نشر الجيش الإسرائيلي روبوتات مدججة بالأسلحة على طول الحدود مع قطاع غزة، في تطور مأساوي جديد، وفق ما وصفه تقرير لموقع The Daily Beast الأمريكي، الجمعة 25 يونيو/حزيران 2021، والذي أشار إلى أن كثيراً ما يوصف قطاع غزة بأنه أكبر سجن مفتوح في العالم.
إذ يعيش أكثر من مليوني شخص في الشريط الساحلي الصغير، ويكابدون معدلات بطالة تصل إلى نحو 70%، والنقص شبه الدائم في الإمدادات الطبية والوقود والمياه النظيفة، والانقطاع المستمر للتيار الكهربائي، فضلاً عن الغارات الجوية الإسرائيلية التي دمَّرت العديد من المباني السكنية الشاهقة في عدوان مايو/أيار الماضي.
يزيد على هذه المعاناة وقوع القطاع تحت وطأة حصار بحري وسياج حدودي بطول 64 كيلومتراً يمنع الدخول إلى الأراضي المحتلة، ويقابله 14 كيلومتراً أخرى من الجدران الفولاذية والخرسانية على الحدود بين غزة ومصر.
لا يُمنح سوى أقلية محظوظة تصاريح المرور عبر نقاط التفتيش إلى الأراضي المحتلة أو مصر للعمل أو الحصول على الرعاية الطبية. لكن نقاط التفتيش هذه كثيراً ما تغلق في أوقات التوتر الشديد.
تطور مأساوي جديد على حدود قطاع غزة
الآن، يأتي تطور مأساوي جديد في صورة "روبوتات آلية" RoboCop، فقد بات الأشخاص الذين يحاولون اختراق السياج الحدودي مع قطاع غزة يُواجهون بتحذيرات صاخبة من مركبة آلية ذات ست عجلات مزوَّدة بمكبِّر صوت مدمج بها، وفي حال عدم الامتثال، يملك الروبوت القدرة على مواجهة ما يعتبره مخالفة عن طريق مدفعٍ رشاش مثبَّت أعلاه.
يمتد على طول السياج الحدودي مع غزة أدوات مراقبة "ذكية" مزودة بأجهزة استشعار وتحرسها قوات برية وعربات مدرعة، وتحلق فوقه طائرات مسيَّرة للمراقبة، وعلى الأرض أبراج مزودة بمدافع رشاشة من عيار 50 ملم تعمل بنظام التحكم عن بعد وقادرة على تدمير المركبات الخفيفة.
مع ذلك، يحتشد سكان قطاع غزة دورياً للاحتجاج خارج المنطقة العازلة على مسافة 1.6 كيلومتر أمام السياج، ويخترقونه في بعض الأحيان. وخلال موجة كثيفة من الاحتجاجات على الحدود في أبريل/نيسان ومايو/أيار 2018، فيما يُعرف بـ"مسيرات العودة السلمية"، قتلت قوات حرس الحدود الإسرائيلية أكثر من 100 شخص وأصابت ما يزيد على 11 ألفاً.
رغم كل هذه التدابير التي يستعين بها الجيش الإسرائيلي لمراقبة حدوده مع قطاع غزة، فإن المقاومة كثيراً ما تنجح في مهاجمة وحدات الجيش الإسرائيلي المحيطة بالمنطقة ببنادق القنص والصواريخ المضادة للدبابات وصواريخ قسام قصيرة المدى وقذائف الهاون.
حماية الجيش الإسرائيلي
لذلك يريد الجيش الإسرائيلي من روبوتات "جاغوار" Jaguar الجديدة المسلحة هذه أن تحل جزئياً محل الدوريات البشرية المتنقلة، ومن ثم "تعزيز تدابير حماية القوات" (force protection) بالمصطلح العسكري.
بحسب الموقع الأمريكي فإن المقصد من ذلك المخاطرة بتلقى الروبوتات الآلية أي ضربة موجهة من قذيفة صاروخية أو صواريخ مضادة للدروع بدلاً من أن يتلقاها جندي بشري ومركبته. وحتى إذا قُبض على الروبوت بطريقة ما، فيمكن تعطيل مكوناته الأكثر حساسية ذاتياً.
أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي لأول مرة في أبريل/نيسان أنه سينشر ما يعادل 1.5 طن من المركبات البرية الآلية التي لا تعتمد على جنود في تشغيلها، قبل عدوانه الأخير على قطاع غزة في مايو/أيار. وفي 19 يونيو/حزيران، نشرت كتائب "المقاومة الوطنية"، الجناح العسكري لـ"الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين"، صوراً لقواتٍ إسرائيلية على الحدود، برفقتها روبوت "جاغوار" مسلَّح بالقرب من السياج، على الرغم من عدم وضوح الصورة الملتقطة.
نظام آلي "شبه ذاتي التحكم"
أشرف على بناء روبوتات "جاغوار" المسلحة شركةُ صناعات الفضاء الإسرائيلية بالتعاون مع جيش الاحتلال الإسرائيلي، وهي تعتمد في تشغيلها على نظام آلي "شبه ذاتي التحكم"، ما يعني أنه يتلقى بعض التوجيهات من المشغِّل البشري، لكن يمكنه أداء المهام باستقلالية أكبر من أنظمة التحكم الكامل عن بعد.
فعلى سبيل المثال، تستطيع أنظمة الذكاء الاصطناعي لروبوتات "جاغوار" المسلحة تجاوزَ العوائق في الطرق الوعرة بفاعلية، أو إعادة شحن الروبوت في محطة شحن دون إشراف مباشر.
على غرار أنظمة التحكم عن بعد، يمكن للمشغِّل البشري أن يوجِّه الروبوت إلى استخدام الأسلحة في روبوتات "جاغوار" بواسطة التحكم عن بعد وباستخدام ما يُعرف بتقنيات "سدّد وأطلِق النار"، وهكذا يعمد نظام الذكاء الاصطناعي تلقائياً إلى توجيه مدفعه الرشاش من نوع "إف إن ماج" FN MAG من عيار 7.62 ملم، والتسديد وإطلاق النار حسب الضرورة.
كما تُتيح المستشعرات الكهروضوئية والحرارية المتوفرة لدى الروبوت اكتشافَ الأهداف البشرية على بعد 1.2 كيلومتر أو 800 متر في الليل.
ينطوي على أبعاد مرعبة
ينطوي الأمر على أبعاد مرعبة في أن يصبح قرار إطلاق النار على البشر في أيدي روبوتات آلية، لكن علماء الأخلاقيات العسكرية المؤيدين للروبوتات المسلحة مثل "جاغوار" يجادلون بأن هذه ليست معضلة جوهرية؛ لأن الروبوت قد يقتل الناس، لكنه لا يملك قرار قتلهم.
مع ذلك، أشار الخبير العسكري الإسرائيلي، آري إيغوزي، في مقطع من وثائق تعريف روبوتات "جاغوار" المسلحة، إلى أن "السيناريوهات المبرمجة سابقاً التي تُزوَّد بها روبوتات جاغوار المسلحة تتيح لها إطلاق النار على نحو مستقل"، وهو ما يبدو أنه بداية لدخول عالم الروبوتات التي تملك اتخاذ قرارات مستقلة بإطلاق النار والقتل.
في المقابل، يقول جندي سابق في جيش الاحتلال الإسرائيلي إنه يعتقد أنه من المستبعد أن يُستعان بالروبوتات المسلحة على حدود غزة على نطاق واسع، نظراً لمخاطر وقوع حوادث مؤسفة، وعدم وجود حاجة مُلحة إلى ذلك. وتكهن بأن القدرات القتالية المستقلة للروبوتات قد تتيح لها الرد السريع عند إطلاق النار عليها، أو أن تخصص لمهام القتال الخاصة التي تتخللها احتمالات كبيرة بانقطاع الاتصال مع القيادة.