لأسباب علمية جداً، كان نوربرت هاجيمان منهمكاً في دراسة ميسي، ونوربرت هو أستاذ في جامعة كاسيل في ألمانيا، وللمصادفة، كان ميسي حاضراً بالقرب منه.
ليلة باردة هي، عام 2012، هناك، كان العشب مبتلّاً، لكن ميسي استطاع أن يقدم شيئاً لنوربرت، قدم له هدية ربما أراد أن يراها، وبعد نهاية اللقاء، سأل الصحفي جوارديولا: "لماذا تُبالغ في الاعتماد على ميسي ولماذا لا تريحه؟".
قال جوارديولا: "لأنهم يريدون مشاهدته، يدفعون ثمن تذكرتهم من أجله.. لماذا أريحه إذاً؟" ببرودة أعصاب، أجاب مدرب برشلونة، وبهدوء يُحسد عليه، غادر الملعب.
وبعد خمس سنوات، كان جابرييل نوجرم جالساً يتابع كلاسيكو الأرض، وسمع تعليق روي هودسون الشهير على هدف ميسي، وانتفض من مكانه، احتفل، احتفل بجنون، احتفل في الظلام، احتفل بمن لم يره طوال حياته، ولن يحدث ذلك أبداً مِن شخصٍ آخر.
هندي هو، من كيرالا، فقد بصره في الثالثة بعد أن بدأ ينطق، لا يعرف ما هو العالم حقاً، لكنه يعرف أن هناك ميسي، وأنه يريد أن يكون ميسي، والناس يطلقون عليه ميسي، لكنه لا يريد ميسي الذي ينعتونه به (ميسي الكفيف).
ومن ليلتها، أصر جابرييل على أن يُضيء أذهانهم، ونال مراده، فبعد عامين من هدف ميسي، فعلها جابرييل، في كوشي، حينما لم يعترف به أحد، حقق أول بطولة للمكفوفين، وأصبح ميسي هندياً، هندياً فقط، حتى وإن لم يعترف مجتمعه بذلك.
وفي كولومبيا، تحديداً في التاسعة من عمره، خوسيه ريتشارد جاليجو، كان طفلاً طبيعياً للغاية، يذهب ويجيء، يركل الكرة، ثم ماذا؟ فقد سمعه، واعتمد على عينيه لتشرحا كل شيء يدور من حوله.
في الخامسة عشرة خانتاه، لم يكن بصره يرغب بالبقاء، ففقده هو الآخر، وراح سيزار دازا، وهو صديقه ومترجمه، يصف له كل ما يحدث من حوله.
على لوح خشبي، وبتحريك الأيدي، يشرح سيزار له كل شيء، لأن جاليجو يحب برشلونة، ويريد أن يتصل بهم، ولو بالتلامس، ويعرف ميسي، حتى وإن لم يره.
يعرف كيف يراوغ، كيف يتحكم بالكرة، كيف يسجل، وكيف يحتفل، وكيف وكيف…
وفي إسبانيا، كان أركادي نافارو مشغولاً جداً، حينما قَدَّمَ ميسي ملحمته ضد بيتيس من العام 2019، وأركادي هو رئيس معهد الجينوم الأوروبي.
كان مشغولاً في استنساخ ميسي آخر، ميسي شبيه بالحقيقي، ميسي متطور، باستخدام التقنيات الحديثة، وبمساعدة العلماء والعلم، كان يظنه ممكناً، إلى أن سئم، وأدرك أن الأمر أبعد ما يكون عن التصنيع، فحتى وإن فعل، لن يستطيع أن يفعل ما يفعله الأصلي، فحسب ما قاله، إن ميسي هو نتاج الجينات، والبيئة، منتج متكامل، لا يمكن تصنيعه، بأي حال من الأحوال.
ونحن أيضاً، نحبه دون أن ندرسه كظاهرة، أو نستخدمه لتجربة علمية، نحبه مثلما يحبه خوسيه في الظلام، دون أن يراه أو يسمعه، نحبه كما يحبه جابرييل، حتى وإن كان مميزاً عن خوسيه بالسمع.
نحبه كما أحبه جاليانو، أحبه لأنه لا يشعر أنه ميسي، ومثلما أحب درويش مارادونا، وعاتبه على تركه وهجره حينما قال: "مع من سنسهر؟".
لم نقل كيف ولماذا… وجدناه كما هو، قصير لكن من الصعب السيطرة عليه، أرجنتيني المولد لكنه ابن برشلونة بالتبني.
في الصباح، في المساء، عند الفجر، كلما تواجد ميسي، كانت الحياة معه أفضل من نظيرتها بدونه، سيشتاق إليه عشب الكامب نو، وسيموت الأمل بداخلنا إن رحل.
الأمل الذي يفرضه كلما بحثت أعيننا عنه، في المآزق والعثرات، أو حتى في اللحظات التي لم تكن سعيدة، دون أن يمازح الكرة.
بالنسبة لبرشلونة، وفي عيد ميلاده، الرابع بعد الثلاثين، ميسي هو تشافي حينما يفتقد برشلونة تشافي، وإنييستا إذا اشتاق لإنييستا، علاوة على أنه ميسي، طوال الوقت.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.