"هناك احتمالان فقط، إما أننا وحدنا في الكون، أو أن هناك غيرنا، وكلا الاحتمالين مرعب بشكل متساوٍ". آرثر سي كلارك.
في 2017 قدم لنا المخرج دانييل إسبينوزا فيلم Life بطولة جايك جايلنهال وريبيكا فيرجسون ورايان راينولد، حيث يتبع الفيلم ستة أفراد من طاقم محطة الفضاء الدولية، ممن اكتشفوا دليلاً على وجود الحياة فوق سطح المريخ، ولكن سرعان ما ينقلب الوضع حينما يدركون أن تلك الحياة عدوانية بشدة تجاه البشر، وتمتلك القدرة الخارقة على النمو المتسارع ومحاكاة كل أشكال الحياة الأخرى.
استطاع الفيلم حصد نجاح تجاري بأرباح تقدر بضعف تكلفته، ومع ذلك حصل على تقييم نقدي متوسط، وذلك يرجع في الغالب للكتابة الدرامية الخاصة بالفيلم، ورغم ذلك أعتقد أنه كان أحد أهم أفلام الرعب والخيال العلمي التي صدرت في تلك السنة. ولكن لماذا؟
لفترة ليست بالقليلة ركزت أفلام الرعب والخيال العلمي على فكرة محددة داخل موضوع الفضائيين من خارج الكوكب، وهي فكرة الغزاة، حيث تصورت العديد من الأفلام غزواً من أشكال حياة ذكية ومتقدمة مستهدفاً الأرض، أو حدوث كوارث بسبب أشكال حياة معقدة كسلسلة Aliens على سبيل المثال.
ولكن فيلم Life على الجانب الآخر استطاع تجريد فكرة الرعب في الحياة نفسها من كل الشوائب الممكنة، فنحن لا نحتاج حياة فضائية ذكية لتسبب لنا رعباً، لا نحتاج حضارة فضائية متقدمة لتغزو كوكبنا، وبالتأكيد لا نحتاج شكل حياة معقد ليقتلنا، فقط أبسط شكل من أشكال الحياة الغريبة في الفضاء يمكن أن يدمر وجودنا بأكمله، بل لا يجب حتى أن يكون مصدره فضائياً، فحتى على الأرض يمكن لشيء بسيط شبه ميت كالفيروس أن يبيد الإنسانية بأكملها، بالتالي ما فعله فيلم Life كان محاولة عظيمة جداً لتجريد فكرة الرعب في الحياة الغريبة.
خوف البشر من الوحدة
أحياناً تدفع هذه النوعية من أفلام الخيال العلمي عقل المشاهد للتساؤل: "لماذا نحتاج البحث عن حياة أخرى خارج الأرض؟".
ربما لا يستطيع المشاهد إيجاد إجابته بين ثنايا فيلم Life لكنها ترقد هناك بالفعل، إذ تشكل فكرة وجود الحياة خارج كوكبنا إجابة لإحدى تساؤلاتنا الكبرى، وهي: "هل نحن وحيدون في الكون؟".
وذلك السؤال بطبعه مخيف بالنسبة للبشر؛ لأن الوحدة ربما تحمل في طياتها بعضاً من العبث، انعدام القيمة، وفي النهاية يصبح وجودنا نفسه ضرباً من ضروب اليأس، فلماذا نعيش إذاً إن كنا وحدنا في هذا الكون ولا أحد هناك ليرى إنجازاتنا كجنس بشري، من يعطينا قيمتنا إذاً؟ مَن يتذكرنا بعد فنائنا ويقول في نفسه: "نعم لقد كان البشر هنا من قبل، وقد صنعوا حضارة وتركوا إرثاً كبيراً في هذا العالم"، وهكذا يخشى الإنسان الوحدة.
أجل، الله رقيب فوقنا ويرانا ويعلم كل ذلك، لكن ربما هناك مخلوق فضائي غريب، أو حضارة متقدمة ذكية، تشاهدنا من مكانٍ ما فوقنا، ترى عثراتنا، وكيف تجاوزناها.
وعلى هذا الأساس كان خوف الإنسان من الوحدة نابعاً من أهم أسئلته الوجودية، وبسبب هذا الخوف، يدفع نفسه لاكتشاف الفضاء بحثاً عن حياة أخرى غيره، لتصبح تلك الحياة هدفاً منشوداً لذاتها، فاكهة أبدية معلقة بإحدى فروع شجرة الخلد، تنتظر فقط الطامع سيئ الحظ ليقطفها.
ربما الوحدة أقل رعباً، ولم يكن علينا قطف تلك التفاحة
ومن المنطلق السابق تبدأ أفلام الرعب والخيال العلمي بالتسابق حول سبر أغوار تلك الفكرة، وتعطينا سيناريوهات وتخيلات حول اكتشاف الإنسان لأشكال حياة غيره، ولكن لا تعطينا إجابات عن أسئلتنا الوجودية، ولا حتى تثبت لنا أننا لسنا وحيدين، بل تخبرنا بأنه كان علينا الصمت، وأن وهم الوحدة والخوف منها كان خيراً لنا من الفضول.
وعلى هذا المثال وعلى غرار قصة الهبوط من الجنة ينطلق فيلم Life، فشكل الحياة الذي اكتشفوه على المريخ لم يكن سوى خلية ميتة بسيطة، تفاحة معلقة صامتة، ربما تحمل داخلها الإجابة وربما لا، ربما تحمل داخلها الخلود وربما لا.
لكن الرغبة لإيجاد الإجابات تماثل شهوة الخلود، وكشيطان يوسوس للإنسانية تدفع الإنسان لإعادة إحياء الخلية، فتصبح في النهاية كالفاكهة المحرمة التي قطفها البشر قبل سقوطهم من عدن، فتكون تلك الخلية، أو ذلك الشيء السبب في سقوط البشرية من السماء في نهاية الفيلم.
في النهاية كالعادة تحطمنا رغباتنا، وصراعنا الأزلي للمعرفة، لكن هذه طبيعتنا، فنحن بشر في النهاية، ولا يوجد أبداً ما يماثل البشر.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.