بعد صعود الجيش هرم السلطة في مصر منتصف عام 2013، قدمت الدول الخليجية الثلاث؛ المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ودولة الكويت معوناتٍ سخية للنظام المصري الوليد لتوطيد أركانه، ما بين معونات نقدية وبترولية، لكن بمنتصف العام التالي لتولي الجيش قيادة البلاد انخفضت أسعار البترول العالمية بشدة، ما أوقف المعونات الخليجية، لتتحول إلى ودائع ضخمة لتعزيز الاحتياطيات النقدية، كان بعضها بدون فائدة والبعض الآخر بفائدة ضئيلة.
ومع دخول نظام الثالث من يوليو العديد من المشروعات، التي تمت بلا دراسات كافية، مثل تفريعة قناة السويس والعاصمة الإدارية ومدينة العلمين وغيرها، والتي تحتاج إلى مكون أجنبي بينما كانت السوق المصرفية تشكو من نقص موارد النقد الأجنبي، ووجود سوق موازية للصرف الأجنبي تزيد أسعاره عن الأسعار الرسمية، اجتذبت جانباً كبيراً من فوائض العملات الأجنبية.
الأمر الذي دفع السلطات لعقد اتفاق مع كل من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي للحصول على المزيد من القروض، إلى جانب الحصول على شهادة منهما تؤهلها لإصدار سندات بالأسواق الدولية، وهكذا اتخذ الاقتراض عدة مسارات، ما بين الاقتراض من الدول ومن المؤسسات الدولية والإقليمية وإصدار السندات بالدولار واليورو، واستقطاب الودائع الخليجية.
وكانت النتيجة زيادة أرصدة الدين الخارجي من 43.2 مليار دولار أمريكي، عند الوصول للسلطة منتصف 2013، إلى 129.2 مليار دولار أمريكي بنهاية العام، بزيادة قدرها 86 مليار دولار أمريكي خلال سبع سنوات ونصف السنة، بنسبة نمو 199%، بمتوسط سنوي لزيادة الدين الخارجي مقداره 11.5 مليار دولار أمريكي.
حيث زادت القروض من المؤسسات متعددة الأطراف من 12 مليار دولار إلى 46.6 مليار دولار، بنمو 290%، وأبرزها صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، ومن الودائع الأجنبية من 3 مليارات دولار أمريكي إلى 15.2 مليار دولار أمريكي، بنسبة نمو 406%.
ومن السندات الدولية من 5.2 مليار دولار أمريكي إلى 25 مليار دولار أمريكي بنمو 386%، والتي وجدت قبولاً بسبب فوائدها المرتفعة التي بلغت في بعض إصداراتها 8.5%، كما أنها مضمونة من الحكومة المصرية ومعفاة من الضرائب، بينما معدل الفائدة على اليورو "0%".
35 مليار دولار تكلفة الدين العام الحالي
تسبب نمو القروض الخارجية في ارتفاع نصيب الفرد من الدين الخارجي من 475 دولاراً أمريكياً إلى 1193 دولاراً أمريكياً خلال سبع سنوات ونصف السنة، ومازال الدين الخارجي مرشحاً للزيادة، حيث توقعت شركة "فاروس القابضة" بلوغه 139.4 مليار دولار، بنهاية شهر يونيو/حزيران الحالي، كما توقع صندوق النقد الدولي في تقريره عن مصر، الصادر خلال يناير/كانون الثاني الماضي، بلوغه 132.7 مليار دولار بنفس التوقيت.
وتشير الشواهد إلى اتجاه البرلمان المصري للموافقة على قانون يسمح بإصدار الحكومة صكوكاً سيادية، تكفل لها دخول سوق الصكوك الدولية للحصول على المزيد من التمويل، بعد دخولها سوق السندات الخضراء، والتي أعلنت عن نيتها تكرار إصدارها، ودراستها إصدار أدوات دين تتناسب مع الأسواق الآسيوية مثل سندات "الباندا" باليوان الصيني وغيرها، وكذلك دراسة إصدار سندات تنمية.
وتشير أرقام ارتفاع تكلفة الدين الخارجي من أقساط وفوائد إلى 18.045 مليار دولار أمريكي خلال العام الماضي، ما بين 14 مليار دولار للأقساط و4 مليارات للفوائد، إلى المأزق الذي تواجهه السلطات مع كبر حجم الدين، حيث أشارت بيانات المصرف المركزي المصري إلى بلوغ تكلفة الدين الخارجي متوسط وطويل الأجل، خلال العام الحالي، 22.980 مليار دولار أمريكي.
لم يستفد المواطن البسيط من التوسع في الاقتراض الخارجي لشراء الطائرات الخاصة لرئاسة الجمهورية، أو حاملات الطائرات والغواصات التي لن تستخدم ضد العدو الصهيوني، وبناء القصور الرئاسية، والأساليب المظهرية، كبناء أكبر مسجد، وأكبر كاتدرائية، وأعلى برج في إفريقيا.
بخلاف 12 مليار دولار أمريكي لسداد القروض قصيرة الأجل، ليصل الإجمالي إلى 35.043 مليار دولار أمريكي، وهي قيمة تزيد عن قيمة أي مورد للعملات الأجنبية، سواء تحويلات العاملين بالخارج أو الصادرات السلعية، كما أن دخل قناة السويس يقل عن 6 مليارات من الدولارات الأمريكية، الأمر الذي سيدفع السلطات لمزيد من الاقتراض حتى تستطيع الوفاء بأقساط وفوائد الدين المستحقة عليها، وبما يشير إلى سقوط الاقتصاد المصري في مصيدة الديون، سواء الخارجية أو الداخلية.
50 عاماً لسداد الدين الخارجي
زاد الدين العام المحلي منذ الاستيلاء على السلطة منتصف عام 2013 وحتى مارس/آذار من العام الماضي، كآخر بيانات معلنة من قبل المصرف المركزي، من 1527 مليار جنيه مصري إلى 4502 مليار جنيه مصري، بزيادة 2975 ملياراً، أي بنسبة نمو 195%. وبمتوسط زيادة سنوية للدين العام الداخلي تصل إلى 441 مليار جنيه مصري، أي حوالي 37 مليار جنيه شهرياً، ونحو 1225 مليار جنيه يومياً.
وكانت النتيجة أن أعباء الدين الحكومي الداخلي والخارجي بموازنة العام المالي 2019/ 2020، بلغت 1024 مليار جنيه مصري، تمثل نسبة 53.6% من إجمالي الاستخدامات بالموازنة، ما أدى إلى عدم قدرة وزارة المالية على تنفيذ مخصصات الاستثمارات الحكومية التي وعدت بها مع بداية إعلان الموازنة، كما اتّجهت للمزيد من فرض الرسوم والضرائب، والمزيد من خفض الدعم على السلع والخدمات.
وهكذا لم يستفد المواطن البسيط من التوسع في الاقتراض الخارجي لشراء الطائرات الخاصة لرئاسة الجمهورية، أو حاملات الطائرات والغواصات التي لن تستخدم ضد العدو الصهيوني، وبناء القصور الرئاسية، والأساليب المظهرية، كبناء أكبر مسجد، وأكبر كاتدرائية، وأعلى برج في إفريقيا… ونحو ذلك.
وعلى العكس من ذلك، فقد تضرّر المواطن من تلك القروض، التي تسبب سداد أقساطها وفوائدها في تأخير إنشاء المشروعات الخدمية الصحية والتعليمية ومشروعات البنية الأساسية، بسبب خفض اعتمادات الاستثمارات بالموازنة، وكذلك خفض الدعم، ونقص المستلزمات الطبية بالمستشفيات الحكومية.
كما سيتحمل المواطن وأولاده وأحفاده أعباء سداد تلك القروض، التي تمتد أقساطها حتى عام 2071، أي لمدة حوالي 50 عاماً، وهي الأقساط المرشحة للزيادة، في ضوء الاتجاه لإصدار المزيد من السندات والقروض، وتجهيز وزارة المالية لإصدار صكوك سيادية بالعام المالي الجديد، الذي يبدأ أول يوليو/تموز القادم.
ارتفاع الأسعار العالمية يدفع لاقتراض جديد
تتسابق الوزارات المصرية إلى المزيد من الاقتراض الخارجي، مثل وزارات: النقل والإسكان والصحة والكهرباء والبيئة والتضامن الاجتماعي والتعليم، حتى زادت ديون الحكومة الخارجية من 28.5 مليار دولار أمريكي إلى 77.2 مليار خلال سبع سنوات ونصف السنة فقط،
في ضوء العجز التجاري المصري المزمن بسبب استيراد حوالي 60% من الاحتياجات الغذائية، ومع ارتفاع أسعار العديد من السلع الأساسية خلال العام الحالي، خاصة القمح وزيوت الطعام والذرة والسكر والمعادن والنفط، وهي السلع التي تستوردها مصر بكميات كبيرة، فإن تدبير قيمة تلك السلع سيتطلب المزيد من الاقتراض الخارجي، خاصة مع استمرار تدني الإيرادات السياحية والنمو المحدود للصادرات السلعية، والمشاكل التي تواجه الاستثمار الأجنبي المباشر.
كذلك تتسابق الوزارات المصرية إلى المزيد من الاقتراض الخارجي، مثل وزارات: النقل والإسكان والصحة والكهرباء والبيئة والتضامن الاجتماعي والتعليم، حتى زادت ديون الحكومة الخارجية من 28.5 مليار دولار أمريكي إلى 77.2 مليار خلال سبع سنوات ونصف السنة فقط، وكذلك تكالب العديد من المصارف المصرية العامة والخاصة على المزيد من الاقتراض الخارجي، وعلى رأسها مصرفا "مصر" و"الأهلي المصري" أكبر المصارف المصرية من حيث الأصول والودائع والقروض.
لترتفع قروض المصارف من 1.6 مليار دولار أمريكي إلى 12.2 مليار أمريكي خلال الفترة نفسها، والتي زادت خلالها قروض المصرف المركزي من 9 مليارات دولار أمريكي إلى 26 ملياراً، وكذلك تضاعفت قروض القطاع الخاص 22 ضعفاً خلال الفترة نفسها.
وكان وزير المالية قد تحدث عن الاتجاه لوضع سقف للدين الخارجي، عندما تجاوزت قيمته 110 مليارات دولار أمريكي، لكنه لم يتحدث عن ذلك السقف بعد أن اقتربت قيمته من 130 مليار دولار أمريكي، خاصة مع غياب دور البرلمان الرقابي، وإقراره أية قروض تنفذها الحكومة بعد تنفيذها، رغم النص الدستوري الذي لا يجيز عقد أي قرض خارجي قبل موافقة البرلمان.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.