نعرف ما يريده بايدن من بوتين، لكن ما الذي يريد الرئيس الروسي تحقيقه من تلك القمة؟

عربي بوست
تم النشر: 2021/06/16 الساعة 11:23 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/06/16 الساعة 11:24 بتوقيت غرينتش
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين

تحمل قمة الرئيس الأمريكي جو بايدن ونظيره الروسي فلاديمير بوتين عناوين متعددة يغلب عليها التشاؤم، فالهوّة ضخمة بين ما يسعى كلاهما لتحقيقه خلالها، فماذا يريد بوتين تحديداً؟

القمة التي تنعقد الأربعاء، 16 يونيو/حزيران 2021، في جنيف بسويسرا، تأتي في أجواء ملتهبة تماماً، فالعلاقات بين موسكو وواشنطن في الحضيض باعتراف الجانبين، وملفات الخلاف بينهما تشمل كل شيء تقريباً، وربما يتساءل البعض عن جدوى ذلك اللقاء من الأساس.

ويمكن تلخيص ما يريده الرئيس الأمريكي بايدن من خلال الصورة العامة لتصريحاته وتصريحات المسؤولين البارزين في إدارته، في عدة نقاط، أبرزها أن تحترم موسكو حقوق الإنسان ومبادئ الديمقراطية، وأن تنسحب من شبه جزيرة القرم، التي كانت قد احتلتها روسيا وضمّتها إلى أراضيها عام 2014، وأن تتوقف عن التدخل المزعوم في الانتخابات الأمريكية، وتوقف هجماتها السيبرانية، وجميعها تبدو ما يمكن وصفه بالخطوط الحمراء لبوتين.

بوتين يريد معاملة الأنداد

يرى كثير من المحللين أن الفجوة شاسعة بين الرئيسين، ونظرة كل منهما للآخر، وهذه هي النقطة الفاصلة في تلك القمة التي تحمل رائحة الحرب الباردة في كل جوانبها. فانعقادها في جنيف في حد ذاته يحمل دلالة رمزية هامة، حيث انعقدت أول قمة بين البلدين في أواخر الحرب الباردة في جنيف أيضاً، كان ذلك عام 1985 حين التقى الرئيس الأمريكي رونالد ريجان الزعيم السوفييتي ميخائيل غورباتشوف في القمة الأولى بين القوتين الأعظم وقتها.

وكما قال أندريه كورتونوف، مدير مجلس الشؤون الدولية الروسي (RIAC) في موسكو، لهيئة الإذاعة البريطانية BBC: "إن القمة مهمة من حيث الرمزية؛ فهي تضع روسيا في نفس التصنيف مع الولايات المتحدة، وبالنسبة لبوتين فإن الرمزية ليست بالأمر الهين أو غير المهم".

المعارض الروسي أليكسي نافالني/رويترز

فالقمة تأتي في وقت مبكر من تسلُّم بايدن مهام إدارة البيت الأبيض، وفي أول رحلة خارجية له، والأهم هو أنها تأتي بناءً على طلب بايدن، وهذه النقاط جميعاً تصبّ في صالح بوتين والكرملين. القمة أيضاً ليست لقاء قصيراً في إطار حدث عالمي أو مناسبة دولية، لكنها قمة كاملة جرى التحضير لها على مدى أسابيع طويلة، وفرض الجانب الروسي ما أراده من حيث التوقيت والمكان، وربما الأجندة أيضاً.

وأكدت المحللة السياسية ليليا شيفتسوفا على نفس الرأي بقولها لـ"بي بي سي": "بالتأكيد، يريد بوتين أن يُنظر إليه على قدم المساواة مع رئيس الولايات المتحدة، وأن يُحترم بشروطه التي يريدها، إنه يظهر عضلاته المفتولة ويريد أن يصبح عضواً في نادي الأقوياء".

الخطوط الحمراء لكل منهما

يرى كثير من المحللين الأمريكيين أن قرار بايدن طلب عقد قمة مع بوتين، رغم العدائية الشديدة بين الجانبين منذ وصول بايدن للرئاسة، ووصف الرئيس الأمريكي لنظيره الروسي "بالقاتل"، يعتبر خطوة تكتيكية جيدة، هدفها بالأساس محاولة تقليل سرعة التقارب الروسي الصيني من جهة، والبحث عن قضايا مشتركة مع بوتين من جهة أخرى.

والقضايا المشتركة قد تكون موجودة بالفعل، وأبرزها قضية تغير المناخ والاحتباس الحراري، والتعاون لمواجهة وباء كورونا وبدء مفاوضات بهدف التوصل لاتفاقية جديدة تحد من التسلح النووي، في ظل اقتراب نهاية معاهدة NEW START القائمة حالياً بين البلدين.

وقد عبّر بوتين بالفعل عن جزء من هذه القضايا، بقوله للتلفزيون الروسي قبل أيام من القمة، إن هناك "قضايا يمكننا العمل فيها معاً" مع الولايات المتحدة، بدءاً بمحادثات جديدة للحد من الأسلحة النووية، ومناقشة النزاعات الإقليمية بما في ذلك سوريا وليبيا، والتغير المناخي. وأضاف: "إذا استطعنا إنشاء آليات للعمل معاً على هذه القضايا، أعتقد أنه سيمكننا القول إن جهود القمة لم تذهب سدى".

روسيا أمريكا قمة بايدن وبوتين
التقيا من قبل لكن هذه قمتهما الأولى (أرشيف)/رويترز

وربما يكون هذا السياق هو السيناريو الوحيد المتاح للعودة من حافة الهاوية بين موسكو وواشنطن، قبل أن تخرج الأمور عن السيطرة، وهو الأمر الذي لا يريده لا بوتين ولا بايدن.

البيت الأبيض، من جانبه، يقول دائماً إن هدفه اليوم هو إقامة علاقة "مستقرة وواضحة" مع روسيا، لكن إبقاء الناس في حالة تخمين وحذر، كانت طريقة فلاديمير بوتين منذ أن دخل "رجاله الخضر الصغار" شبه جزيرة القرم في أوكرانيا عام 2014، وضمها إلى روسيا.

ومصطلح الرجال الخضر الصغار يشير إلى جنود ملثمين من الاتحاد الروسي، كانوا يرتدون زياً عسكرياً أخضر غير موسوم، ويحملون أسلحة ومعدات عسكرية روسية حديثة ظهرت خلال الأزمة الأوكرانية عام 2014. وكانت هذه بداية التراجع في العلاقات الروسية الأمريكية.

وعبرت شيفتسوفا عن ذلك بقولها إن "الهدف الأكثر جدوى هو اختبار أين تكمن الخطوط الحمراء لكلا البلدين، وكذلك فهم أن الحوار هو طريق العودة من الهاوية"، وأضافت: "إذا لم يتحدثوا، فستصبح روسيا أكثر غموضاً وصعوبة للتنبؤ بها".

بايدن وحديث حقوق الإنسان

وحتى تتضح الصورة لكلا الزعيمين وصولاً إلى قمة جنيف، من المهم تفكيك المشهد الداخلي لدى كل منهما، فبوتين الذي يحكم روسيا منذ أكثر من عقدين وهدفه الآن هو تأكيد مكانة بلاده كإحدى القوى العالمية الكبرى، ووضعها على قدم المساواة مع الولايات المتحدة، يلعب داخلياً بورقة "عداء الغرب" لموسكو ورغبة واشنطن في "احتواء النمو الروسي". ولا يمكن تجاهل التشابه الواضح بين رسالة بوتين ورسالة الرئيس الصيني شي جين بينغ فيما يتعلق بالعداء الأمريكي.

وتخدم هذه الصورة بوتين داخلياً، وتساعده على قمع المعارضة، وأبرز رموزها أليكسي نافالني، الذي يقبع الآن خلف القضبان، وتم تصنيف حركته كمنظمة متطرفة لمنع رموزها من الترشح للانتخابات البرلمانية، وبالتالي ليس من المتوقع أن يقدم بوتين أي تنازلات لبايدن في هذا الملف تحديداً، أي ملف حقوق الإنسان، الذي يعتبره بوتين شأناً داخلياً بحتاً غير خاضع للنقاش من الأصل.

ففي المنتدى الاقتصادي الذي أقيم خلال هذا الشهر في سان بطرسبرغ، أعاد بوتين مرة أخرى التأكيد على أن الولايات المتحدة تريد "احتواء" التنمية الروسية، وكان قد هدد قبل أيام قليلة "بكسر أسنان أي معتدٍ أجنبي يريد عضّ روسيا"، مؤكداً على ضرورة أن يستفيق العالم ويدرك أن روسيا استعادت مكانتها وقوتها.

لكن في الوقت نفسه، لا يمكن إغفال حقيقة كون بوتين سياسياً عقلانياً، وهذا ما يعتقده كورتونوف بوصفه الرئيس الروسي "بأنه سياسي عقلاني، يرغب في تقليل التكاليف والمخاطر المرتبطة بهذه العلاقة العدائية (مع واشنطن)". وذلك يشمل العقوبات الاقتصادية؛ فقد حدّت الجولة الأخيرة من قدرة الحكومة على جمع الأموال، وقد تمتد لخطوات جديدة، ما يضيف مزيداً من الضغط على الاقتصاد في عام انتخابي مهم.

ويشرح كورتونوف لبي بي سي: "لا يملك الجمهور الروسي الآن شهية "للانتصارات السياسية الخارجية كبديل لمعالجة المشاكل الاجتماعية والاقتصادية الملتهبة في الداخل. أياً كان ما يريده بوتين، لا أعتقد أنه يمكن أن يكسب أي شيء على الصعيد الوطني إذا صعّد الأمور".

وفي هذا السياق سيكون بوتين مستعداً لسماع محاضرة من بايدن عن حقوق الإنسان، بما في ذلك قضية نافالني. وتنبأت شيفتسوفا بأن "يستهل بايدن كلمته بالحديث عن نافالني وحقوق الإنسان، ليقوم بعدها بوتين بالأمر نفسه، وعن نفس المواضيع عن الولايات المتحدة". وتضيف: "لكن حقيقة عقد هذا الاجتماع تعني أنه بعد استهلال اللقاء بمواضيع مثل حقوق الإنسان سينتقلون إلى الهدف الرئيسي وهو: دعونا نفعل شيئاً لتخفيف التوتر بيننا".

جو بايدن الإمارات هواوي
بايدن لا يتوقف عن "الحديث" عن حقوق الإنسان/رويترز

الخلاصة هنا أن بايدن "سيتحدث عن حقوق الإنسان" وسيستمع له بوتين، ثم ينتقل الحديث بينهما للملفات التي يمكن للجانبين العمل معاً فيها، وخصوصاً الحد من التسلح النووي والتغير المناخي، وربما يتفقان على بعض النقاط المتعلقة بتوصيل المساعدات الإنسانية للسوريين في إدلب، وسيكون الملف الليبي حاضراً أيضاً. ففي نهاية المطاف، لا يبدو أن مسألة حقوق الإنسان ستكون عائقاً أمام بايدن لمحاولة تخفيف حدة التوتر مع بوتين، فالحديث عن حقوق الإنسان يبدو أنه لا يتخطى كونه "حديثاً" بالنسبة لبايدن، وهذا ما أثبته بالفعل منذ تولَّى المسؤولية وحتى اليوم.

تحميل المزيد