يعتقد أن كارثة غامضة تحدث في كوريا الشمالية، وأنها أدت إلى حملة إهانات وعقوبات لقادة الجيش.
فلقد خفَّض الزعيم الكوري الشمالي، كيم جونغ أون، رتبة أعلى قائد عسكري في البلاد عقب حملة تطهير لأولئك المسؤولين عن "أزمة كبرى" غامضة، حسبما ورد في تقرير لموقع The Daily Beast الأمريكي.
وعرضت روسيا مجدداً تزويد كوريا الشمالية بلقاحات مضادة لفيروس كورونا، وسط تقارير تفيد بأن إجراءات الإغلاق الصارمة أدت إلى "جوع شديد"، ولكن بيونغ يانغ رفضت اللقاحات والمساعدات من عدد من الدول.
وبدلاً من ذلك أغلقت الحدود في محاولة لإبعاد الفيروس، لكن ذلك أثر على التجارة مع الصين، التي تعتمد عليها بيونغ يانغ في الغذاء والأسمدة والوقود، وأقر كيم جونغ أون مؤخراً بأن بلاده تواجه نقصاً في الغذاء، واصفاً الوضع بأنه "صعب".
وقد أدلى جونغ أون بتصريحاته الشهر الماضي وطلب أيضاً من المواطنين الاستعداد "لأسوأ نتيجة على الإطلاق"؛ ما أدى إلى مقارنات بمجاعة مميتة حدثت في التسعينيات.
لماذا عاقب زعيم كوريا الشمالية قادة الجيش؟
وقال بروس بيتشتول، محلل الاستخبارات السابق لدى وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) ومؤلف عدة كتب ودراسات عن قيادة كوريا الشمالية، إنَّ لعبة إلقاء اللوم تشير إلى أنَّ كوريا الشمالية "تواجه مشكلات صحية واقتصادية كبيرة بسبب فيروس كورونا المستجد (كوفيد 19). لقد بذلوا قصارى جهدهم لإخفائها.. لكنَّ البلاد في ورطة كبيرة الآن".
وأضاف بيتشتول أنَّه بعد "إعادة تنظيم المناصب فعلاً، ستكون الخطوة الكبيرة التالية تصاعداً في الإعدامات بهدف تحميل المسؤوليات".
واحدة من أهم العقوبات التي استهدفت القادة العسكريين، ما تعرض له ري بيونغ تشول، نائب رئيس اللجنة المركزية لحزب العمال والذي يعتقد أنه مشرف على برنامج إطلاق الصواريخ.
فلقد تأكَّد عزل ري بيونغ تشول من المكتب السياسي لحزب العمال في صورة فوتوغرافية نشرتها كوريا الشمالية وتُظهِر العشرات من كبار مسؤولي الحزب خلال حفل مطول لإحياء الذكرى السابعة والعشرين لوفاة كيم إيل سونغ، مؤسس نظام كوريا الشمالية، وجد الزعيم كيم جونغ أون. حيث تظهر في الصورة بوضوح شقيقة كيم الصغرى، كيم يو جونغ، وهي ليست عضوة بالمكتب السياسي لكن ما زال يُعتَقَد بأنَّها ثاني أقوى قادة البلاد.
وفي إطار محاولة مستمرة لكبح سلطة القوات المسلحة، يظهر ري بوضوح وهو يرتدي زياً مدنياً في الصورة الرسمية للمجموعة في الضريح الذي تقبع فيه جثتا جد كيم ووالده، كيم جونغ إيل، محنطتين تحت غطاء زجاجي. وكان زيه الرسمي في العادة يُظهِر رتبته كمشير فوق صدره الذي كان يمتلئ بالأوسمة العسكرية.
إنه يتهم الجيش بالفشل في توزيع المساعدات الغذائية
إنَّ طبيعة الأزمة بالضبط ليست واضحة، لكن يُلقى باللوم على نطاق واسع على القوات المسلحة لعدم توزيعها المواد الغذائية على السكان الذين يعانون من سوء التغذية على الدوام، إن لم يكونوا يتضورون جوعاً. ويُفتَرَض أنَّ هذا الإخفاق كان سبباً رئيسياً لتخفيض رتب كبار القادة العسكريين.
وقال المحلل شيم جاي هون إنَّ كوريا الشمالية "في ورطة اقتصادية" من جراء العقوبات إلى جانب "عدم توفير الصين لشحنة كبيرة من المواد الغذائية. يتحول نقص الغذاء إلى نقص حاد الآن. ولا بد أن يحمي كيم عملته الصعبة المتناقصة خشية أن تنفد منه أموال الطوارئ".
وكتب جيرو إيشيمارو لوكالة أنباء "Asia Press" في مدينة أوساكا اليابانية، إنَّ "الناس يموتون من جراء نقص الغذاء والدواء. إنَّ حياة الشعب الكوري الشمالي في تدهور منذ بداية يونيو/حزيران".
وألقى إيشيمارو باللوم في هذه الأزمة على كيم جونغ أون بسبب "إغلاقه للحدود من أجل منع انتشار فيروس كورونا، ومنع الناس من دخول البلاد والخروج منها". وقال إنَّه حصل على معلومات من خلال هاتف محمول صيني هُرِّب إلى داخل كوريا الشمالية. ولا تزال أخبار كوريا الشمالية تخرج بهذه الطريقة على الرغم من العقوبات الشديدة، بما في ذلك عقوبة الموت، لأولئك الذين يُمسَك بهم وهم يستخدمون هواتف محمولة صينية.
أثَّرت الحملة ضد القيادة العسكرية لكوريا الشمالية أيضاً على مكانة كثيرين آخرين، لا سيما باك جونغ تشون، الذي ظهر في الصورة وهو لا يزال بزيه الرسمي لكن برتبة عسكرية أقل سمواً إلى حدٍّ ما.
فوفقاً لموقع NK News، وهو موقع مستقل في سيول: "يبدو أنَّ رتبة باك قد خُفِّضَت من مشير للجيش الشعبي الكوري، وهي أعلى رتبة عسكرية بعد كيم جونغ أون، إلى نائب مشير. وبدا أن فقد وزير الدفاع، كيم جونغ غوان، رتبته كنائب مشير".
التعديل في القيادة يعبر عن استياء كيم من قيادة الجيش، التي يتعين أن يمارس عليها سيطرة صارمة لتأكيد قوته المطلقة.
يبدو أن كيم استأنف حكم الإرهاب
وقالت صحيفة "تشوسون إلبو" المحافظة، وهي الصحيفة الأكثر مبيعاً في كوريا الجنوبية، إنَّه يبدو أنَّ كيم جونغ أون "قد استأنف حكم الإرهاب من خلال حملة تطهير لعشرات المسؤولين؛ على خلفية إخفاقاته الكارثية في خضم تنامي نقص الغذاء".
ونقلت الصحيفة عن صحيفة "رودونغ سينمون"، صحيفة الحزب الحاكم في كوريا الشمالية، إنَّ "الأخطاء التي تُرتَكَب خلال العمل يمكن التجاوز عنها"، لكنَّها أضافت، على نحو لا يبشر بالخير، أنَّ "التسبب بضرر بالغ لحزبنا وبلدنا وشعبنا نتيجة انعدام المسؤولية وإهمال الواجب أمر غير مقبول أبداً".
كما أنَّ قرار كيم جونغ أون إحياء ذكرى وفاة جده بصورة بسيطة بدلاً من إحياء المناسبة باستعراض آخر للقوة العسكرية يعزز الانطباع بوجود محاولة مستميتة لتدعيم الاقتصاد وفي نفس الوقت التقليل من شأن القوات المسلحة.
وكان كلٌّ من ري وباك شخصيتان كبريان في برنامج اختبار الصواريخ الباليستية وتطوير الرؤوس النووية، وهي الاختبارات التي كانت بعيدة عن عناوين الأخبار مؤخراً في ظل محاولة كيم إنعاش اقتصاده.
وفي ظل كل هذا، تحتل شقيقته، كيم يو جونغ، مكانة مرتفعة كمستشارة وصانعة للسياسات. فكانت من بين المتحدثين في الاجتماع الأخير للجنة المركزية للحزب.
ويتحمل زعيم كوريا الشمالية، بحسب ستراوب، "كامل المسؤولية عن هذا الإجراء غير المبرر" بإغلاق حدود كوريا الشمالية.
قال فيكتور تشا، الأستاذ بجامعة جورج تاون الأمريكية والمسؤول عن الشؤون الكورية بمركز الدراسات الدولية والاستراتيجية النافذ في واشنطن، لموقع The Daily Beast الأمريكي: "إنَّهم قلقون جداً من وضع كوفيد". وأشار إلى أنَّهم "لا يزالون بدون أي دعم متعلق باللقاحات ويشعرون بضغوط لفتح جزء من النشاط التجاري مع الصين. كما أنَّ التهريب ربما أدَّى لنقل بعض العدوى"، "ومن هنا تأتي معاقبة مسؤولي الحزب".
ويري كيم جونغ أون خلال ذلك فرصة لتشديد قبضته على السلطة.
كما أنه يحاول كبح الرأسمالية والاستقلالية الاقتصادية للأثرياء
فقال بروس بينيت من مؤسسة راند لموقع The Daily Beast: "أعتقد أنَّ الاقتصاد يتداعى إلى حدٍّ كبير بسبب أنَّ كيم يحاول تعزيز سيطرته على البلاد من خلال كبح انتشار الرأسمالية والنفوذ الخارجي والاستقلالية الاقتصادية للأثرياء"، لكنَّ "جهود كيم بلا شك مزعزعة للاستقرار".
وأضاف أنَّ الأمر الآخر المثير للاهتمام هو "قرار كيم بإلقاء اللوم في كثير من المشكلات على نخبته بدلاً من الولايات المتحدة، كبش الفداء المعتاد للمشكلات في كوريا الشمالية".
وفي هذه الأثناء، لا بد أنَّ الخوف ينتشر بين الرتب.
فقال لي سونغ يون، الباحث بكلية فليتشر التابعة لجامعة تافتس الأمريكية، إنَّ عملية التعديل "بلا شك إيذان بعمليات تطهير قادمة للنخبة". وأضاف: "كثيراً ما تُقدَّم عمليات خفض المكانة وكباش الفداء والعقاب وتعزيز الإرهاب والترقيات في كوريا الشمالية كحزمة واحدة".
وقال لي لموقع The Daily Beast إنَّ "الوضع الخطير" الذي تحدث عنه كيم "على الأرجح يشير إلى ذريعة مُضخَّمة بهدف اتخاذ إجراءات قاسية وليس إلى تفشٍّ كبير لكوفيد".
ماذا عن صحته؟
لكن هناك سبب آخر يدعو للقلق: صحة كيم. فقد بدد ظهوره على رأس الحاشية في ضريح والده وجده الشائعات التي أفادت بأنَّه ربما تعرَّض لنزيف في المخ، لكنَّ صورته في مقدمة ووسط الحشد عند النصب التذكاري أظهرت أنَّه بالفعل فَقَدَ أكثر من 18 كيلوغراماً من وزنه. ويبدو أنَّه دخل في حمية لإنقاص الوزن حينما اختفى عن أنظار العامة لقرابة ثلاثة أسابيع.
وكتب د. كينيث ديكليفا من كلية الطب بجامعة جنوب غرب تكساس، على موقع 38North، الذي يتتبع شوؤن كوريا الشمالية ويتبع مركز ستيمسون في واشنطن: "يشير الاستعراض المتأني للتعليقات في وسائل الإعلام الكورية الشمالية، إلى جانب السلوك السياسي لكيم ونواياه المحتملة مؤخراً، إلى أنَّ فقدان كيم للوزن متعمد ومرتبط بمخاوف صحية، رغبةً من جانبه لتحسين صحته.. ولصحته الحالية آثار سياسية هائلة على شبه الجزيرة الكورية".