تبدو المعابر الحدودية الأفغانية هي الهدف المفضل لحركة طالبان وهي تتقدم على حساب قوات الحكومة الأفغانية بالتزامن مع انسحاب القوات الأمريكية المتسارع من البلاد.
ويقول مسؤولو طالبان إن مقاتليهم سيطروا على 85% من الأراضي في أفغانستان، وهو ادعاء يستحيل التحقق منه بشكل مستقل، وتشير تقديرات أخرى إلى أن مساحة الأراضي التي تسيطر عليها الحركة هي أكثر من ثلث مناطق البلاد، ويبلغ عددها 400 مقاطعة، بما في ذلك قوس من الأرض من الحدود الإيرانية في الغرب إلى الحدود مع الصين على الجانب الآخر من البلاد، حسبما ورد في تقرير لموقع هيئة الإذاعة البريطانية "BBC".
ولكن بات واضحاً مع استمرار تدهور وضع قوات الحكومة الأفغانية وتقدم حركة طالبان أن استراتيجية الحركة تركز على السيطرة على المعابر الحدودية الأفغانية.
بل يبدو أنه إذا خيرت الحركة بين المعابر وعواصم الإقليم فهي تعطي الأولوية للمعابر.
المعبر مقابل "قندهار" معقل البوشتون الشهير
ففي جنوب البلاد أدى قتال عنيف بين طالبان والحكومة الأفغانية إلى حفاظ الحكومة على سيطرتها على مدينة قندهار، رغم رمزيتها البالغة بالنسبة للبوشتون وطالبان، بينما نجحت الأخيرة في السيطرة على معبر حدودي مهم مع باكستان، حسبما ورد في تقرير لموقع شبكة ndtv التلفزيونية الهندية.
فلقد أعلنت حركة طالبان، الأربعاء، أنها استولت على معبر سبين بولداك الحدودي الاستراتيجي، على طول الحدود مع باكستان، لتواصل المكاسب الكبيرة التي حققتها منذ أن كثفت القوات الأجنبية انسحابها من أفغانستان.
وأصرت وزارة الداخلية الأفغانية على أن الهجوم تم صده، وسيطرت القوات الحكومية، لكن مصدراً أمنياً باكستانياً قال إن راية طالبان البيضاء كانت ترفرف فوق البلدة.
يمكن القول إن معبر سبين بولداك هو أحد أكثر المعابر الحدودية الأفغانية أهمية من الناحية الاستراتيجية بالنسبة لطالبان، حسب الموقع الهندي.
إذ يوفر الوصول المباشر إلى إقليم بلوشستان الباكستاني، حيث تتمركز القيادة العليا لطالبان منذ عقود، إلى جانب عدد غير معروف من المقاتلين الاحتياطيين الذين يدخلون أفغانستان بانتظام للمساعدة في تعزيز صفوفهم.
وبلوشستان هي أيضاً وجهة مفضلة للمقاتلين الذين يتوجهون بانتظام لتلقي العلاج الطبي، وتستضيف العديد من عائلاتهم.
ويربط طريق سريع رئيسي الحدود الباكستانية الأفغانية بالعاصمة التجارية لباكستان كراتشي ومينائها المترامي الأطراف على بحر العرب، والذي يُعتبر ركيزة أساسية لتجارة الهيروين في أفغانستان، التي تقدر بمليارات الدولارات، والتي وفرت مصدراً حاسماً لإيرادات صندوق حرب طالبان على مر السنين، حسب الموقع الهندي.
وإذا تم تأكيد الاستيلاء على معبر سبين بولداك فسيكون الأحدث في سلسلة من المعابر الحدودية الأفغانية، التي استولت عليها طالبان في الأسابيع الأخيرة.
إذلال على حدود طاجيكستان
وقبل ذلك سيطرت طالبان على كامل الحدود مع طاجيكستان المجاورة، حيث فر أكثر من 1000 عنصر من قوات الأمن الأفغانية إلى طاجيكستان، التي تقع شمال شرق أفغانستان، حينما تقدمت طالبان حولهم.
ففي 22 يونيو/حزيران 2021، استولت طالبان على معبر شير خان بندر إلى طاجيكستان، وهو موقع يقع على بعد حوالي 60 كيلومتراً شمال مدينة قندوز الأفغانية.
كانت هذه ضربة مذلة بشكل خاص، حيث تم الانتهاء من بناء الجسر البالغ طوله 700 متر الذي مولته الحكومة الأمريكية بقيمة 37 مليون دولار، والذي حل محل قوارب العبارات التي كانت تستخدم لعبور نهر بيانج، الآن تستخدم طالبان الجسر لفرض رسوم جمركية غير رسمية وتمويل عملياتهم الخاصة.
وتربط الحدود الأفغانية الطاجيكية التي يبلغ طولها 1357 كيلومتراً ستة معابر في المجموع، خمسة منها قادرة على دعم حركة مرور السيارات.
والمعابر مع إيران وتركمانستان تسقط في أيديهم
قبل أربعة أيام، قال مسؤولون أفغان إن طالبان استولت على معابر حدودية رئيسية مع إيران وتركمانستان، في هجوم شامل عبر شمال أفغانستان.
وتقول طالبان إنهم سيطروا على بلدتين حدوديتين رئيسيتين، إسلام قلعة بالقرب من إيران، وتورغوندي على الحدود مع تركمانستان.
وأظهرت لقطات فيديو على ما يبدو قوات طالبان وهي تزيل العلم الأفغاني من على سطح مكتب جمارك حدودي.
وأقر المسؤولون الأفغان بفقدان معبري إسلام قلعة وتورغوندي الحدوديين، وكلاهما في ولاية هيرات ذات الأغلبية الشيعية.
يعد معبر إسلام قلعة أحد أكبر بوابات التجارة إلى إيران، حيث يدر عائدات شهرية تقدر بنحو 20 مليون دولار (14 مليون جنيه إسترليني) للحكومة. تعد بلدة تورغوندي الحدودية واحدة من بوابتين تجاريتين إلى تركمانستان.
وقال متحدث باسم الحكومة الأفغانية إن القوات الأفغانية تحاول استعادة المعبرين الحدوديين، فيما قال ذبيح الله مجاهد المتحدث باسم طالبان إن معبر إسلام قلعة "تحت سيطرتنا الكاملة".
وذكرت تقارير أن مقاتلي طالبان استولوا على 5 مناطق في هرات دون قتال، كما وصلت حركة طالبان إلى حدود الصين بدخولها مؤخراً مقاطعة لها حدود مع منطقة شينجيانغ الصينية ذات الأغلبية المسلمة.
ويخشى بعض محللي المخابرات الأمريكية أن تسيطر طالبان على البلاد في غضون ستة أشهر، وفقاً لتقييم وزع على المسؤولين في يونيو/حزيران.
لماذا تركز طالبان على المعابر الحدودية الأفغانية؟
يبدو أن طالبان ركزت استراتيجيتها بشدة على الاستيلاء على مناطق على أطراف البلاد.
ويلاحظ أن كثيراً من هذه المناطق الحدودية، خاصة في شمال وغرب البلاد لا تعد معاقل تقليدية لطالبان، لأنها تضم قوميات أخرى غير قومية البوشتون الذي ينتمي أغلب أعضاء الحركة إليها، ويعد تقدم طالبان في هذه المناطق دليلاً على تزايد نفوذها حتى خارج معاقلها البوشتونية التقليدية.
والسيطرة على المعابر تحقق للحركة أهدافاً متعددة
التمويل
كان لافتاً أنه لم يعلن عن إغلاق أي معبر من المعابر التي سيطرت عليها الحركة، ويعني ذلك استمرار التجارة فيها، وبالتالي حصول طالبان على رسوم العبور والجمارك، وفقدانها بالنسبة للحكومة، حيث تضرب الحركة عصفورين بحجر واحد، خنق الإيرادات التي تشتد الحاجة إليها من جانب الحكومة في كابول بينما تملأ خزائنها بعائدات المعابر.
الحصار المحتمل للدولة الحبيسة
تمثل السيطرة على المعابر أهمية بالغة في دولة حبيسة مثل أفغانستان لا توجد لها أي موانئ بحرية، وبالتالي تستطيع الحركة -إذا أرادت- فرض حصار على الحكومة وعواصم الإقليم، عبر منع ورود التجارة عبر المعابر الحدودية.
وتستطيع طالبان حتى فرض حصار نوعي على مواد معينة تأتي للحكومة، مثل السلاح أو غيره من مستلزمات القتال، ويكتسب ذلك أهمية خاصة بالنظر إلى مراهنة الحكومة الأفغانية على دول الجوار، لدعمها بعد الانسحاب الأمريكي، خاصة في ظل تشككها في استمرار الدعم الغربي، إذ توحي طريقة الانسحاب الأمريكي بأن واشنطن تنوي طيّ صفحة أفغانستان تماماً.
والآن، مع سيطرة طالبان على المعابر الحدودية الأفغانية تبدو المنافذ الوحيدة للبلاد، وبالأخص للحكومة، هي المطارات القليلة المعرضة لقصف طالبان، ومن هنا قد يفهم إيلاء أمريكا أهمية بالغة لمسألة قيام تركيا بحماية مطار كابول، ورفض طالبان لهذا الأمر.
إجبار دول الجوار على تغيير طريقة تعاملها مع الحركة
أحد مظاهر التغيير القليلة في سلوك طالبان هو محاولتها طمأنة دول الجوار، بما في ذلك دول الجوار التي تناصبها الحركة المتشددة تقليدياً العداء لأسباب أيديولوجية ومذهبية وتاريخية، مثل إيران الشيعية، التي كادت الحركة تدخل معها في حرب خلال توليها السلطة، وروسيا التي تناصب الإسلاميين العداء، والمحتل السابق لأفغانستان، والصين الشيوعية التي تضطهد الإيغور، وطاجيكستان الدولة المجاورة التي دخل نظامها في حرب أهلية مع الإسلاميين المحليين لديه.
لم توفر طالبان جهداً في طمأنة معظم هذه الأطراف، بما في ذلك زيارات لروسيا وإيران، وإرسال رسائل للصين بأنها مع اهتمامها بشؤون المسلمين في كل مكان، بما في ذلك الإيغور، فإنها لن تتدخل في الشأن الصيني، بل دعت الصينيين للاستثمار في أفغانستان.
ولكن إجبار دول الجوار على تقبل ذلك لا يكون بالتصريحات فقط، ولكن سيطرة طالبان على المعابر الحدودية الأفغانية مع محيط البلاد، ستضطر هذه الدول لأن تراعي طالبان أكثر بعد أن باتت على حدودها، بل سيفرض شكلاً من أشكال التعاون الرسمي.
فبسيطرة طالبان على المعابر الحدودية الأفغانية، فإنها تقول لجيران أفغانستان أستطيع أن أثير القلاقل لديكم، إذا لم تراعوا مصالحي.
واللافت أنه رغم أن جميع دول الجوار قلقة من صعود طالبان، بما في ذلك باكستان حليفتها القديمة، فإن أياً من هذه الدول لم تتخذ مواقف حادة تجاه طالبان في الآونة الأخيرة، بل على العكس هدأ الخطاب المعادي للحركة في دول الجوار، التي يبدو أنها تتمنى فعلاً أن تكون طالبان قد تغيرت، وأنها لن تتيح ملاذاً للحركة المتطرفة لاستهداف جوارها.
ففي طاجيكستان على سبيل المثال، لم يعد يتم التحدث في وسائل الإعلام الحكومية بازدراء كامل عن طالبان.
وعندما تنشر تصريحات حول حزب النهضة الإسلامي المعارض المحظور في طاجيكستان، تشير إليه باعتباره جماعة إرهابية ومتطرفة، وتصنف طالبان قانوناً كمنظمة متطرفة، لكن الأمن القومي في طاجيكستان تخلى بهدوء عن هذا الوصف في الحديث عن طالبان، وأحياناً يتم اعتماد المصطلح الأكثر حيادية، وهو "الجماعة المسلحة".
وطمأنت طالبان دوشانبي بأنها لا تريد إلحاق أي ضرر بطاجيكستان.
وأرسل وفد من طالبان، في 8 يوليو/تموز 2021، نفس الرسالة وأكثر إلى روسيا. وقال ممثلو الحركة إنهم يعملون على "تحقيق سلام مستدام، وإنهم "سيأخذون في الاعتبار المصالح المشتركة للمجموعات الأفغانية كلها، ويحترمون حقوق الإنسان، بما في ذلك حقوق المرأة، في إطار الأعراف والتقاليد الأفغانية".
ويبدو أن عدم إعلان أغلب دول الجوار عن إغلاق المعابر مؤشر على استعدادها الأوّلي للتعامل مع الحركة.
فرغم القلق الشديد من قبل دول الجوار من طالبان، فإن خطاب الحركة يحاول أن يطمئنهم، وفي الوقت ذاته تعلم هذه الدول أنها لو دخلت في صراع مع طالبان فإن الأخيرة لديها أدوات لإيلامها، وفي الوقت الذي يتراجع فيها رهان الجميع، بما في دول الجوار على الحكومة التي شوهد جنودها وهم يهربون على الحدود.
من الواضح أن استراتيجية طالبان استوعبت التاريخ الأفغاني جيداً، وكان الحكم المركزي في أفغانستان في مواجهة التمردات يفقد الريف دوماً، ويتحصن في المدن، اليوم لا تركز طالبان على المدن، بل على السيطرة على الأطراف والمعابر، لمحاصرة المدن لاحقاً.