وكأن ليبيا تنقصها عناصر التوتر والانقسام، حتى تشير تقارير إلى أن سيف الإسلام القذافي يفكر حالياً في خوض الانتخابات الرئاسية المقررة نهاية العام الجاري، رغم عدم ظهوره علنا منذ أربع سنوات.
ومن المقرر، بحسب المسار السياسي الحالي الذي أفرز المجلس الرئاسي وحكومة الوحدة الوطنية برعاية أممية، أن تشهد ليبيا انتخابات برلمانية ورئاسية في شهر ديسمبر/كانون الأول المقبل، وإن كانت هناك عقبات حقيقية تجعل إنجاز هذا الاستحقاق الديمقراطي محاطاً بشكوك عميقة.
وأبرز هذه العقبات تتمثل في زعيم الحرب المتقاعد خليفة حفتر، الذي تسيطر ميليشياته على شرق ليبيا وبعض مناطق الجنوب. ورغم اعترافه شكلياً بالسلطة التنفيذية الموحدة في البلاد فإن حفتر لم يتخذ أي إجراءات حقيقية نحو توحيد المؤسسة العسكرية الليبية، التي لا يمتلك زعيم ميليشيات شرق ليبيا فيها حالياً أي منصب رسمي.
والعقبة الثانية تتمثل في ضرورة خروج المقاتلين والمرتزقة الأجانب من البلاد، في ظل وجود مرتزقة روس وغيرهم من الجنسيات يقاتلون ضمن صفوف ميليشيات حفتر، التي تسمي نفسها الجيش الوطني الليبي، ووجود قوات تركية تدعم الحكومة الشرعية في طرابلس بناء على اتفاقيات بين الجانبين.
نجل القذافي يتحين الفرص
وفي ظل هذا المشهد شديد التعقيد، نشر موقع شبكة Voice of America الأمريكية تقريراً عنوانه "ترشُّح سيف الإسلام القذافي المحتمل للرئاسة يزيد من الضغوط على عملية السلام المضطربة في ليبيا"، تناول ما يمكن أن يُمثل عنصراً إضافياً وخطيراً من عناصر الانقسام في البلاد.
فمنذ أن أطلق معتقلوه سراحه في 2017، لم يظهر علناً سيف الإسلام القذافي، نجل الديكتاتور الليبي الراحل معمر القذافي، لكنه يظهر الآن ويبدو أنه يفكر في خوض الانتخابات الرئاسية في البلد الذي مزقته الحرب، وهي انتخابات تضغط الأمم المتحدة والدول الغربية من أجل إقامتها في موعدها المقرر في ديسمبر/كانون الأول.
احتمالية ظهور سيف الإسلام في الانتخابات تثير حفيظة الدبلوماسيين الغربيين ومستشاري الديمقراطية الدوليين، الذين يقولون إن عملية السلام المضطربة في ليبيا لديها ما يكفيها من العوائق التي تحتاج إلى تجاوزها، ولا تتحمل أن يُضاف إليها نجل القذافي، الذي يعد شخصية تتسبب في حالة استقطاب شديد.
فبعد أن اندلعت الثورة ضد نظام القذافي، في فبراير/شباط 2011، واستخدام نظامه للقوة الغاشمة لقمع الثوار، تدخلت قوات عسكرية دولية بقيادة حلف الناتو لتستمر حالة الحرب في البلاد، من مارس/آذار، وحتى أكتوبر/تشرين الأول 2011، حينما قتل القذافي قرب مسقط رأسه في سرت. والآن بعد عقد كامل من الانقسام والحروب لا يزال إرث القذافي يمثل إحدى العقبات على طريق إعادة توحيد البلاد الغنية بالنفط والموارد الأخرى، التي يفترض أن تجعل شعبها يعيش في رغد من العيش.
تقول ماري فيتزجيرالد، الباحثة والزميلة المشاركة لدى المركز الدولي لدراسة التطرف والعنف السياسي في جامعة كينجز كوليدج لندن: "ما أسمعه أنه انتقامي أكثر من كونه تصالحياً". غطت ماري، وهي صحفية سابقة لدى صحيفة Irish Times الأيرلندية، الحرب الأهلية في ليبيا عام 2011، التي انتهت بإطاحة القذافي وقتله.
هل يفعلها نجل القذافي فعلاً؟
كان سيف الدين يتحدث مع وسائل الإعلام الغربية عبر وسطاء، إذ إنه مطلوب من المحكمة الجنائية الدولية لاتهامه بارتكاب جرائم حرب. وقد أجرت صحيفة أمريكية كبيرة مقابلة رسمية معه، يُنتظر نشرها في الشهر القادم، وذلك حسبما قال وسطاء.
وفي حديث مع شبكة Voice of America، قالت كلوديا جازيني، محللة شؤون ليبيا في مجموعة الأزمات الدولية التي تتخذ من مدينة بروكسل مقراً لها: "لا يزال غير واضح بعض الشيء ما إذا كان ينصّب نفسه مرشحاً. لن أصدق ذلك إلا عندما أسمعه في الواقع أو أراه في فيديو يعلن ذلك".
يقول حافظ الغويل، الأمريكي ذو الأصول الليبية والزميل لدى معهد السياسة الخارجية في مدرسة بول إتش نيتز للدراسات الدولية المتقدمة بجامعة جونز هوبكنز، إنه لا يعتقد أن سيف الإسلام اتخذ قراره في هذا الشأن. ويضيف: "ولكن إذا كان قد اتخذ قراره فأعتقد أنه سيحظى بدعم كبير".
يقول المراقبون إن الأرجح أن ترشح سيف الإسلام القذافي سوف يثبت شعبيته في المناطق الصحراوية جنوب البلاد وبين الموالين السابقين للقذافي، وقد يكون قادراً على إقناع عديد من المواطنين الليبيين العاديين، الذين أُرهقوا من 10 أعوام من الفتنة، بأنه أفضل خيار من أجل مستقبل مستقر.
ما مخاطر ترشحه على الأوضاع في ليبيا؟
لكن ترشحه يحمل كذلك مخاطر إثارة المزيد من العنف. في وقت سابق من هذا العام ادّعت وسائل الإعلام الليبية المؤيدة للقذافي أن خليفة حفتر وابنه صدام كانا يخططان لقتل سيف الإسلام. لدى حفتر طموحات على صعيد الترشح للانتخابات للرئاسية. فضلاً عن أن البعض ممن كانوا في مقدمة الثورة الليبية 2011 يعارضون بشدة عودة أي فرد من أبناء عائلة القذافي إلى المشهد.
ويعتقد ولفغانغ بوسزتاي، الملحق العسكري النمساوي السابق في ليبيا والمستشار الكبير لدى المعهد النمساوي للسياسات الأوروبية والأمنية، أن "هناك بالتأكيد كثيرين قد يقتلونه بسبب دوره خلال الثورة، إذا سنحت لهم فرصة".
كانت هناك أحاديث ليست بقليلة في ليبيا منذ عام 2017، تقول إن الابن الثاني للقذافي، الذي قدم نفسه خلال السنوات الأخيرة لحكم والده على أنه شخصية إصلاحية، قد يحاول في يوم ما أن يرتب لعودته سياسياً.
وفي أعقاب إطلاق سراحه في يونيو/حزيران 2017، بعد اعتقاله لست سنوات على يد إحدى الميليشيات في مدينة الزنتان التي تبعد 136 كيلومتراً جنوب غرب طرابلس، يجري سيف الإسلام، البالغ من العمر 48 عاماً، مناوراتٍ من خلف الكواليس.
ويقول بعض الليبيين إنه كان قادراً على إنقاذ البلاد من كل هذا الألم إذا أعلن في بداية ثورة 2011 أنه انفصل عن درب أبيه، وهي خطوة قال أصدقاؤه إنه فكر فيها جدياً. ويتفق هؤلاء على أنه إذا فعل ذلك كان سيُطاح بوالده دون أي قتال. حكم الثوار المنتصرون على سيف الإسلام بالإعدام في 2015، لكن محكمة في طرابلس ألغت الحكم وقضت بوجوب عقد محاكمة جديدة. ويُعتقد أن سيف الإسلام لا يزال في الزنتان.
وفي الأسبوع الماضي، انضم وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن إلى وزراء خارجية 17 دولة -من بينهم روسيا وتركيا اللتين لديهما قوات عسكرية موجودة في ليبيا- وذلك في مؤتمر عُقد في برلين لإقناع النواب الليبيين والفصائل باتباع الجدول الانتخابي وتمرير قانون انتخابات. وحذر الاتحاد الأوروبي من أنه قد يفكر في فرض عقوبات على أي من القادة الليبيين الذين يعرقلون العملية.
هل تعقد الانتخابات في موعدها المقرر؟
لكن بعض المراقبين يخشون من أن الأمم المتحدة والقوى الغربية قد تكون متعجلة للغاية، وقد تكرر ما ارتأوا أنه خطأ ارتكبوه في 2012 عندما ضغطوا لعقد انتخابات مبكرة للغاية بعد إطاحة القذافي.
ويقول النقاد إنه كان هناك تركيز كبير على تحديد تاريخ الانتخابات، ولم يكن هناك تركيز كاف على العملية وماهية الاحتياجات الضرورية لعقد الانتخابات، من أجل أن تكون مقبولة على نطاق واسع في ليبيا، بوصفها انتخابات شرعية.
والآن وصلت المحادثات إلى طريق مسدود حول قانون الانتخابات المتعلق بوجوب عقد استفتاء أولاً حول مسودة الدستور، وهو ما قد يؤدي إلى تأجيل الانتخابات لأشهر، إذا لم يكن أطول من ذلك.
تقول كلوديا، من مجموعة الأزمات الدولية: "على صعيد الانتخابات، ما زلنا في حالة جمود فيما يتعلق بالإجماع حول أي انتخابات تُعقد". وتضيف: "بخلاف إظهار الدعم القوي الذي أعرب عنه المشاركون في مؤتمر برلين لعقد الانتخابات البرلمانية والرئاسية في ديسمبر/كانون الأول، لا تزال الدوائر الانتخابية الليبية منقسمة حول هذا الأمر، بجانب وجود بعض أصحاب المصالح المحليين الذين لا يزالون يضغطون ضد هذا الشأن".
أما ماري فيتزجيرالد، فتعرب عن قلق خاص من عقد انتخابات لانتخاب رئيس، إذ تقول في حديثها مع شبكة Voice of America: "أعتقد أن فكرة عقد انتخابات رئاسية غبية على أي حال، ويجب على الممثلين الدوليين أن يتخلصوا منها في مهدها. أجل [للانتخابات] البرلمانية، لكن هل يمكن عقد [انتخابات] رئاسية بدون وضع ضوابط وتوازنات في ليبيا؟ إنني أقر بالحاجة إلى الانتخابات البرلمانية، لكن الانتخابات الرئاسية فكرة سيئة".
فيما يقول الملحق العسكري النمساوي السابق ولفغانغ بوسزتاي إن هناك قليلاً من البدائل الجيدة. وأوضح في حديثه مع الشبكة: "عقد الانتخابات في ديسمبر/كانون الأول ليس خياراً جيداً للغاية من أجل ليبيا، ولكن لسوء الحظ ليس هناك خيار أفضل. العوائق الرئيسية أمام عقد الانتخابات هي غياب الإجماع بشأن الأساس الدستوري لهذه الانتخابات والخلاف بشأن الطريقة التي يجب أن يُنتخب بها الرئيس. التحديات الرئيسية التي تواجه الانتخابات نفسها تكمن في الموقف الأمني المتردي في عديد من أجزاء البلاد، بما في ذلك منطقة العاصمة الكبرى".
لكن بوسزتاي يعتقد أن هناك حاجة إلى وجود رئيس، أو مجلس رئاسي يتألف من ثلاثة أشخاص، وهو ما لا يزال خياراً أفضل. إذ يقول: "أي بلد في أزمة مثل ليبيا، يحتاج إلى قائد قوي لتجاوز الصعوبات، على الأقل خلال مرحلة انتقالية. يجب عدم الخلط بين هذا وبين أي ديكتاتور. السنوات الـ10 الماضية أظهرت بكل وضوح المدى الذي يمكن أن تصل إليه أي قيادة ضعيفة".