تتواصل جهود المفاوضات غير المباشرة بين حركة حماس وإسرائيل بجهودٍ تقودها المخابرات المصرية والأمم المتحدة منذ أسابيع، بلحث سبل وصول المنحة القطرية إلى غزة، وتتمحور هذه المفاوضات حول عدة ملفات أهمها صفقة تبادل الأسرى، وملف إعادة الإعمار.
ووافقت الأمم المتحدة على آلية جديدة لصرف المنحة التي تُقدمها دولة قطر شهرياً إلى قطاع غزة، وذلك دون المرور بالبريد الحكومي الذي تُديره حماس، هذه الأخيرة التي تُطالب بتقديم ضمانات وصول الدعم المالي إلى مستحقيه.
وتصر إسرائيل على انتهاج سياسة جديدة في قطاع غزة، تقوم على مبدأ أن الوضع الذي سبق الحرب قد انتهى، وهو ما أكده رئيس الحكومة نفتالي بينيت في جلسة الحكومة الإسرائيلية صباح أمس الأحد 4 يوليو/تموز 2021.
وقال رئيس الحكومة الإسرائيلي: "ما ورثناه من الحكومة السابقة من توزيع الأموال القطرية بنظام الحقائب قد انتهى، ونحن نعمل على وصول الأموال لخدمة سكان القطاع بشكل إنساني، دون المرور بحركة حماس".
آلية صرف المنحة القطرية
كشفت صحيفة "القدس" الفلسطينية أن مقترحاً تقدم به الوسطاء إلى جانب إسرائيل، لتولي الأمم المتحدة مسؤولية صرف المنحة القطرية للعائلات الفقيرة في غزة، ضمن آلية جديدة تسمح بضبط قنوات صرف المنحة، دون المرور بحركة حماس أو مؤسساتها.
الآلية الجديدة، التي وافقت عليها الأمم المتحدة، ستُتيح صرف الأموال عبر البنوك التي تشرف عليها سلطة النقد التابعة للسلطة الفلسطينية، ووقف العمل بالآلية السابقة التي كان من خلالها البريد الحكومي الذي تديره حماس هو الذي يتولى مسؤولية صرف المساعدات بقيمة 100 دولار لـ100 ألف عائلة شهرياً.
مصدر مسؤول في حكومة غزة التي تديرها حركة حماس، أخفى هويته، قال لـ"عربي بوست" إن "الحكومة في غزة ليس لديها تحفظات على الآلية الجديدة بشأن صرف المنحة القطرية، لكنها تُصر على عدم تغيير سياسة الصرف من خلال استثناء أي من الأسر الفقيرة، كون المستفيدين من المنحة هم من الفئة الأكثر فقراً في غزة، وهم يعتمدون عليها كمصدر دخل رئيسي في توفير لقمة العيش لهم ولأبنائهم".
وأضاف المصدر ذاته أن "الجهات الحكومية في غزة طالبت بضمانات بعدم تعطيل الجانب الإسرائيلي للمشاريع التي سيتم تمويلها من المنحة القطرية، سواء بضمان تدفق المواد الخام اللازمة لسريان تشغيل هذه المشاريع، أو تصدير المنتجات الخاصة بها عبر المعابر الإسرائيلية".
واستطاعت دولة قطر أن تجعل من نفسها لاعباً رئيسياً في استقرار الحالة الاقتصادية والإنسانية في قطاع غزة، وتأتي منحتها المالية التي تصرف شهرياً بقيمة 35 مليون دولار منذ ثلاثة أعوام، كجزء من دورها السياسي والإغاثي في قطاع غزة، وقد ساهمت المنحة في إعالة عشرات الآلاف من الأسر المستورة، وخففت من تبعات الحصار المفروض على غزة منذ عام 2007.
وبدأ دور قطر الاقتصادي في غزة بشكل ملموس وواضح منذ عام 2012، بإقامة سلسلة مشاريع اقتصادية وإنسانية وصلت قيمتها إلى 1.4 مليار دولار، من بينها إقامة مدينة حمد السكنية جنوب قطاع غزة، التي وفرت 3 آلاف وحدة سكنية، علاوة على مساهمة دولة قطر الإغاثية في معالجة أزمة كورونا، وتبعات الحروب الإسرائيلية التي فرضت على غزة في السنوات الأخيرة.
الجدوى الاقتصادية
يرتبط جزء كبير من تعثر المفاوضات بين حركة حماس وإسرائيل بتباين الرؤى بين الطرفين للتعامل مع واقع غزة في مرحلة ما بعد العدوان الإسرائيلي على غزة في مايو/آيار 2021.
وتُحاول حكومة بينيت الجديدة من خلال سياسات تشديد الحصار على غزة، تقويض وتحجيم الانتصار الذي حققته حركة حماس في الحرب الأخيرة، عبر ربط المشاريع الاقتصادية في غزة بتقديم حماس تنازلات في ملف الجنود الإسرائيليين الأسرى لديها، وهو مبدأ ترفضه الحركة.
محمد أبوجياب، رئيس تحرير صحيفة الاقتصادية المختصة في الشؤون الاقتصادية والمالية، قال لـ"عربي بوست" إن "أي تعديل على آلية صرف المنحة القطرية أو تعديل قنوات الصرف الخاصة بها، ستكون له تبعات اقتصادية سيئة على الواقع الاقتصادي في غزة، لأن التحدي الأبرز الذي يواجه اقتصاد القطاع، هو تراجع السيولة النقدية، وإقامة مشاريع بملايين الدولارات ليست مضمونة النجاح بسبب الصعوبات الناجمة عن تسويق المنتجات الخاصة بالمشاريع، مما سيعد هدراً لا فائدة منه للمنحة القطرية".
وأضاف المتحدث أن "التجربة الفلسطينية في المشاريع الصغيرة التي تمول عبر الأمم المتحدة أو دول الخارج، تؤكد أن هنالك هدراً بنسبة 40% من قيمة التمويل سيذهب لصالح دراسات الجدوى والخبراء الاقتصاديين الأجانب، وبذلك سيفقد قطاع غزة أكثر من 150 مليون دولار سنوياً، ستذهب لصالح الأمم المتحدة والخبراء المرتبطين فيها".
"حماس" تطالب بضمانات
جاء إعلان دولة قطر لمنحتها الأميرية للأسر الفقيرة في غزة، كإحدى النتائج التي حققتها مسيرات العودة التي انطلقت في مارس/آذار 2018، بهدف كسر الحصار عن غزة.
وقد أبدت قطر استعدادها لتخصيص جزء من منحة المليار دولار التي أُعلن عنها في 2014، لتمويل مشاريع كشق الطرق، وبناء الشقق السكنية، وإعادة تأهيل مرافق وزارة الصحة، وتمويل شراء السولار لمحطة توليد الكهرباء في غزة، ومشاريع إقراض الزواج، ومنحة الأسر الفقيرة.
إياد القرا، رئيس التحرير السابق لصحيفة فلسطين المقربة من حماس، قال لـ"عربي بوست" إن "موقف حماس من تغيير آلية صرف المنحة القطرية سيكون مرتبطاً بمدى تقديم إسرائيل والأطراف ذات العلاقة بملف المفاوضات لضمانات تضمن استمرار تدفق المنحة القطرية للأسر الفقيرة دون أي اشتراطات أو تقليصات، وفي حال لم تتلقّ حماس ضمانات بذلك فإن القبول بهذه الآلية الجديدة سيكون صعباً، وهذا ما قد يدفع حماس إلى الضغط على إسرائيل ميدانياً للوصول لآلية اتفاق جديدة تضمن تحقيق المنحة لأهدافها، وهي تخفيف المعاناة على الأسر الفقيرة".
وأضاف المتحدث أن "حماس أبدت في السابق موقفاً واضحاً بأنها لا تتدخل في المنحة القطرية، وأن دولة قطر هي صاحبة الشأن في تمرير الأموال، وصرفها بشكل مباشر عبر اللجنة القطرية لإعادة الإعمار دون أن تتدخل حماس في هذا الشأن، لذلك ستحاول الحركة رمي الكرة في ملعب دولة قطر لمعرفة موقفها من الآلية الجديدة".
من جهته، يرى نائل موسى، أستاذ الاقتصاد في جامعة النجاح في تصريح لـ"عربي بوست" أن "تأخر صرف المنحة القطرية للشهر الثاني على التوالي، يُفاقم من حالة الوضع الإنساني والاقتصادي في غزة، فاقتصاد القطاع يعتمد على الاستهلاك بدرجة أساسية، كونه لا يمتلك مقومات بنية تحتية للقطاع الصناعي والإنتاجي، لذلك فإن أي تعديل على آلية صرف هذه المنحة من تحويلها من مساعدات نقدية إلى مشاريع ستكون نتائجه صفرية، لأن مشكلة غزة هي قلة الموارد المالية، وليس قلة المشاريع".