تتزايد مبيعات الأسلحة الصينية للشرق الأوسط يوماً بعد يوم، خاصة في مجال الطائرات المسيرة، ولكنها اليوم تواجه مأزقاً سياسياً في ظل حاجتها لإدارة هذا الملف بدقة في وجود التنافس الخليجي الإيراني.
وأصبحت الصين أكبر شريك تجاري ومستثمر أجنبي لعدة دول في المنطقة. ورغم أن تركيز الصين الرئيسي ينصب في الوقت الحالي على إبرام صفقات استثمارية اقتصادية كبرى مرتبطة بمبادرة الحزام والطريق، ولا سيما مشاريع البنية التحتية والربط، لاحظت بكين على ما يبدو سوق الأسلحة المربح في الشرق الأوسط.
ويبدو أن التطورات الجيوسياسية في المنطقة، وكذلك السياسات المتقلبة من جانب الولايات المتحدة، دفعت بكين إلى إعادة توجيه استراتيجياتها والعمل على تعزيز مبيعات الأسلحة الصينية للشرق الأوسط، حسبما ذكرت مجلة The Diplomat الأمريكية.
خطوات صينية محسوبة
فعلى مدى السنوات القليلة الماضية، دأبت الصين على اتخاذ خطوات محسوبة في تعاملاتها مع معظم دول الشرق الأوسط الغنية بالنفط وذات الموقع الاستراتيجي. وألقى الكشف عن تقرير سياسة الصين مع الدول العربية في يناير/كانون الثاني عام 2016، قبل أسبوع واحد فقط من زيارة الرئيس شي جين بينغ للسعودية ومصر وإيران، مزيداً من الضوء على استراتيجية الصين في المنطقة.
وتصف وثيقة السياسة المذكورة أهداف الصين الشاملة في المنطقة على النحو التالي: "تحقيق التعاون المربح للجانبين، والتنمية المشتركة، ومستقبل أفضل للعلاقات التعاونية والاستراتيجية بين الصين والعرب".
وتشير على وجه التحديد أيضاً إلى ضرورة تكثيف التعاون العسكري الصيني مع الدول العربية، وكذلك "تعميق التعاون في مجال الأسلحة والمعدات وعدد من التقنيات المتخصصة، وتنفيذ تدريبات عسكرية مشتركة".
وتضيف أن الصين "ستواصل دعم تطوير الدفاع الوطني والقوات العسكرية للدول العربية للحفاظ على السلام والأمن في المنطقة".
مبيعات الأسلحة الصينية للشرق الأوسط تعتمد على الطائرات المسيرة
ويتضح جلياً من هذه الكلمات أن الصين لديها مصلحة قوية في تضمين التعاون العسكري الأمني، لا سيما صفقات الأسلحة والإنتاج المشترك للأسلحة، باعتباره أحد أبعاد استراتيجيتها الشاملة في الشرق الأوسط، وفقاً مجلة The Diplomat.
وما يضيف إلى تميز الصين هو التقدم التكنولوجي الذي حققته في مجال البحث والتطوير الدفاعي، لا سيما في مجالات الصواريخ والطائرات بدون طيار، وهي من ضمن منظومات الأسلحة التي يتطلع زبائنها في الشرق الأوسط إلى استيرادها.
وأحد أسباب زيادة مبيعات الأسلحة الصينية للشرق الأوسط وخاصة الطائرات المسيرة أن تجار الأسلحة الصينية، الذين يُمثِّلون المُوزِّع الرئيسي الطائرات المسيرة المسلحة في العالم، يداعبون الدول التي أُوصِدَت في وجهها أبواب شراء الطائرات المسيرة أمريكية الصنع في أنحاء الشرق الأوسط؛ بسبب القواعد المتعلقة بالسقوط المفرط للضحايا المدنيين.
وبشكل عام، يتزايد الطلب على منظومات الأسلحة المتطورة وتقنيات الدفاع في الشرق الأوسط. ويرجع ذلك في الأصل إلى التهديدات القائمة التقليدية منها وغير التقليدية التي لا تزال بعض هذه البلدان تواجهها، وأيضاً بسبب التوترات بين عدد من الدول داخل المنطقة.
على سبيل المثال، دفع البرنامج النووي الإيراني المثير للجدل بعض الدول الخليجية إلى زيادة مخزونها من الأسلحة، في حين أن التهديدات من الجهات غير النظامية، مثل فلول تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا (داعش) والقاعدة، لا تزال تشكل تهديدات أمنية خطيرة في المنطقة. ولا تزال دول مثل السعودية، على وجه الخصوص، قلقة من التهديدات المحيقة بأمنها الداخلي، وكذلك الهجمات المتكررة بالصواريخ والطائرات المسيرة التي ينفذها الحوثيون المتمركزون في اليمن على حدودها الجنوبية.
بعدما فرضت أمريكا قيوداً على بيعها لحلفائها
ووسط هذه التحديات، دفعت السياسات التقييدية التي تتبعها الدول الرئيسية المصدرة للأسلحة، مثل الولايات المتحدة، في مبيعات الأسلحة، التي غالباً ما تكون مرتبطة بأسلحة مثل الطائرات المسلحة بدون طيار، دولاً مثل السعودية والإمارات للبحث عن بدائل أخرى متاحة أقل تقييداً. وهذا فراغ مهم تأمل الصين في ملئه.
ويتزامن التعاون العسكري والأمني المتنامي في الشرق الأوسط وتجارة الأسلحة مع الصين مع بروز بكين لتصبح واحدة من أكبر مصدري الأسلحة على مستوى العالم. ففي الفترة بين 2016 و2020، كانت الصين خامس أكبر دولة مصدرة للأسلحة في العالم، وكانت باكستان وبنغلاديش والجزائر أكبر مستوردين لأسلحتها.
وساهمت أربع شركات أسلحة صينية- شركة صناعة الطيران الصينية، وشركة مجموعة تكنولوجيا الإلكترونيات الصينية، وشركة مجموعة الصناعات الشمالية الصينية، وشركة مجموعة الصناعات الجنوبية الصينية- بأدوار أساسية ليس في برامج التحديث العسكري للقوات المسلحة الصينية وحدها، وإنما في توليد إيرادات خارجية من خلال صادرات الأسلحة أيضاً، وكان مبيعات الأسلحة الصينية للشرق الأوسط أحد الوسائل لتحقيق ذلك.
إيران ودول الخليج قد تتطلع للأسلحة الصينية.. فلمن الأولوية؟
ورغم أن مبيعات الأسلحة الصينية إلى الشرق الأوسط لا تزال محدودة في الوقت الحالي، فمن المرجح أن تفتح رغبة دول الخليج لاستيراد أسلحة صينية المزيد من الفرص لزيادة حجم التجارة في المستقبل.
وفضلاً عن ذلك، فانتهاء حظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة على إيران في أكتوبر/تشرين الأول عام 2020 بمثابة منحة إلهية لكل من الصين وإيران، لا سيما بالنظر إلى المسار التصاعدي لتعاونهما الثنائي في الآونة الأخيرة. إذ دعت اتفاقية "الشراكة الاستراتيجية الشاملة" المبالغ في تقديرها والموقعة من كلا البلدين في مارس/آذار عام 2021 إلى "آليات التعاون في مجالات.. المعدات والتكنولوجيا (في مجال الأمن والدفاع)". وفضلاً عن ذلك، تصنع الصين وتصدر أسلحة مثل الصواريخ والطائرات بدون طيار، وهي منظومات ستكون إيران على الأرجح مهتمة بشرائها من شريكها في شرق آسيا.
بكين حذرة في صفقاتها مع طهران
ورغم أن إيران من الزبائن المحتملين لصفقات الأسلحة الصينية، فيتعين على بكين أن تلتزم جانب الحذر في تعاملها مع الجمهورية الإسلامية، بالنظر إلى شراكاتها الاقتصادية الأكثر ربحاً مع دول الخليج الأخرى المذكورة أعلاه.
وإذا تفهمت الصين الصعوبات الاقتصادية والمالية التي تواجهها إيران حالياً، فستظل أيضاً حذرة في توقيعها أي صفقات أسلحة كبرى معها. علاوة على ذلك، بعد تغيُّر الإدارة الأمريكية، سيكون من الأفضل لبكين أن تنتظر لترى إن كان يمكن تخفيف التوترات مع واشنطن، ولهذه الغاية، قد لا ترغب في استعداء إدارة بايدن الذي سيجلبه تزويد طهران بمزيد من الأسلحة. على أنه من المرجح أن تؤثر السيناريوهات الجيوسياسية الناشئة على سياسة الصين تجاه إيران. وفي حالة زيادة عزلة الصين وإيران عن المجتمع الدولي على السواء، فلا يمكن استبعاد تسريع التعاون العسكري والأمني الشامل، ناهيك عن تجارة الأسلحة، بين البلدين.
بينما السعودية تبدأ تصنيع طائرات مسيرة بالتعاون مع بكين
في الآونة الأخيرة، أحرزت السعودية والإمارات قدراً من التقدم في تعاونهما مع الصين في مجالات الدفاع العسكري. وهذا التطور أدى إلى تجدد المناقشات عن العلاقات العسكرية والأمنية المتزايدة بين الصين والشرق الأوسط. فبين عامي 2016 و2020، زادت الصين حجم مبيعات الأسلحة إلى هذين البلدين بنسبة 386% و169% على التوالي، مقارنة بالفترة بين عامي 2011 و2015. وفي حين أن حصة الصين في سوق الأسلحة السعودية والإماراتية لا تزال ضئيلة مقارنة بحصة مصدري الأسلحة التقليديين الآخرين، فهذه الأرقام تشير إلى دخول الصين الممنهج إلى المنطقة.
وفي خطوة متقدمة، في مارس/آذار عام 2017، وقعت مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية في السعودية والمؤسسة الصينية لعلوم وتكنولوجيا الفضاء الجوي اتفاقية شراكة لإنتاج طائرات CH-4 الصينية بدون طيار، التي تشبه الأمريكية الصنع MQ-1 Predator. والسعودية تملك هذه الطائرات منذ عام 2014، وكذلك العراق. من المحتمل أن تعمل هذه المنشأة السعودية مركزاً "لتصنيع وصيانة طائرات CH-4 لمستخدميها الآخرين في الشرق الأوسط، مثل مصر والعراق والأردن". وبالمثل، استوردت الإمارات، وهي شريك في الحرب التي يشنها تحالف بقيادة السعودية على الحوثيين في اليمن منذ عام 2015، طائرات بدون طيار صينية الصنع من طراز Wing Loong I عام 2011، وأصبحت أول مشترٍ لطائرة Wing Loong II بدون طيار عام 2017.
ولن تقلق الصين، في الوقت الحالي، كثيراً بشأن مواجهة منافسة من الدول الكبرى المصدرة للأسلحة إلى الشرق الأوسط، مثل الولايات المتحدة. فهي لا تزال مدركة للمكانة التي ضمنتها الولايات المتحدة من حيث حجم وفئات أسلحتها التي تصدرها، وكذلك جودتها. لكن بكين ستسعى جاهدة لزيادة الزخم، وإبرام المزيد من صفقات الأسلحة مع زبائنها في الشرق الأوسط في السنوات المقبلة؛ إذ إن دافعها لبيع الأسلحة إلى الشرق الأوسط يتركز على المكاسب التجارية والاقتصادية، وليس الأهداف السياسية. لكن هذا لا يعني أن هذه الدوافع منفصلة تماماً عن الأمن القومي للصين ومصالحها الاستراتيجية.
وفي الواقع، فتجارة الأسلحة المتنامية تدريجياً تمنح الصين مزيداً من المجال لتوسيع وجودها الاستراتيجي في المنطقة، حيث إن استثماراتها الاقتصادية ومساعدتها التكنولوجية ضخمة ومرحب بها.
وفي الشرق الأوسط، وجدت الصين سوقاً مربحة لبعض الأسلحة التي تنتجها، وفي الوقت نفسه ستواصل العديد من دول المنطقة الاعتماد على مساعدة بكين الاقتصادية والتكنولوجية في برامج التحديث الاقتصادي وتطوير البنية التحتية. وهذا التقارب القوي للمصالح المشتركة هو ما سيغذي نمو مبيعات الأسلحة الصينية في المنطقة.