمة.
مصدر مقرب من السيد خميس الخنجر تحدث لـ"عربي بوست"، قائلاً: "السيد خميس وعدد من السياسيين السنة لديهم مخاوف عميقة بشأن هذا المشروع، الذي من المقرر أن يقام في مناطق غرب بغداد، باتجاه محافظة الأنبار السنية، وكل هذه المناطق هي ذات أغلبية سكانية من الطائفة السنية".
وفي نفس السياق، أكد رئيس البرلمان العراقي الأسبق، محمود المشهداني لـ"عربي بوست" نفس المخاوف السنية من مشروع العاصمة الإدارية العراقية، قائلاً: "المخاوف الطائفية من هذا المشروع جدية، لدينا أسبابنا لرفض هذا المشروع الذي سيعمل على تجريف أراضي السنة في هذه المناطق، لابد أن يتخلى الكاظمي عن هذا المشروع لعدم إثارة الفتن في العراق".
يقول سياسي سُني مقرب من السيد خميس الخنجر، لـ"عربي بوست": "بالطبع تسيطر الفصائل المسلحة الشيعية على هذا المشروع، وسيقوم رجال الأعمال الموالون لهم بالاستثمار في هذه الأراضي، وفي المقابل سيتم إقصاء السنة تماماً وطردهم من منازلهم وأراضيهم".
المزيد من المخاوف
أثار مشروع العاصمة الإدارية في العراق مخاوف أخرى بشأن تجريف الأراضي الزراعية في المناطق المقرر بناء المدينة الإدارية الجديدة عليها، يقول النائب البرلماني مضر الكروي، لـ"عربي بوست": "لم يتم طرح المشروع على أعضاء البرلمان، ولم نتمكن من فحصه بدقة، لكن الأراضي المخصصة لهذا المشروع هى بالفعل أراض زراعية منتجة، ناهيك عن أن هذه الأراضي يسكنها حوالي 300 ألف شخص، فأين ستتم إعادة تسكينهم وكيف سيتم تعويضهم عن هذه الأراضي الزراعية؟".
يضيف الكروي لـ"عربي بوست": "كان من البديهي إقامة المشروع على أراضٍ بور، والاحتفاظ بأراضي بغداد الزراعية، حل مشكلة الانفجار السكاني لا يصح أن يكون على حساب أهالي بغداد".
يقول أحد مستشاري رئيس الوزراء العراقي، مصطفى الكاظمي، لـ"عربي بوست"، معلقاً على مسألة تجريف الأراضي الزراعية: "هذه مشكلة أبدية في العراق، في العام الماضي تم تجريف حوالي 15 قطعة أرض زراعية وتحويلها إلى أحياء سكنية، لمواجهة الانفجار السكاني في بغداد، هذا الأمر من المفترض أن تتم معالجته في مشروع العاصمة الإدارية".
في السياق نفسه، كانت قد دافعت السيدة سها النجار، رئيسة هيئة الاستثمار العراقية، عن مشروع العاصمة الإدارية، قائلة في بيان لها: "إن مشروع مدينة الرفيل يشوبه الكثير من سوء الفهم وعدم الدقة في تناول المعلومة في الرأي العام".
مسؤول رفيع المستوى في هيئة الاستثمار العراقية تحدث لـ"عربي بوست"، مفضلاً عدم ذكر اسمه، لأنه غير مخول له التحدث إلى وسائل الإعلام، علق على الموضوع قائلاً: "في حقيقة الأمر، لم تتم مناقشة الكثير من الأمور الفنية الخاصة بالعاصمة الإدارية، لكن السيد الكاظمي في اجتماعه مع المسؤولين قال إنه ستتم الاستعانة بالخبرات الأخرى في الدول المجاورة لإنجاز هذا المشروع دون المساس بالأراضي الزراعية أو سكان هذه المناطق".
وبالرغم من أن السيدة سها نجار، رئيسة هيئة الاستثمار العراقية، قد صرحت لوسائل الإعلام المحلية، مؤكدة أن المشروع طُرح بعد دراسات مستفيضة تضم كافة الجوانب المتعلقة به، فإن مسؤولاً حكومياً عراقياً قال لـ"عربي بوست": "طلب الكاظمي من الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي المساعدة في هذا المشروع، خاصة أن مصر قد أنهت تجربتها قريباً في بناء عاصمة إدارية جديدة، وستتم الاستعانة بالخبرات المصرية لاستكمال باقي خطط المشروع العراقي".
فتح الباب أمام الاستثمار الأجنبي
تعوِّل الحكومة العراقية، برئاسة مصطفى الكاظمي، على أن يصبح مشروع العاصمة الإدارية جالباً للاستثمارات الأجنبية والمحلية في قطاع الإسكان العراقي الذي يعاني من قلة الاستثمار.
يقول أحد مستشاري الكاظمي لـ"عربي بوست": "الاقتصاد العراقي بحاجة إلى الاستثمار في قطاع الإسكان، أحد الأهداف الرئيسية لمشروع العاصمة الإدارية هو فتح الباب أمام الاستثمار المحلي والأجنبي بشكل خاص، لكن هذا الأمر ما زال محل شك".
يقول المصدر ذاته إن المحاولات السابقة للاستثمار الأجنبي في مجال العقارات باءت بالفشل، فقد حاولت شركة إعمار العقارية الإماراتية أكثر من مرة الدخول إلى سوق العقارات العراقية، لكنها فشلت في التوصل إلى اتفاق جاد مع الحكومة العراقية لأسباب مختلفة.
أما عن مشروع العاصمة الإدارية، فيقول المستشار الحكومي: "ستقوم الحكومة بطرح مناقصة خلال الشهر المقبل، لاستقبال مقترحات الشركات العراقية والعربية وحتى العالمية لبدء تنفيذ البناء في العاصمة الإدارية، تتوقع الحكومة مشاركة الشركات المصرية والأردنية والكورية الجنوبية بشكل كبير في هذه المناقصات".
يظل الفساد عائقاً لهذا المشروع
على ما يبدو فإن الحكومة العراقية الحالية برئاسة مصطفى الكاظمي، مصممة على البدء في مشروع بناء عاصمة إدارية على أطراف العاصمة العراقية بغداد، دون النظر إلى كمية الانتقادات السابق ذكرها.
لكن تزداد المخاوف الحكومية وغيرها من وقوف الفساد والفصائل المسلحة عائقاً أمام استكمال هذا المشروع، يقول المسؤول الحكومي العراقي في حديثه لـ"عربي بوست": "سبق أن عطل الفساد الإداري والمالي العديد من مشاريع الإسكان السابقة، في العامين الماضيين، أقدمت الحكومة على بناء 20 مشروعاً سكنياً في مدينة بغداد، باستثمار محلي، لكن جميع المشاريع توقفت وتعطل استكمالها إلى الآن بسبب خلافات سياسية وعشائرية على الأراضي المقام عليها المشاريع".
أما فيما يخص عائق الخلافات السياسية، يقول المصدر ذاته: "تامل الحكومة في جلب الاستثمارات الأجنبية، خاصة المصرية والسعودية، وهذا أمر صعب تحقيقه للغاية، لأن هناك فصائل وأحزاباً سياسية ومسلحة لا تريد أي استثمار عربي داخل العراق".
يتنبأ عدد من الخبراء والمسؤولين ممن تحدثوا لـ"عربي بوست"، داخل العراق، بفشل هذا المشروع على الأرجح، فبعضهم يتوقع ألا يتم البدء به إلا بعد الانتخابات البرلمانية المقرر إجراؤها في شهر أكتوبر/تشرين الأول المقبل، وحينها ستقرر الأحزاب المسيطرة على البرلمان مصير هذا المشروع.
والبعض الآخر يرى أنه من الصعب استكمال مشروع بهذه الضخامة دون الاستعانة بالاستثمارات الأجنبية التي من الصعب جداً جلبها إلى العراق، بسبب الوضع السياسي والأمني المضطرب.