بينيت يحاول أن يبدو أكثر تصلباً من نتنياهو.. فما خيارات حماس ضد المعادلة الجديدة التي يحاول فرضها؟

تم النشر: 2021/06/23 الساعة 11:13 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/06/23 الساعة 11:17 بتوقيت غرينتش
رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت مع سلفه بنيامين نتنياهو/ رويترز

بات احتمال اندلاع مواجهة عسكرية جديدة بين إسرائيل وحماس أقرب من أي وقت مضى منذ نهاية الحرب الأخيرة، إذ إن من الواضح أن رئيس الوزراء الإسرائيلي الجديد المتطرف نفتالي بينيت يتنصل من تعهدات سلفه بنيامين نتنياهو.

ويحاول بينيت إظهار أنه أكثر قوة من سلفه وأستاذه السابق نتنياهو، والأخطر بالنسبة لحماس أنه يحاول إرساء معادلات جديدة مثل معادلات البالونات الحارقة ضد الصواريخ، وتبديد المكاسب التي حصلت عليها حماس في الحرب الأخيرة التي استمرت من 10 إلى 22 مايو/أيار 2021.

وفي ظل هذه الأوضاع، لا يستبعد مراقبون اندلاع مواجهة عسكرية جديدة إسرائيل وحماس، في ظل استمرار تعنت إسرائيل وإصرارها على ربط إعادة إعمار القطاع بعودة أربعة أسرى تحتجزهم الحركة.

وبينما تسعى حركة المقاومة الإسلامية "حماس" إلى استثمار نتائج المعركة العسكرية الأخيرة، في إنهاء الحصار الإسرائيلي لقطاع غزة، فإن هذا الأمر لا يبدو يسيراً، في ظل تعنت إسرائيل وإصرارها على ربط إعادة إعمار قطاع غزة، بعودة أربعة أسرى تحتجزهم الحركة.

وتحتفظ "حماس" بأربعة إسرائيليين، بينهم جنديان أُسرا خلال الحرب على غزة صيف عام 2014 (دون الإفصاح عن مصيرهما أو وضعهما الصحي)، في حين دخل الآخران القطاع في ظروف غير واضحة خلال السنوات الماضية.

إسرائيل تحاول تغيير المعادلة.. الصواريخ مقابل البالونات

ونهاية الأسبوع الماضي، شنَّت إسرائيل غارات على مواقع تتبع لكتائب القسام، الجناح المسلح لحركة "حماس"، رداً على إطلاق بالونات "حارقة" من القطاع.

ورأت حماس في "الغارات" محاولة إسرائيلية لفرض قواعد اشتباك جديدة، تتمثل بمساواة "البالونات الحارقة" بـ"الصواريخ"، وهو ما حذرت من تداعياته.

كما أثارت تصريحات أطلقها يحيى السنوار، رئيس "حماس" في غزة، الاثنين، عقب اجتماعه مع المنسق الخاص لعملية السلام في الشرق الأوسط تور وينسلاند، قلقاً وسط المراقبين للشأن الفلسطيني.

وفي خطاب غير معتاد، وصف السنوار نتائج اللقاء مع المبعوث الأممي بـ"السيئ"، ووجّه تحذيرات لإسرائيل من مغبة مواصلة فرض الحصار على القطاع.

خيارات حماس

 ولم تعلن حماس خياراتها بشكل صريح، ولكنها لوَّحت ضمنياً بالحل العسكري.

إذ أصدرت قيادة حركة حماس بياناً عقب الاجتماع الذي عقدته مع قيادة الفصائل والقوى الفلسطينية في مكتب رئيس الحركة بقطاع غزة يحيى السنوار، حذرت خلاله الاحتلال من عدم الالتزام بإجراءات كسر الحصار.

وقالت قيادة حماس في البيان، مساء أمس الثلاثاء: "نحذر الاحتلال وحلفاءه من المماطلة والتباطؤ في كسر الحصار ومن عدم الالتزام بإجراءات كسر الحصار التي تمت سابقاً أو إعاقة عملية الإعمار".

وأضافت قائلة إن "شعبنا العظيم ومقاومتنا لن يصمتوا مطلقاً وسيرى العدو أننا جاهزون لكل الخيارات وسنقاومه بكل الوسائل الشعبية وغيرها".

وأكدت "أن العدو لن يفلح في سياسة الابتزاز وليّ الذراع ولن نقبل الضغط على شعبنا أو محاولة ربط ملفات مع بعضها".

وجددت التأكيد على أن "الأسرى مقابل أسرى، وسيرى العدو بأساً لم يره من قبل، فشعبنا جاهز للتحدي وفرض مزيد من المعادلات".

إسرائيل وحماس
رئيس المخابرات المصرية في غزة مع رئيس حركة حماس في غزة يحيى السنوار – الأناضول

كما استنكر البيان التساوق الأممي مع الاحتلال الإسرائيلي المتمثل في عدم ضم الاحتلال إلى قائمة العار الدولية، وشجب ما عبّر عنه مبعوث الأممي المتحدة أمس من تماهٍ مع الموقف الإسرائيلي.

وانتهى اجتماع الفصائل الفلسطينية في غزة، مساء الثلاثاء، بالتأكيد أن كل الخيارات مفتوحة إذا لم تبدأ خطوات كسر الحصار عن غزة.

وقال ماهر مزهر، القيادي في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، عقب الاجتماع الذي جمع قيادات الفصائل مع رئيس حماس بغزة يحيى السنوار، إن الفصائل أكَّدت ضرورة البدء بخطوات عمليّة لكسر الحصار عن قطاع غزّة.

 تدخل من الوسطاء، والمقاومة تريد جدولاً محدداً لرفع الحصار

وكشف مزهر، في تصريحات صحفية، عن تدخل جديد من الوسطاء (لم يفصح عن طبيعتهم) بعد الاجتماع بين مبعوث الأمم المتحدة والسنوار، والذي وُصف بأنه "سيئ".

وقال: "تم تقديم أجندة بتواريخ محددة سيتم من خلالها البدء بخطوات عملية لكسر الحصار، مثل فتح المعابر ومساحة الصيد وجميع الأمور المتعلقة بالحصار".

 ووفق مزهر؛ فقد أكد اجتماع اليوم أنه " حال عدم التزام إسرائيل بهذه الخطوات العملية وفي المقدمة منها عملية إعادة الإعمار فإنّ "القوى ستجتمع من جديد وستقول كلمتها بكل وضوح إنّها ترفض هذا الابتزاز وكل الخيارات ستكون مفتوحة".

وشدد على أن "الفصائل أجمعت على رفض ربط الملفات ببعضها البعض"، مُؤكداً أنّ ملف الجنود الأسرى لدى المقاومة هو ملف منفصل وغير مرتبط بالمطلق بعملية إعادة إعمار غزة.

وقال: "كافة القوى الوطنية أجمعت وبكل وضوح على أنّ ما لم تحققه إسرائيل بالصواريخ والقتل والدمار طيلة 11 يوماً لن تحققه الآن من خلال الابتزاز السياسي أو مساومة شعبنا الفلسطيني".

إتاحة الفرصة لجهود الوساطة

والأحد، كشف مصدر فلسطيني مطلع، للأناضول، أن قيادة "المقاومة الفلسطينية" قررت منح جهود عربية ودولية فرصة لـ"تحقيق إنجازات في موضوع الحصار المفروض على غزة، وإنهاء معاناة سكانها".

وذكر المصدر طالباً عدم ذكر اسمه، لوكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ)، أن رسائل تحذير شفوية تم إبلاغها من قيادة حماس إلى مصر وقطر والأمم المتحدة وأطراف إقليمية أخرى تدخلت في اتفاق وقف إطلاق النار، حسبما ورد في تقرير لموقع مصراوي

وبحسب المصدر، فإن حماس طالبت بإعادة فتح معابر قطاع غزة ورفع قيود إسرائيل بما يشمل بدء خطوات ملموسة لضمان تدفق مواد البناء اللازمة لبدء عملية إعادة الإعمار.

وتمثل هذه رسائل أول اختبار قوة حقيقي بين إسرائيل وحماس في عهد بينيت.

كيف سترد حماس على إسرائيل؟

وأجمع محللون سياسيون على أن "حماس" عازمة على كسر حصار غزة "بأساليب متعددة"، حال فشل الوسطاء في تحقيق ذلك.

ولا يستبعد الكاتب والمحلل السياسي مصطفى الصواف اندلاع تصعيد عسكري جديد بين إسرائيل وحماس في حال فشل "الوسطاء" في التوصل إلى تسوية تقبلها الفصائل الفلسطينية.

ويقول الصواف، للأناضول: "المعطيات الحالية في قطاع غزة تشير إلى أن المقاومة عازمة على تحقيق ما أرادت".

وأضاف: "المقاومة أعطت الوسطاء فرصة ليقوموا بدورهم، ولكن يبدو أنهم لم يفعلوا شيئاً، وهو ما يجعلنا أمام سيناريوهات، قد يكون أحدها التصعيد العسكري".

وتابع: "الفصائل الفلسطينية ستختار الطرق الأنسب للرد على ابتزاز الاحتلال ومعادلة البالون كالصاروخ".

وأعرب الصواف عن اعتقاده بأن "المقاومة" سترد على الغارات الإسرائيلية، ولن تقبل بفرض قواعد اشتباك جديدة.

الصاروخ مقابل الصاروخ

ورأى أن "خيار العودة إلى الأدوات الخشنة في مواجهة الاحتلال مثل البالونات الحارقة، وغيرها، حاضر بقوة، وأي رد عسكري إسرائيلي على تلك الوسائل الشعبية سيقابله رد من المقاومة لاستعادة المعادلة السابقة بين إسرائيل وحماس".

وقال: "ما ستقوم به المقاومة في الأيام القادمة خطوة متقدمة، وستكون متدرجة، ويعلم الاحتلال أن بعدها سيكون أمراً مختلفاً لو تمادى".

من جانبه، يقول المحلل السياسي هاني العقاد إن الموقف الإسرائيلي المتعنت حيال فك الحصار عن غزة "يجعل المقاومة في موقف صعب، يمكن أن يقودها إلى مواجهة عسكرية جديدة".

وأضاف للأناضول: "الرسائل بين المقاومة الفلسطينية والاحتلال لم تتوقف منذ انتهاء العدوان الأخير، وتكاد تكون يوميا باختلاف الأشكال التي تصل من خلالها".

ولفت إلى أن "تلك الرسائل هي طبيعية بعد كل جولة قتال تدور، خاصة أن الاتفاق الذي جرى هو لوقف إطلاق نار متبادل، دون حسم لكثير من الملفات".

وأشار إلى أن "انتهاك إسرائيل لوقف إطلاق النار وقصفها لمواقع فلسطينية، وتغولها على الأهالي في الضفة والقدس واعتمادها معادلة البالون مثل الصاروخ، يزعج المقاومة أيضاً ويغير الحسابات بالنسبة لها".

واستطرد العقاد قائلاً: "أغلب رسائل المقاومة جاءت على لسان رئيس حركة حماس في غزة يحيى السنوار، وهذا له دلالة على قوة ما تريد إيصاله لإسرائيل".

وزاد: "رسائل فصائل المقاومة وحركة حماس حتى الآن هي رسائل تكتيكية، يراد منها تهديد إسرائيل ومنعها من فرض معادلة جديدة".

وقالت الدكتورة عبير ثابت، أستاذة العلوم السياسية في جامعة الأزهر بغزة، إن بعض الأطراف الدولية تسعى لإجهاض أي جهد فلسطيني، لاستثمار ما حدث خلال المعركة الأخيرة".

وأوضحت أن "تغيير الحكومة الإسرائيلية والاضطراب الذي سبقها كان أيضاً من بين الأسباب المهمة، التي أضعفت الجهود السياسية المحلية والدولية الرامية لتحقيق معادلة الهدوء بين القطاع وإسرائيل".

كما أن السلطة الفلسطينية بدورها تحاول السيطرة على ملف إعادة إعمار غزة، وسط رفض من قِبل حماس وكثير من الفاعلين في غزة، خوفاً من تسرب الأموال إلى خارج القطاع.

إسرائيل وحماس.. مَن يبدأ الحرب أولاً؟

بطبيعة الحال لا تريد حماس وفصائل المقاومة في غزة اللجوء للحرب لتحقيق أهدافها بالنظر إلى تكلفتها البشرية الكبيرة على القطاع، ولكنها تعلم أنها قد تضطر إلى ذلك في ضوء استمرار التعنت الإسرائيلي بشأن غزة، وكذلك الانتهاكات في القدس.

ولأن الحرب السابقة تحديداً كانت الخسارة الكبرى لإسرائيل فيها متعلقة بصورتها ومكانتها في الغرب والولايات  المتحدة بالأخص، فإن إسرائيل قد تكون حذرة من التصعيد المباشر وصولاً للحرب خوفاً من تجدد الاتهامات لها، والأمر ينطبق على الفصائل الفلسطينية التي لا تريد تضييع المكسب المعنوي الذي تحقق من الحرب الماضية، والتي بدا فيها إن لجوءها إلى إطلاق الصواريخ له شرعية كبيرة جراء الممارسات الإسرائيلية ضد الأقصى والشيخ جراح.

ومن هنا فإن عملية تكسير العظام بين إسرائيل وحماس سوف تكون مرحلية، ولن يقفز أي طرف للحرب مباشرة حتى لا يخسر في حرب الشرعية التي أثبتت أهمية كبيرة في المعركة السابقة.

وبالتالي، فإن حماس والمقاومة سوف ترد بشكل تدريجي على الممارسات الإسرائيلية، عبر ما يمكن تسميته الأدوات الشعبية والخشنة مثل البالونات الحارقة، فإذا جاء الانتقام الإسرائيلي أكبر من المنطقي محاولاً تغيير قواعد الاشتباك المتعارف عليها سوف ترد المقاومة بدورها وإن لم يستطِع الوسطاء الإقليميون والقوى الكبرى وقف دوامة التوتر فقد تخرج الأمور عن السيطرة مجدداً، حتى لو أن الطرفين لا يرغبان في ذلك.

تحميل المزيد