ما زال حلم السيطرة على السلطة في ليبيا يخيم على عقل ملك الانقلابات خليفة حفتر، فرغم توقيع اتفاقية وقف إطلاق النار برعاية الأمم المتحدة في 23 أكتوبر/تشرين الأول 2020، وتشكيل حكومة موحدة، والمُضيّ نحو انتخابات رئاسية وبرلمانية جديدة في 24 ديسمبر/كانون الأول 2021، فإن الجنرال المتقاعد لا زال يتمسك بـ"حُلمه".
آخر تحركات حفتر تلك التي قام بها في الأيام الأخيرة، وذلك بإرساله قوة عسكرية ضخمة لجنوب ليبيا بحجة محاربة الإرهاب، دون الأخذ في الاعتبار وجود حكومة شرعية أو مجلس رئاسي يمثل القائد الأعلى للجيش.
وحسب المعلومات التي حصل عليها "عربي بوست" فإن حفتر تواصل هاتفياً مع الفريق علي كنة، آمر المنطقة الجنوبية التابع لحكومة الوفاق السابقة، وطالبه بتسليم أسلحته، ومعسكر المشروع الواقع بمنطقة أوباري جنوب ليبيا.
وأضاف المصدر ذاته أن الفريق كنة رفض تسليم أسلحته، لعدم اعترافه بقيادة خليفة حفتر للجيش، قائلاً: "لن أسلم ما بحوزتي، فأنا أتبع حكومة شرعية وبيننا الميدان".
هل استطاع حفتر السيطرة على الجنوب؟
يقول الكاتب المتخصص في الشؤون الإفريقية موسى تيهو ساي، إن "سيطرة خليفة حفتر على منطقة جنوب ليبيا كانت في فبراير 2019 بتنسيق مع بعض الموالين لحفتر من شيوخ القبائل وبعض الشخصيات من أعضاء البرلمان، وبعض الميليشيات المسيطرة على الجنوب، مثل مسعود الجدي، أكبر الداعمين لحفتر، بالإضافة إلى بعض الجهات الأمنية الأخرى".
وأضاف المتحدث في تصريح لـ"عربي بوست" أن "أغلب سكان الجنوب كانوا يعتقدون أن حفتر جاء بمشروع دولة لتخفيف معاناتهم وطرد المرتزقة والمجموعات المسلحة، لكن ما حدث هو العكس، والجنرال أشعل نار الفتنة بين القبائل، وأدخلها في صراع مع بعضها البعض".
واعتبر المتحدث أن "الحاضنة الشعبية لحفتر بين قبائل الجنوب قد تلاشت بسبب ما سببه لهم من مآسٍ، بعدما اكتشفوا أن كل شعاراته كانت جوفاء، والمواطن لا زال يعاني نقص الوقود والسيولة، دون تناسي انتشار المسلحين والمرتزقة، كما أن ميليشياته أصبحت تُدير عمليات بيع وتهريب الوقود، والبشر، والمخدرات".
حفتر وشماعة الإرهاب
عندما أرسل الجنرال المتقاعد خليفة حفتر قواته إلى المناطق الجنوبية، أعلن عن عملية عسكرية لـ"ملاحقة من وصفهم بـ"الإرهابيين التكفيريين".
وجاء ذلك في بيان صادر عن الناطق باسم ميليشيا حفتر، نشره عبر صفحته الرسمية قال فيه إن "قيادة ميليشيا حفتر أصدرت تعليمات لوحدات من كتائب المشاة بالتوجه للمنطقة لدعم غرفة عمليات تحرير الجنوب الغربي في الاتجاه الاستراتيجي الجنوبي".
وتهدف العملية وفق البيان لـ"تعقب الإرهابيين التكفيريين، وطرد عصابات مرتزقة إفريقيا، التي تهدد الأمن والاستقرار، وتمارس النهب والسرقة والتخريب والتهريب بأنواعه".
ويعتبر حفتر كتيبة طارق بن زياد، أكبر قوة موجودة في الجنوب تابعة له، وهي القوة الرئيسية بالإضافة إلى حسين الزادمة، آمر ما يعرف باللواء 128 مشاة.
هاتان الكتيبتان التابعتان للجنرال المتقاعد في الجنوب الليبي، والمنتشرتان في كل من مدينة أوباري، والحقول النفطية، وسبها، وغات، تتمركز في قاعدة إبراك الشاطئ، ومعسكر تمنهنت، بالإضافة إلى مدينة سبها.
لماذا يريد حفتر السيطرة على الجنوب؟
قال الكاتب المتخصص في الشؤون الإفريقية موسى تيهوساي إن "العملية العسكرية التي أطلقها خليفة حفتر في الجنوب الليبي تحمل عدداً من الأهداف، أبرزها ما يتعلق بانتخابات 24 ديسمبر/كانون الأول 2021".
وقال المتحدث في تصريح لـ"عربي بوست" إن "حفتر سيُحاول إبعاد أي شخص ليس له أي ولاء له قد يفكر في الترشح للانتخابات المقبلة، كما أنه يريد أن يتم انتخاب برلمان مطيع له، حتى يعطيه صفة القائد العام للجيش، ويتيح له التصرف كجسم مستقل خارج إدارة السلطات الشرعية".
وأضاف الكاتب الليبي أن "كل العمليات العسكرية السابقة التي أعلنها حفتر في مدن ومناطق الجنوب كان الهدف منها ضمان الولاء له، واستبعاد أي شخص ليس تحت إمرته.
وأكد المتحدث أن "هناك تناقضاً كبيراً في تصريحات حفتر، الذي يقول إن العملية لطرد المرتزقة الإفريقيين من الجنوب، وهو الذي أدخلهم إلى البلاد ويستعين بهم في كل حروبه".
وأشار المتحدث إلى أنه "لا يمكن أن يقتنع سكان الجنوب بأن حفتر يحارب الإرهاب، لأنهم يعلمون أنه أحد أكبر عوامل عدم الاستقرار لديهم، وأن ميليشياته هي من تشرف على تجارة المخدرات والوقود، كما أنه دعم معارضة دولة تشاد التي أطاحت بنظام إدريس ديبي، وفاقمت مشكلة الإرهاب والجماعات المتطرفة ووضعت الساحل الإفريقي كله في المحك وهددته تهديداً أمنياً خطيراً".
دور الحكومة في إيقاف تمدد حفتر في الجنوب
إثر تحركات ميليشيات حفتر بالجنوب الليبي وسيطرتها على معبر إيسين الحدودي مع الجزائر، وإغلاقها للحدود واعتبارها المنطقة عسكريةً يمنع التحرك فيها، أعلن المجلس الرئاسي الليبي بصفته القائد الأعلى للجيش السبت 19 يونيو/حزيران 2021، حظر أي تحركات عسكرية في البلاد إلا بعد أخذ موافقة منه.
وأوضح المجلس في بلاغ صادر عنه، بصفته القائد الأعلى للجيش، حظره أي إعادة تمركز لوحدات عسكرية مهما كانت طبيعة عملها، أو تحركات لأي غرض كان، أو نقل للأفراد أو الأسلحة أو الذخائر.
ويأتي هذا البلاغ إثر تحركات لميليشيات حفتر بالجنوب الليبي وسيطرتها على معبر إيسين الحدودي مع الجزائر، وإغلاقها للحدود، واعتبارها المنطقة عسكرية يمنع التحرك فيها.
وحسب المعلومات التي حصل عليها "عربي بوست" من مصدر عسكري فإن "ميليشيات حفتر لم تسيطر على معبر إيسين الحدودي مع الجزائر، إنما مرّت بعض السيارات المسلحة التابعة لحفتر بقرب المعبر دون أن تتمركز فيه"، موضحاً أن "المعبر مغلق منذ سنة 2014، ولا تتمركز به أية قوة عسكرية".
وأكد المصدر ذاته أن "ميليشيات حفتر حاولت السيطرة على المعبر سنة 2019، ورغم أن المعبر داخل الأراضي الليبية لكن قوات الجيش الجزائري قامت بطردهم منه، محذرةً من تواجد أي مسلح غير تابع للحكومة الشرعية المعترف به".
وفي ذات السياق، أعلن القائد الأعلى للجيش الليبي تعيين مسعود عبد الجليل آمراً لقوة مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة بالجنوب الليبي، فيما عين علي الغناي قريرة آمراً لغرفة العمليات المشتركة لتأمين الجنوب، كما كلف الكتائب 117 و116 و96 مشاة بالعمل ضمن غرفة العمليات المشتركة لتأمين الجنوب.
من يدعم حفتر؟
أكد الخبير العسكري والاستراتيجي اللواء طيار عادل عبد الكافي أن "خليفة حفتر ما زال يعتمد على الدعم الإماراتي الذي لم يقف حتى الآن، ناهيك عن تجارة المخدرات، وتهريب الوقود، بالإضافة إلى عصابات تهريب الهجرة غير الشرعية".
وقال المتحدث إن "عمليات بيع وتجارة الخردة والأموال التي استحوذ عليها حفتر من بنوك المنطقة الشرقية، والتي تجاوزت حتى الآن أكثر من 50 مليار دينار ليبي، هي سر استمرار حفتر في تحركاته العسكرية ومصادر دعمه المالي".
من جهة أخرى، اعتبر الخبير العسكري أن "بيان المجلس الرئاسي كقائد أعلى للجيش بيان ملتوٍ لم يُسمِّ الأسماء بمسمياتها، أو يضع النقاط على الحروف، بمعنى تحديد من هي القوة التي اتجهت ناحية الجنوب قادمة من المنطقة الشرقية؟
وأضاف المتحدث أن "خليفة حفتر استطاع إعادة بسط نفوذه على المنطقة الجنوبية لتحقيق أهدافٍ أخرى، وهي السماح بفتح خطوط جديدة لجلب المرتزقة، والتهريب، وقاعدة أوسع للموارد الاقتصادية لخليفة حفتر، وإعادة انتشار مرتزقة فاغنر في المنطقة الجنوبية".
لقاء السر
بالتوازي مع الأحداث التي يشهدها الجنوب الليبي، كشف احميد العطايبي، آمر منطقة سبها العسكرية، قيام أحد وزراء حكومة الوحدة الوطنية -رفض ذكر اسمه- بلقاء سري مع صدام حفتر في بنغازي، وطلب منه إرسال قوات إلى مدينتي سبها ومرزق.
أكد آمر منطقة سبها العسكرية احميد العطايبي، في تصريح صحفي لـ"القدس العربي" وصول أرتال مسلحة تابعة لميليشيات خليفة حفتر إلى مدينتي سبها والجفرة، قادمة من الشرق، وبينها ميليشيات الكاني.
وقال العطايبي إن "عدد الآليات التي وصلت للجنوب الليبي تبلغ أكثر من 400 عربة مسلحة، وتتمركز في منطقة تمنهنت وقاعدة تمنهنت الجوية".
وأضاف المتحدث أنهم "يتمركزون بقاعدة تمنهنت الجوية، وطردوا الأهالي القاطنين بعماراتها السكنية، والهدف هو السيطرة على الجنوب بالكامل، فضلاً عن الحقول النفطية".