إن حقن مريض السرطان بفيروس حي- وهو إجراء كان من شأنه أن يثير الدهشة في يوم من الأيام، إن لم يكن دعاوى قضائية تتعلق بسوء الممارسة، قد يصبح علاجاً روتينياً في المستقبل القريب.
استغرق العمل على هذه المقاربة الطبية الثورية أكثر من قرن، إلى جانب بعض التجارب الجريئة، ولكن العلاج الفيروسي للسرطان يمكن أن يصبح العلاج المعتمد لهذا المرض الخبيث.
في منتصف القرن التاسع عشر، بدأ الأطباء الذين يعالجون مرضى السرطان يلاحظون شيئاً غريباً لدى الأشخاص المصابين بأمراض معدية، وهو أن أورامهم تقلصت.
ويعود زمن تقارير ملاحظات كهذه إلى ما قبل أن يفهم العلماء حتى ماهية الفيروسات.
على سبيل المثال، رأت مريضة بسرطان الدم في عام 1896 أن السرطان يتلاشى لفترة وجيزة، فيما بدا وكأنه معجزة، بعد إصابتها بالإنفلونزا، حسب ما نشرته مجلة Nature.
وعلى مر العقود، بدأ الأطباء ببحث غريب، وإن كان محفوفاً بالمخاطر، وهو إصابة مرضى السرطان عمداً بمجموعة فيروسات لاختبار فاعلية هذه الطريقة.
في إحدى التجارب عام 1949، حقن مرضى ليمفوما هودجكين بفيروس التهاب الكبد. كانت النتائج مختلطة: شهد سبعة مرضى تحسناً مؤقتاً في مرض السرطان، لكن توفي واحد على الأقل بسبب التهاب الكبد.
وعلى الرغم من الآثار الجانبية القاتلة المحتملة، أكمل الباحثون استكشاف هذه الطريقة الواعدة.
الفيروسات قد تعالج السرطان
استمرت تجارب ما يُسمى فيروسات الأورام أو oncolytic virus – أي مسببات الأمراض التي تصيب الخلايا السرطانية وتقتلها- خلال الستينيات، وشملت التجارب الفيروسات التي تسبب مرض غرب النيل وأخرى تتسبب بالتهاب الدماغ وغيرها الكثير.
كانت الفكرة هي أن الفيروس سوف يخترق الخلية السرطانية ويتكاثر ويقتلها في النهاية، ثم يغزو الخلايا السرطانية الأخرى في جميع أنحاء الورم ويكرر العملية، كما يوضح عالم الأعصاب في كلية الطب بجامعة هارفارد ومستشفى ماساتشوستس العام الذي يتخصص في مجال فيروسات الأورام صامويل رابكين.
ويقول لمجلة Discover: "من الناحية النظرية، تستمر العملية بشكل أساسي حتى لا تتبقى أي خلايا سرطانية".
وكشف أنه في التجارب التالية في الستينات والسبعينات، تم حقن المرضى بالعديد من مسببات الأمراض والتي كانت تؤدي لعوارض جانبية مؤلمة وأحياناً خطيرة، وأن تضاؤل الخلايا السرطانية كان دائماً بصورة مؤقتة.
بدوره قال ستيفن راسل، اختصاصي أمراض الدم في Mayo Clinic وباحث فيروسات الورم عن التجارب المبكرة: "لا أعتقد أنها شفت أي شخص، بل أرجأت الفيروسات فقط ما كان حتمياً".
كان جهاز المناعة بالمرصاد لهذه الفيروسات، إذ سرعان ما يقضي عليها قبل أن تتمكن من القضاء على كل الخلايا السرطانية في الجسم.
وبعد تجارب عديدة، انكفأ هذا الحل أمام العلاج الكيماوي والأشعة حتى عام 2013.
في تلك السنة، تلقت امرأة من مينيسوتا تدعى ستايسي إيرهولتز علاجاً تجريبياً للورم النخاعي المتعدد، وهو سرطان خلايا بلازما الدم.
حقن الأطباء جرعة كبيرة من فيروس الحصبة المعدلة وراثياً في جسمها، مما أدى إلى قتل الخلايا السرطانية وبدء عملية جندت جهازها المناعي لإنهاء المهمة.
يقول راسل، الذي ساعدها في تطوير علاجها، إنها شُفيت تماماً من السرطان، ما اعتُبر نجاحاً مذهلاً لفيروس الأورام.
وفي الولايات المتحدة تنتشر حالياً عشرات التجارب المماثلة بالتعاون مع كبرى شركات الصيدلة والشركات البيوتكنولوجية الناشئة، حتى ظهر علاج يسمى T_VEC، والذي يعد الوحيد من نوعه في أمريكا حتى الآن.
عندما يتعلق الأمر بمحاربة الغزاة، يعتمد الجهاز المناعي على عناصر متخصصة في أسطوله: الخلايا التائية، التي تتعلم التعرف على المتطفلين وتقتلهم، ولكن لا يتوافر دائماً عدد كافٍ من الخلايا التائية في الجوار للقيام بالمهمة بفاعلية؛ وهو الأمر الذي أعاق نجاح أدوية العلاج المناعي.
من هذا المنطلق، تقدم الفيروسات دعماً، إذ يستدعي حضورها المزيد من الخلايا التائية إلى موقع الورم.
ويصف راسل الفيروسات بأنها أفضل مجموعة ليغو في العالم قائلاً: "يمكنك أخذ أي فيروس وإضافة جينات جديدة وهندسة الجينات الموجودة، وتفكيكها وإعادة بنائها".
لذلك يمكن تعديل الفيروسات المحللة للأورام بهدف مساعدتها على تجنب إصابة الخلايا الطبيعية، وبالتالي إنشاء علاجات أكثر دقة وفاعلية.
تُعد العلاجات التي تعزز الاستجابة المناعية للجسم ضد السرطان طريقة واعدة للعلاج تتجنب الضرر المناعي الناجم عن العلاج الكيميائي، ويبدو أن الفيروسات تولد مثل هذه الاستجابة.
ويأمل الأطباء من هذه الطريقة العلاجية المختلفة إلى تحويل الأورام السرطانية إلى مرض يشبه أي إصابة فيروسية، نعم قد تكون مخيفة ولكنها قابلة للعلاج.