أزمة جديدة تتعرض لها أوبك بعد الخلاف السعودي الإماراتي الأخير والذي تريد من خلاله أبوظبي زيادة إنتاجها من النفط، لكن ترى الدول القائدة في المنظمة مثل السعودية وروسيا بقاء إنتاجها عند الحد السابق المتفق عليه.
تطلب الإمارات حالياً، تخفيف قيود الإنتاج (زيادة ضخ النفط للأسواق) وعدم تمديد اتفاق خفض إنتاج النفط المقرر الانتهاء منه في أبريل/نيسان المقبل، بينما تطلب السعودية وروسيا زيادة الإنتاج والتمديد لنهاية 2022.
لكن أبوظبي لا تمانع في تمديد الاتفاقية "إذا لزم الأمر" بحسب بيان، الأحد، لوزارة الطاقة الإماراتية، ما يعني أنها تظهر مرونة تجاه التمديد، ولن يكون نقطة الخلاف التي قد تفشل مستقبل الاتفاق بين أعضاء التحالف الـ23.
هذا الخلاف الحالي بين أبوظبي والرياض الذي يظهر على أنه خلاف اقتصادي، لكن هذا التوتر ستكون له أبعاد على مستقبل مجلس التعاون الخليجي، كما يقول تقرير لصحيفة The Financial Times البريطانية.
كانت هذه أحدث حلقة في صراع المصالح المتزايد بين الحليفين الخليجيين، اللذين يوطد علاقتهما الصلة الوثيقة بين محمد بن سلمان آل سعود، ولي العهد الشاب والحاكم الفعلي للمملكة العربية السعودية، ومرشده محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي والحاكم الفعلي للإمارات.
وباتت الخصومة الحالية بين الأميرين تُهدِّد مستقبل مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وتُنذِر بعواقب على منطقة الشرق الأوسط الكبير.
كيف سينعكس الخلاف على "أوبك"؟
تشكَّل مجلس التعاون الخليجي، الذي يحتفل بمرور 40 عاماً على تأسيسه هذا العام، بعد الثورة الإيرانية لتقديم جبهة خليجية مشتركة أمام محاولات الجمهورية الإسلامية تصدير أيديولوجيتها الإسلامية الشيعية. وفي عام 2011، تدخَّلت الذراع العسكرية للمجلس بقيادة السعودية في البحرين لإنقاذ النظام الملكي ذي الأقلية السنية من الأغلبية الشيعية واضطراب "الربيع العربي".
وعلى مدى العقدين الماضيين، أنشأت دول مجلس التعاون الخليجي أيضاً سوقاً مشتركة للأعضاء الستة- المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين والكويت وقطر وعمان- مع تعريفة خارجية مشتركة عزَّزت التجارة بين دول الخليج في البضائع. وكانت الزيادة في حجم التجارة متواضعة إحصائياً مقارنة بتجارة النفط الواسعة التي تدمج دول مجلس التعاون الخليجي على الصعيد العالمي بدلاً من الإقليمي.
لم يتخلَّ المجلس عن طموحاته بالوصول لما يشبه الاتحاد الأوروبي، بإنشاء سوق واحدة وحتى عملة مشتركة. بيد أنَّ هذه الاقتصادات ليست تكميلية، ومن الواضح أنها سوف تتنافس تنافساً أشرس كلما سعت إلى التنوُّع بعيداً عن النفط. واشتهر محمد بن سلمان، قبل تشويه سمعته على خلفية قتل الصحفي المعارض جمال خاشقجي على يد فرقة اغتيال سعودية في إسطنبول عام 2018، بمخططه المتميز لرؤية 2030 لتحويل اقتصاد المملكة وتقليل اعتماده على النفط. وقال وزراء إماراتيون إنهم ينسحبون من الصراعات الإقليمية في ليبيا واليمن للتركيز على التنمية الاقتصادية.
كان السعوديون والإماراتيون على طرفي النقيض تقريباً في هذين النزاعين: فالمملكة قدَّمت بادرات لتركيا، التي تصاعد نفوذها ضد الإمارات العربية المتحدة في ليبيا؛ والانفصاليون الجنوبيون المدعومون من الإمارات في اليمن يواجهون الحكومة المدعومة من السعودية (بينما يسيطر المتمردون الحوثيون المدعومون من إيران على جزء كبير من الدولة المأهولة بالسكان). علاوة على ذلك، عندما رفعت الرياض الحظر المفروض على قطر في يناير/كانون الثاني الماضي، كان من الواضح أنَّ أبوظبي تتباطأ.
الخلاف الاقتصادي سيستمر
وفي فبراير/شباط، قرر السعوديون أنه اعتباراً من عام 2024، يجب أن يكون لأية شركة تقدم عطاءات للحصول على عقود حكومية قاعدة إقليمية داخل المملكة- وهي خطوة تستهدف الإمارات ومركزها التجاري الصاخب دبي، التي تعج بالشركات متعددة الجنسيات العاملة في الخليج الأوسع. ويقول بعض المحللين السعوديين إنَّ الإمارات تلتهم حصصهم.
وهذا الأسبوع، استهدفت الرياض التعريفة الخارجية المشتركة لدول مجلس التعاون الخليجي، والإمارات العربية المتحدة؛ إذ أصدرت قواعد أكثر صرامة بشأن المحتوى المحلي والعمالة والقيمة المضافة التي تُؤهِّل للتعريفة المنخفضة، ومعاملة مناطق التجارة الحرة (وأي مستثمرين محليين من إسرائيل، بعد أن استهلت الإمارات العلاقات الدبلوماسية معها العام الماضي) بوصفهم موردين أجانب. ويمثل هذا ضربة لدبي، باعتبارها مركزاً عالمياً للشحن العابر، والمناطق الحرة الإماراتية النَّشِطة مثل جبل علي، التي تتداول سنوياً حجم تجارة بضائع يساوي تقريباً حجم ما تتداوله دول مجلس التعاون الخليجي فيما بينها.
لكن دول الخليج، التي تعتبر الدعامة الأساسية للعديد من شركات التسويق الغربية، تتنافس في مجالات من الأحداث الرياضية المُربِّحة إلى التحرر الاجتماعي (الذي طال انتظاره).
وهناك العديد من الطرق المختلفة التي يمكن أن يسلكها هذا التنافس، لكن هناك اثنان يفرضان نفسيهما.
يمكن لدول مجلس التعاون الخليجي أن تختار ترقية الاتحاد الجمركي إلى صفقة تجارية واستثمارية أكثر تكاملاً، بما في ذلك الخدمات- التي من شأنها خلق سوق أكبر جاذبة للمستثمرين الأجانب وتمكينها من إبرام صفقات أفضل مع المزيد من الشركاء التجاريين.
بدلاً من ذلك، يمكن أن تؤدي المنافسة داخل الخليج إلى زيادة العلاقات مع جيران مجلس التعاون الخليجي- بما في ذلك إيران وتحالفها المتذبذب من الدول الفاشلة. يمكن للعراق وسوريا ولبنان المدعومة من إيران، ناهيك عن اليمن أو إيران نفسها، الانتفاع من إمكانية الوصول إلى الأشياء الموجودة في الخليج، خاصةً أنه يبتعد عن النفط. وتشمل هذه الأشياء رأس المال والتكنولوجيا (من الطاقة المتجددة إلى حلول المياه). إلى جانب ذلك، تمتلك دول الخليج خبرة في مجال البناء في منطقة تُقدَّر فيها احتياجات إعادة الإعمار والاستثمار غير الملباة بتريليونات الدولارات.
وتمتلك الكويت وعمان وقطر (التي تشترك في أكبر حقل غاز بحري في العالم مع إيران) خطوطاً مفتوحة مع طهران. والآن بدأت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة تفعلان نفس الشيء؛ في طريقهما لنقل المنافسة الشديدة عبر المياه لتتحدث كل منهما على انفراد مع ما يفترض أنها عدوهما اللدود. وما في ظاهرها حلول عقلانية، يمكن دحرها بسهولة بواسطة مبررات مختلفة. لكن الأكيد أنَّ التنافس اشتعل في الخليج.