أكملت احتجاجات شعبية في منطقة "سيدي حسين" غرب العاصمة تونس أسبوعها الأول، على خلفية مقتل شاب إثر تعرضه لضرب مبرح من أفراد من الشرطة، وفق أسرته، ثم تجريد قاصر (15 عاماً) بالمنطقة نفسها من ملابسه وسحله.
وتعددت التنديدات بالحادثتين، مع اختلافات بشأن مصير وتأثير الاحتجاجات على المشهد السياسي، بين من يراها وقتية ستُخمد قريباً، ومن يعتبرها فرصة لحسم الصراع في أعلى السلطة بين رئيس الجمهورية قيس سعيد، ورئيس الحكومة هشام المشيشي، بحسب خبيرين سياسيين تحدّثا للأناضول.
والأسبوع الماضي، قُتل الشاب أحمد بن عمارة إثر توقيفه من أفراد شرطة، وتلقت عائلته خبر وصول جثته إلى أحد المستشفيات.
ثم اشتعلت الاحتجاجات في "سيدي حسين"، 4 كم غرب العاصمة، عقب تداول مقطع مصور يرصد توقيف أفراد شرطة قاصراً (15 عاماً) وتجريده من ملابسه وسحله، الأربعاء الماضي، بعد دفن جثمان "بن عمارة".
في البداية، اتهمت وزارة الداخلية القاصر بـ"السُّكْرِ وتعرية نفسه"، قبل أن تتراجع، في بيان الجمعة، معلنة "توقيف أفراد شرطة (لم تحدد عددهم) تورطوا في الاعتداء على شاب وتجريد ملابسه، للتحقيق المباشر في الواقعة".
وشددت الوزارة على أنها "تدين هذه التصرفات، وتؤكد أنها تتعارض مع توجهاتها الرامية إلى إحداث التوازن بين الحفاظ على الأمن العام ومبادئ حقوق الإنسان".
وموجة الاحتجاجات الراهنة هي الأولى منذ حراك اجتماعي، في يناير/كانون الثاني الماضي، طالب بتحقيق "العدالة الاجتماعية والتنمية والتوازن بين الجهات" (من نص الفصل 12 من الدستور).
وحتى الثلاثاء، لم توضح وزارة الداخلية سبب وفاة الشاب التونسي، فيما تتهم أسرته أفراداً من الشرطة بقتله.
انتقادات واتهامات
ولدى زيارته مركز إقليم الأمن الوطني (قرب سيدي حسين)، قال الرئيس سعيد، إن هذه الممارسات (الأمنية) مرفوضة وهي "حالات معزولة".
كما ندد بها الحزام السياسي لحكومة المشيشي، الذي قال بدوره إنها "حادثة مؤلمة وصادمة للمؤسسة الأمنية، التي تقدم تضحيات كبيرة، وهي حادثة تمس من الأمنيين ولا تمثل انضباطهم".
واستنكرت المعارضة أيضاً العودة إلى مربع "العنف والسلوك القمعي من قبل قوات الأمن".
وحمّلت 43 منظمة وجمعية ونقابة تونسية، في بيان مشترك الجمعة، المشيشي، وهو أيضاً وزير الداخلية بالإنابة "المسؤولية المباشرة" عما وصفته بـ"الانحراف في المؤسسة الأمنية". ولم يصدر تعليق من الحكومة على هذا الاتهام.
لا أفق سياسياً
واعتبر بولبابة سالم، كاتب ومحلل سياسي، في حديث للأناضول أن "الاحتجاجات التي تلت مقتل شاب، وتعرية وسحل قاصر مشروعة… وإعادة إصلاح المنظومة والعقيدة الأمنية تبقى دائماً مطروحة".
وأضاف: "عمل كبير أمام وزارة الداخلية لإنجازه من أجل إيقاف هذه التجاوزات، من الجيد إحالة العناصر المتورطة في هذه الأفعال إلى القضاء للمحاسبة وفق ما يقتضيه القانون، ومن حق عائلة الشاب المتوفى أن تعرف حقيقة ما حصل لابنها".
ورأى سالم أن "الحركة الاحتجاجية عفوية وتلقائية، لا أرى لها أفقاً سياسياً أو تأثيراً مرتقباً على المشهد السياسي، الأمر يحصل في مناطق عدة في حالات مشابهة، وستهدأ بشكل تلقائي أيضاً".
وأردف: "ما يسيء لهذه التحركات هو ركوب جمعيات ومنظمات عديدة الموجة، بحثاً عن تغيير المطالب الأساسية لأبناء الأحياء الشعبية (كشف أسباب الوفاة)، إلى مطالب أخرى ومجال للمزايدة، وصولاً إلى المناداة بإسقاط الحكومة، حيث يتم إنزال المعركة من المربع السياسي والمؤسساتي إلى الشارع، كما حصل السبت في مظاهرة وسط العاصمة".
وتابع: "هذه الأحداث لا تنفي ضرورة إصلاح المؤسسة الأمنية، التي تَربّت لعقود على الممارسات القمعية في ظل أنظمة استبدادية مرت بها تونس قبل ثورة 14 يناير/كانون الثاني 2011، (أطاحت بالرئيس آنذاك زين العابدين بن علي 1987ـ2011)، مع تحسن الأداء (…) مثلما لاحظ التونسيون في احتجاجات شعبية الشتاء الماضي".
واستطرد: "تاريخياً في تونس، رقعة الاحتجاجات تتسع فقط في الشتاء، وفي يناير أساساً، ورغم الأزمة الاقتصادية والاجتماعية العميقة والأزمة السياسية التي لم تعشها البلاد سابقاً، لا أعتقد أن الاحتجاجات في منطقة سيدي حسين ستتمدد وصولاً لإسقاط الحكومة".
ورأى أن "الاحتجاجات تكون ناجحة ومؤثرة فقط عندما تجد سنداً من منظمات قوية لها أفق سياسي وفي زمن الأنظمة الديكتاتورية، أما في وقتنا هذا، في فترة انتقال ديمقراطي، الأمر لا يتعدى تفاعلات قوية على مواقع التواصل الاجتماعي لا تجد طريقها إلى أرض الواقع".
وزاد أن "أبناء الأحياء الشعبية لا يثقون كثيراً في الطبقة السياسية، حكومة ومعارضة، وبالتالي لن يكون لهم سندٌ أو راعٍ واضح حتى تتغير المطالب من كشف حقائق إلى بحث عن إسقاط حكومات".
صراع السلطة
ووفق صلاح الدين الجورشي، إعلامي ومحلل سياسي، فإن "الحادثة (تجريد قاصر من ثيابه وسحله) فظيعة سياسياً وحقوقياً واجتماعياً، وجاءت في سياق زمني صعب، في وقت تعيش فيه تونس صراعاً يشق السلطة".
ورأى الجورشي، في حديث للأناضول، أن "هذا الانقسام جعل سعيد حريصاً على إقالة والإطاحة بالمشيشي، لكنه لا يتمتع بهذه الصلاحية، ما يجعله ينتظر استقالته".
ومنذ 16 يناير/كانون الثاني الماضي، تسود خلافات بين سعيد والمشيشي، بسبب تعديل وزاري أعلنه الأخير، وأقره البرلمان، لكن سعيد يرفض دعوة الوزراء الجدد لأداء اليمين الدستورية أمامه، معتبراً أن التعديل شابته "خروقات"، وهو ما يرفضه المشيشي.
وأضاف الجورشي أن "رئيس الحكومة مدعوم بحزام سياسي، نلاحظ أن الأمر تجاوز استنكار مأزقٍ أو حادثة قمعٍ أمني في حي شعبي، إلى نقطة انطلاقة سياسية للبعض للإطاحة بالحكومة ورئيسها، لتأخذ أبعاداً خطيرة وحساسة جداً".
وتابع: "يُخشى أن الاحتجاجات في منطقة سيدي حسين، إن تم التسويق لها سياسياً بشكل جيد لما تعانيه من فقر وتهميش وبطالة ومشاكل اجتماعية كبرى ومعقدة، فقد تتجاوز المنطقة إلى أحياء أخرى شعبية تعتبر مناطق حمراء، من حيث سوء تلبية مطالبها الاجتماعية".
وشدّد الجورشي على أن "الأجهزة الأمنية في تونس لا يجب أن تُعمم عليها صورة القمع وسوء التصرف".
ورأى أن "المشكل الأكبر هو أن المسعى الإصلاحي الذي طالبت به القوى السياسية والمجتمع المدني بعد الثورة لم يترسخ بشكل كافٍ في المؤسسة الأمنية، التي تتطلب إصلاحات أكثر عمقاً وجذرية".
وختم بأن "التجاذبات السياسية وضعت الأجهزة الأمنية في زاوية ضيقة، ما جعلها في كل مرة تتورط في أخطاء من الحجم الثقيل، ما ينعكس بدوره على المناخ السياسي".