عبرت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن عن "قلقها" بشأن تطورات الأوضاع في تونس، وقالت إنه "حتى الآن لا يمكن وصف ما إذا كانت قرارات الرئيس التونسي انقلاباً"، فكيف يمكن أن يؤثر هذا الغموض على الموقف المشتعل في تونس.
تعليق البيت الأبيض على الأحداث التي تشهدها تونس منذ مساء الأحد 25 يوليو/تموز، واتصال وزير الخارجية أنتوني بلينكن بالرئيس التونسي قيس سعيد، وبيان الخارجية الأمريكية يمكن تلخيصها في أن موقف واشنطن لا يزال "غامضاً".
وكان الرئيس التونسي قد اتخذ قرارات مفاجئة بتجميد عمل البرلمان وإقالة حكومة هشام المشيشي، مستنداً إلى الفصل 80 من الدستور والذي يخول لرئيس الجمهورية اتخاذ إجراءات استثنائية في حالة وجود خطر داهم يهدد أمن البلاد واستقلالها.
لكن تفسير الرئيس لبنود الفصل 80 من الدستور رفضته أغلب القوى السياسية في البلاد، واعتبرته حركة النهضة التي تمتلك أكبر كتلة برلمانية "انقلاباً على الثورة والدستور"، حسب وصف رئيسها ورئيس البرلمان راشد الغنوشي.
كما رفضته ثاني أكبر كتلة برلمانية وهي حزب قلب تونس واعتبرت قرارات الرئيس سعيد "خرقاً جسيماً للدستور"، ورفض ائتلاف الكرامة قرارات الرئيس "رفضاً قاطعاً"، بينما شهد محيط البرلمان ومدن تونسية أخرى مظاهرات رافضة وأخرى مؤيدة لما أقدم عليه الرئيس.
هل هناك موقف أمريكي من أحداث تونس؟
رفعت إدارة الرئيس بايدن شعار "الديمقراطية وحقوق الإنسان" ووضعتهما في محور سياستها الخارجية منذ توليه المسؤولية، وبالتالي فإن أسئلة الصحفيين لجين ساكي المتحدثة باسم البيت الأبيض ركزت على كيفية توصيف الإدارة لقرارات الرئيس التونسي.
ومن الواضح أن القرارات التي اتخذها الرئيس التونسي والتي وصفها رافضوها "بأنها انقلاب"، وهو الوصف الذي انزعج منه سعيد ورفضه، فاجأت أيضاً الإدارة الأمريكية واتضح ذلك من ردود ساكي التي قالت إنه رغم قلق الإدارة مما يحدث في تونس، إلا أنه "حتى الآن لا يمكن وصف ما إذا كانت قرارات الرئيس التونسي انقلاباً".
وقالت ساكي أيضاً إن الولايات المتحدة قلقة إزاء تطور الأحداث في تونس في الوقت الذي تسعى فيه البلاد لتحقيق الاستقرار الاقتصادي ومحاربة وباء كورونا، مضيفة: "نحن على تواصل مع المسؤولين التونسيين بشأن الأوضاع الحالية وندعم جهودهم للاستمرار في العملية الديمقراطية"، حسبما نقلت قناة الحرة الأمريكية.
ماذا قال سعيد لوزير الخارجية الأمريكي؟
ويبدو أن الخارجية الأمريكية كانت أكثر اشتباكاً مع أحداث تونس من البيت الأبيض، إذ أجرى بلينكن اتصالاً مساء الإثنين 26 يوليو/تموز بالرئيس التونسي، وقال نيد برايس المتحدث باسم الخارجية الأمريكية في بيان إن بلينكن حث الرئيس التونسي على "الالتزام بمبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان".
وأضاف أن بلينكن "حث الرئيس سعيد على مواصلة الحوار المفتوح مع كل الأطراف السياسية والشعب التونسي، مشيراً إلى أن "الولايات المتحدة ستظل تراقب الموقف".
أما الرئاسة التونسية، فقد قالت في بيان لها، إن سعيد تلقى اتصالاً من وزير الخارجية الأمريكي "أكّد خلاله الرئيس حرصه على احترام الشرعية والحقوق والحريات"، وأكد سعيد لبلينكن أن "الإجراءات التي تم اتخاذها تندرج في إطار تطبيق الفصل 80 من الدستور لحماية المؤسسات الدستورية وحماية الدولة وتحقيق السلم الاجتماعي".
ونقل البيان التونسي أن بلينكن أعرب عن "مواصلة انخراط بلاده في تطوير علاقات الشراكة التي تجمعها بتونس في عدة مجالات، وتعزيز القيم والمبادئ المشتركة المتعلقة بالدفاع عن حقوق الإنسان والديمقراطية".
ومن جانبها، أصدرت وزارة الخارجية الأمريكية بياناً حول الأوضاع التي تشهدها تونس، لفتت فيه إلى أن "الولايات المتحدة تراقب عن كثب التطورات في تونس"، وأوضحت أنها كانت على "تواصل مع مسؤولين في الحكومة التونسية للتأكيد على أن حلول المشاكل السياسية والاقتصادية في تونس يجب أن تستند إلى الدستور التونسي ومبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان والحرية".
وتابعت: "كنا واضحين في حثّ جميع الأطراف على تجنّب اتخاذ أي إجراءات من شأنها أن تخنق الخطاب الديمقراطي أو تؤدي إلى العنف". وأعربت الوزارة عن انزعاجها بشكل خاص من التقارير التي تفيد بإغلاق مكاتب وسائل الإعلام، وشددت على أن الولايات المتحدة "تحث على الاحترام الدقيق لحرية التعبير وغيرها من الحقوق المدنية"، بحسب تقرير للأناضول.
وربما تكون الفقرة التي انتهى بها بيان الخارجية الأمريكية معبرة عن موقف الإدارة الأمريكية إجمالاً مما يحدث، إذ جاء فيها: "يجب على تونس ألا تضيّع مكاسبها الديمقراطية، وستواصل الولايات المتحدة الوقوف إلى جانب الديمقراطية التونسية".
"ديمقراطية تونس في خطر"
الموقف الرسمي الأمريكي الحذر من الأحداث التي تشهدها تونس لا تعكسه تغطية وسائل الإعلام، التي ركزت بشكل أساسي على ما وصفتها "بأزمة الديمقراطية في تونس" معتبرة أن قرارات الرئيس تهدد التجربة الديمقراطية الوحيدة التي نتجت حتى الآن من الثورات المضادة في أعقاب الربيع العربي.
صحيفة Washington Post نشرت تقريراً بعنوان "ديمقراطية تونس الهشة، الناجي الوحيد من الربيع العربي، في أزمة بعد أن انفرد الرئيس بالسلطة"، بينما عنونت شبكة CNN تغطيتها لأحداث تونس قائلة "ديمقراطية تونس في أزمة بعد أن أطاح الرئيس بالحكومة"، ولم تختلف تغطية The New York Times عن نفس الخط، وجاء عنوان تغطيتها "ديمقراطية تونس على شفا الانهيار بعد تحرك الرئيس للانفراد بالسلطة".
وتظهر التغطية الإعلامية وأيضاً الموقف الرسمي، وإن بصورة أقل، أن واشنطن تنظر إلى التجربة الديمقراطية في تونس نظرة خاصة، وهو ما يمكن تفهمه في ظل كون بايدن وكبار المسؤولين في إدارته كانوا في السلطة عندما اندلعت شرارة ثورات الربيع العربي من تونس أواخر عام 2010، وكان وقتها بايدن نائباً للرئيس الأسبق باراك أوباما.
وفي هذا السياق، يرى بعض المراقبين أن حرص الرئيس التونسي على أن يؤكد أو بالأحرى يطمئن واشنطن على أن الإجراءات التي اتخذها "تندرج في إطار الدستور" وأن الرئيس حريص "الشرعية والحقوق والحريات"، يهدف بالأساس إلى تفادي ضغوط من واشنطن لا يتحملها الوضع الاقتصادي المنهار في البلاد.
كما أن تحركات الرئيس واجتماعه مع أطراف محلية مساء الإثنين لتفسير قراراته واتخاذ قرارات فرض التجول لمدة شهر، على أمل تفادي انزلاق الأوضاع في الشارع التونسي إلى العنف بين مؤيدي قراراته ورافضيها، كلها إجراءات هدفها طمأنة الداخل والخارج إلى أن ما اتخذه من قرارات مرهون بإطار زمني قصير وليس "انقلاباً" على الدستور كما يصف الرافضون قراراته.
سيناريوهات محتملة بعد قرارات سعيد
وبالتالي فإن الموقف الأمريكي – الذي يمكن القول إنه لا يزال في طور التشكل – سيكون له تأثير كبير على السيناريوهات المحتملة التي قد تشهدها الأيام المقبلة في تونس، وبدا للوهلة الأولى أن أنصار الرئيس المستقل سياسياً، وأنصار حزب النهضة قد يحتشدون في الشوارع ما قد يؤدي لمواجهات عنيفة بين الجانبين قد تدفع قوات الأمن للتورط وبدء عهد من الاضطرابات أو تدفع الجيش للاستيلاء على السلطة، بحسب تقرير نشرته وكالة رويترز.
وربما يكون القلق من هذا السيناريو هو الدافع الرئيسي وراء قرار سعيد فرض حظر التجول لمدة شهر كامل من السابعة مساء وحتى السادسة صباحاً.
والسيناريو الثاني المحتمل هو أن يعين سعيد رئيساً جديداً للوزراء بسرعة ليتعامل مع الارتفاع الحاد في حالات الإصابة بكوفيد-19 والأزمة المالية الوشيكة ويعيد على إثر ذلك صلاحيات البرلمان بعد انتهاء التعليق لثلاثين يوماً ويسمح بممارسته أعماله الطبيعية. وقد يلي ذلك إجراء انتخابات برلمانية مبكرة.
أما السيناريو الثالث فهو أن يسعى سعيد لإحكام قبضته على مفاصل السلطة في البلاد وكذلك الأجهزة الأمنية ويؤجل أو يلغي العودة للنظام الدستوري ويشن حملة على حرية التعبير والتجمع وهي حقوق اكتسبها الشعب بعد ثورة 2011.
والسيناريو الآخر هو أن سعيد قد يستغل الأزمة للدفع بما يصفه بأنه التسوية الدستورية المفضلة لديه وهي تحويل النظام في البلاد لنظام رئاسي بناء على انتخابات لكن مع تضاؤل دور البرلمان، وقد يلي تلك التغييرات استفتاء على الدستور وانتخابات جديدة.
والسيناريو الأخير المحتمل هو أن يتم تكرار النمط الذي اتبعته التيارات السياسية في تونس بعد ثورة 2011 لحل أزمات سابقة، إذ تقرر التراجع عن الحافة والاتفاق على السعي لحل وسط عبر الحوار يشمل لاعبين آخرين مثل اتحاد الشغل الذي يتمتع بنفوذ كبير وسط الناس.
لكن في كل الأحوال، لن يكون الموقف الأمريكي بعيداً عما يحدث على الأرض في تونس، ويرى كثير من المراقبين أن الإدارة الأمريكية ستظل تراقب الموقف عن كثب وهو ما قد يضع ضغوطاً على الرئيس قيس سعيد، إذا ما كان يريد الاتجاه نحو الانفراد بالسلطة بشكل دائم.