قبل أيام قليلة، بثت قناة "الجزيرة" فيلماً استقصائياً جديداً من إعداد فريقها الإعلامي وتقديم الصحافي تامر المسحال، بعنوان: "في قبضة المقاومة" أثار ضجةً كبيرة.
على مدار أكثر من 50 دقيقة، قدم البرنامج مادةً دسمة أبرزت قدرات المقاومة الفلسطينية على هزيمة الاحتلال الإسرائيلي سياسياً، بعد أن هزمته عسكرياً في معركة "الوهم المتبدد" التي أُسر خلالها الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط، مستعيناً بشهادات موثقة لصناع الحدث من جميع الأطراف؛ الجانب الإسرائيلي والفلسطيني والوسطاء الأجانب.
فتح ملف جلعاد شاليط مجدداً في هذا التوقيت يهدفُ بشكل رئيسي لاستخلاص العبر السياسية والعسكرية والنفسية من هذه الجولة التي تعدّ محطةً فارقة في تاريخ الصراع بين الطرفين: المقاومة والاحتلال، في إشارة إلى علاقتها بتجدد الحديث عن هذا الملف من جديد، ملف الأسرى، عقب جولة التصعيد الأخيرة مايو/أيار 2021 والتي أسفرت برأي الكثيرين عن نصر للمقاومة.
ومع ذلك فإنّي لمست في الفيلم رسائل مُضمرةٍ ل من يهمه الأمر في الدوائر الأمنية والسياسية للاحتلال وغير الاحتلال، أحاول في هذا المقال، الوقوف عندها ومشاركتها مع القارئ حتى يستطيع قراءة كلِّ تفاصيل الأحداث وتجميع الخُيوط المتناثرة في الفيلم.
الجندي المذعور: جلعاد شاليط
بين شاليط والمقاومة، نشأت علاقة عميقة على مدار ما يربو من نصف عقد ظلّ خلالها أسيراً في غزة، ومنذ أن نجحت الفصائل في عملية "الوهم المتبدد" في أسره، يبدو أنها قررت الاستفادة منه بكلِّ السُّبل الممكنة، خلال أسره وبعد الإفراج عنه.
لا يقتصر الأمر على مبادلة الجنديِّ بأكثرِ من ألف أسير فلسطينيٍّ من قلب السُّجون الإسرائيلية في ضربة لم تنجح أي من الدول العربية التي خاضت حروباً مباشرة مع الاحتلال في توجيهها إليه من قبل؛ إذ تعوَّد الاحتلال على استعادة جواسيسهِ من قلب البلاد العربية واسترداد رفات جنوده القتلى، بأثمان قليلة، كما جرى في حوادث كثيرة آخرها في التي نقب جيش نظامها مؤخراً عن جثة جندي إسرائيلي متوفى منذ عام 1982 زخاريا بومل وسلمه لجيش الاحتلال مقابل استعادة مهربين وتجار مخدرات كانت مدة محكوميتهم على وشك الانقضاء.
لم يقتصر الأمر على ذلك؛ إذ نجحت المقاومة في انتزاع اعتراف رسمي يؤكد السردية التي تحدث عنها محللون أمنيون إسرائيليون قبل أعوام إزاء عملية خطف شاليط قبل 15 عاماً استناداً إلى تحليل مقاطع عملية أسرهِ والتحقيقات التي جرت معه عقب الإفراج عنه؛ إذ تجنب شاليط الاشتباك مع مقاتلي المقاومة بأيِّ شكل، ووقع قبل أسره الفعليّ أسيراً نفسياً لنوبة ذعر وشلل كبلته عن الحركة، وخضع لكلِّ أوامر الجنود الفلسطينيين، في حين أنَّ ظروفه الميدانية كانت كافيةً لخوض اشتباك تلاحميٍّ يُسفر عن قتل مقاتل المقاومة الذي اقترب منه وإجهاضِ محاولة أسره؛ سواء لأنه كان متمترساً بالفعل خلف موقع دفاعيٍّ (ميركاڤا 3) وبالنسبة لتجهيزاتهِ وبالنظر لوجود قوات إسرائيلية كانت على بعد أمتار منه وكان من المفترض أن تتحرك إذا واصل شاليط القتال.
عبر فيلم "في قبضة المقاومة"، يبدو لي أن "حماس" عاودت اغتيال هذا الجندي إعلامياً ونفسياً بعدما نجحت في أسره والاحتفاظ به 5 أعوام في قلب القطاع المحاصر، ومبادلتهِ بعشرات الأسرى الفلسطينيين.
يمكنني القول إنّ المقاومة أجهضت جهود الاحتلال لمعالجة هذا الجنديِّ من اضطراب "كرب ما بعد الصدمة" الذي يفترض أنه قد تعافى منه، ولو جزئياً، خلال السنوات الماضية.
تخيل أن يخرج رئيس وزراء بلادك السابق على قناةٍ مثل "الجزيرة" ليقول ما معناه: يؤسفني أن هذا الجنديَّ كان مهزوزاً؛ لم يستجب قبل أسره إلى تنبيهات الأجهزة الأمنية بضرورة اليقظة من هذه المنطقة التي يخدم فيها على حدود غزة، ولم يستطع الصمود في المواجهة الميدانية، وكلف بلاده ثمناً فادحاً وغير مسبوق.
حاولت إسرائيل كعادتها، التقليل من مسعى النيل من شاليط، بما يمثله من رمزية لزملائه الجنود العاملين في المنطقة الجنوبية العسكرية التي يوكل إليها مهمة التعامل مع غزة؛ فبثَّت صوراً لشاليط بعد الإفراج عنه مع رفيقته التي ارتبط بها، في إشارة إلى أنّ الاحتلال نجح في استعادة ابنه، وتأهيله ليعيش حياةً طبيعية من جديد.
لكنّ برأيي أن الأمر في الواقع ليس هكذا، إذ لولا أنّ الدوائر الأمنية في تل أبيب فهمت رسالة المقاومة من إعادة التركيز على ملابسات أسره، لما كشفت عن هذه الصور في الوقت الحاليِّ، التي إن دلت على شيء، فإنها تدلُّ على أنَّ رسالة المقاومة وصلت إلى من يهمه الأمر.
في نفس السياق، فإنَّي لمست في الفيلم الذي عُرض على شاشة "الجزيرة" بسالة ودأب الجنديِّ الفلسطيني بما يمثله من رمزية لصاحب العقيدة الذي يقاتل من أجل بلاده، فيحفرُ نفقاً في باطن الأرض طوله عدة كيلومترات لينفذ عملية هجومية خلف خطوط العدوِّ، ويقول كما ورد في توثيق العملية المعروض في الفيلم: "فوقنا مباشرة مواقع وتجهيزات عسكرية للاحتلال ونستعدّ لتنفيذ العملية".
في حرب يوليو/تموز 2014 "العصف المأكُول" بثت المقاومـة أيضاً مقطع فيديو يوثق الإغارة على برج عسكري حدودي لجيش الاحتلال في ناحل عُوز بعد خروج المقاتلين الفلسطينيين من فتحة نفق وقتلوا نحو 10 جنود، وحاولوا أسر أحدهم، ونجحوا في الاستيلاء على أسلحتهم، كما عرضها إسماعيل هنية في أحد اللقاءات الجماهيرية بعد هذه المعركة، وهو نفس ما حدث مع شاليط أيضاً وأكدتهُ المقاومة: نوبة هلع، واستسلام، وأسر، واستحواذ على الأسلحة والوثائق.
ومع كل ذلك؛ فإنَّ المقاومة تجنّبت برأيي إبراز أي جانب من المعاملة غير الاحترافية قد يكون تعرض له شاليط خلال الأعوام الخمسة له في الأسر، مُركزةً في المادة المصورة على 3 رسائل محددة: خضوع الجنديِّ، تماهيهِ مع الحدث، وحسن المعاملة التي وجدها لدى مقاتلي القسام. في أحد المشاهد التي عرضها الفيلم يَظهرُ شاليط وهو "يلعب الريست" في وقت فراغه مع أحد المقاومين الذي ظُللت صورته بشكل يخفي هُويته. وأخيرا القدرة على إخفائه بالرغم من عيون الاحتلال على الأرض وفي السماء، وشنّهِ حرباً حامية الوطيس (أمطار الصيف) من أجل استعادته بلا جدوى. ما فعلته المقاومة بهذا الجنديِّ وإزائهِ احترافيةٌ متناهية – برأيي الشخصي -..
الموقف من الأطراف الأخرى
يعدُّ "في قبضة المقاومة" فرصة لـ "حماس" لعرض وشرح موقفها للأطراف الدولية المتداخلة مع الصراع في غزة بشكل أو بآخر.
إذ عبَّرت المقاومة الفلسطينية بشكل غير مباشر، عن الضيق من تفاقم الأزمة الإنسانية من الحصار المفروض على القطاع، حيث ذُكر في حلقة "الصفقة والسلاح" من برنامج "ما خفي أعظم" التي ظهر فيها إسماعيل هنية أنّه بعد غلق الأنفاق على الحدود بين مصر والقطاع، وإنشاء منطقة عازلة، وتشديد المراقبة على معبر رفح؛ أن مصر دشنت قاعدة جو بحرية في الاتجاه الجنوبي الشرقي، كان من أغراضها قطع أحد مسارات تمرير البضائع ومسلتزمات الحياة إلى داخل القطاع.
من هذا المنظور، يمكنني فهم رسائل المقاومة إزاء الأطراف المتماسَّة مع الحدث، كل على حدة. فالوسيطُ الأيرلنديُّ الذي لا يمتلك ثقلاً دولياً ولا مصالح في المنطقة توقف دوره عند التفاوض مع الاحتلال للإفراج عن أقلِّ من 100 أسير فلسطيني من الشخصيات التي لا يجد الاحتلال مشكلة في الإفراج عنها لعدم خطورتها القيادية والأمنية قياساً على شخصيات أخرى.
أما الموقف من النظام في مصر؛ فإنه من الضروريِّ أن ننتبه إلى أنّ الفيلم بين 3 مراحل مختلفة من العلاقات بين مصر وبين حركة "حماس". المرحلة الأولى إبان عمر سليمان ومبارك. لم تكن مصر أيرلندا، حيث نجحت في رفع عدد المفرج عنهم ضمن المفاوضات إلى ما لا يقلُّ عن 300 أسير، ومع ذلك، فإنها لم تكن متحمسة، أو لم تكن قادرة على ما هو أبعد من ذلك، أياً يكن؛ وهو ما برز في الفيلم في لغة "محاضر المفاوضات" على لسان الجانب المصري: "أبيض أم أسود؟"، "مسجونين ملطّخينَ بالدماء" (إشارة إلى المتورطين في قتل إسرائيليين خلال الانتفاضة الأولى والثانية) – "ليس هناك ما هو أفضل من ذلك".
المرحلة الثانية، بعد ثورة 25 يناير، حيث تولى مسؤولية جهاز المخابرات العامة قيادات أخرى غير عمر سليمان وتغير المزاج الإقليميُّ إيجاباً تجاه القضية الفلسطينية، وهي المرحلة التي نجحت فيها المقاومة، عبر الوساطة المصرية والألمانية، إلى إنجاز صفقة "وفاء الأحرار"، بتحرير عدد ضخم من الأسرى، يشمل كل النساء، وأعداداً من الشخصيات التي تعتبرها إسرائيل خطرة، ومُعتقلي القدس والـ 48، مع تقليل عدد المبعدين خارج فلسطين.
أما المرحلة الثالثة وفق رأيي، فهي المرحلة الحالية، والتي يبدو أنّ المقاومة تنظر إليها إيجابياً، بالنظر إلى تدخل مصر حالياً في جهود إعادة إعمار القطاع، ومحاولة التوسط لإنجاز صفقة تبادل أسرى جديدة، وتغير الخطاب الإعلامي والديني التابع للدولة إيجاباً نحو "حماس"؛ دون التعرض إلى المرحلة الانتقالية التي شهدت شداً وجذباً بين الطرفين في الفترة من 2017 إلى عام 2021، بعد موجة الغضب على غزة والمقاومة التالية للانقلاب العسكري يوليو/تموز 2013، من باب عدم وجود داعٍ لفتح الجراح القديمة.
من الأطراف التي نالت إشادة واضحة أيضاً، هم الحلفاء في "الشمال": "حزب الله"، جنوب لبنان. حيث أثنى القائد القسامي الشاب مروان عيسى على دور الحزب ميدانياً في تخفيف الضغط على جبهة غزة خلال عملية "أمطار الصيف" التي شنها الاحتلال انتقاما من أسر شاليط، عندما أسفرت هجمات "حزب الله" عن مقتل عنصرين من جيش الاحتلال، وأسر مثلهما، في إشارة إلى التنسيق بين الطرفين، والذي وصل ذروته مؤخراً باعتراف يحيى السنوار بعد جولة التصعيد الأخيرة، بأنّ عناصر تابعة لـ "حماس" ومقربة من الحزب قصفت الأراضي المحتلة من الأراضي اللبنانية لتخفيف الضغط عن جبهة غزة مايو/أيار 2021، ودعم الأمين العام للحزب حسن نصر الله حماسَ في كلمة مصورة مؤخراً.
مصير الأسرى
من حيث المبدأ، لا شكّ في أنّ المقاومة تعمل منذ 7 أعوام، هي عمر الأسرى الأربعة على إنجاز صفقة تبادل أسرى تليق بحجم الجهد المبذول. ومنذ صفقة "وفاء الأحرار" عام 2011، فقد نشأت بين كلِّ الأطراف، المقاومة والاحتلال والأسرى العرب في السجون الإسرائيلية، ثقة متبادلة في أنّ المقاومة تبذل في الخارج كلَّ ما في وسعها من أجل هذا الهدف.
لذلك، فقد اعتمد الخطاب الرسمي لكتائب القسام موجهاً للأسرى العرب في الأعوام الأخيرة على المطالبة فقط، بالثقة في المقاومة، والصبر على أذى الاحتلال، واليقين بأنّ المقاومة لديها الكثير من أجل فرض إرادتها،
ما استنتجته من "في قبضة المقاومة"، أنه فضلاً عن وجود إرادة سياسية لدى المقاومة من أجل إجبار الاحتلال على دفع ثمن أخطاء جنوده في الميدان ممن وقعوا في قبضته، وتوافر الأوراق الميدانية التي تجعل العدو أمام خيار واحد: القبول بشروط المقاومة، إذ لم تعد المواجهة البرية ممكنةً في ظلِّ الخوف من زيادة غلة الأسرى، والحرب الجوية صارت عمياء بسبب قدرة رجال المقاومة وقيادتها على التحصن بعيداً عن عيون العدو، والعمليات الخاصة لاستعادة الرهائن ليست مطروحة في ظلِّ نجاح "وحدة الظل" في إخفاء أيِّ آثار للجنود المخطوفين، والخوف من تكلفة إجهاض هذه العمليات، كما حدث من قبل في عملية "حدِّ السيف" (وحدة سيرت متكال) التي قتل خلالها ضابط إسرائيلي مرموق خلال محاولة زرع أجهزة تنصت في القطاع.
فضلاً عن كلِّ ذلك، بدا لي أنَّ معظم عناصر إتمام صفقة تبادل ناجحة صارت متوافرة: الصبر، فليس هناك أي تسرع، فالأسْرى لدينا، وبدلاً من الواحد أربعة، والظرف الإقليمي صار أفضل بالقياس على السنوات السابقة، خاصة في ظلّ تحسن العلاقات مع مصر، والاحتلال هو من يشعر بالعجلةِ بسبب ضغوط أهالي الأسرى، وفشله في إحراز أي تقدم "ميداني" تجاه العثور على أسراهِ أو تحريرهم بالقوة، والأيام تعيد نفسها: فقد حلّ نتنياهو محل أولمرت من زاوية اقتراب رحيله، ومجيء حكومة جديدة قد تسعى لتدشين حكمها بإنجاز في هذا الملف وتهدئة مع غزة، بعد المكاسب التي حققتها المقاومة على أرض الواقع في جولة مايو/أيار الأخيرة.
ما من شكّ في أن عدد الأسرى العرب الذين سيخرجون من سجون الاحتلال حينما تتقدم المفاوضات أكثر، لن يقلَّ عن السقف الذي وضعه السُّنوار أمام الملأ: 1111 أسير، والسبب في التأكد من ذلك، هو أنّ الرجل الذي ألزم نفسه بهذا العدد يعلم جيداً ظروف الميدان والتفاوض ولن يقبل بأي حال أن يقلّ العدد عن العدد الذي أعلنه على الجمهور، ومن ناحية أخرى، فليس من المنطقيِّ أبدا أن تقل الأعداد الخارجة من سجون الاحتلال عن عدد صفقة "وفاء الأحرار" التي كان لدى المقاومة حينها أسيرٌ واحد فقط.
ولكنَّ الصراع وتكسير العظام، سيكون بخصوص: نوع هؤلاء الأسرى، كما حدث في الجولة السابقة، إلى أي مدى ستنجح المقاومة في إخضاع الاحتلال وإجباره على القبول بالإفراج عن القيادات التاريخية وأصحاب المؤبَّداتِ الذين قد يتحولون إلى قيادات ميدانية فاعلة كما حصل مع السُّنوار الذي خرج في صفقة "وفاء الأحرار" ليصير حاكماً لغزة!
هل سنرى مروان البرغوثي مهندس الظل قريباً؟
لاحظت أيضاً أنَّه تم التأكيد، من طرف خفيٍّ، على أسْر الجندي شاؤول آُرون حياً، خلافاً لسرديةِ الاحتلال التي تتحدث عن أسره ميتا (رُفاتا)، وذلك من خلال إعادة بثّ خطاب أبو عبيدة القديم الذي تحدث فيه عن معلومات وملابسات أسر هذا الجنديِّ وبقائه لدى المقاومة "حياً".
على الأرجح، صوت الجنديِّ في نهاية الفيلم يعود إلى المجند ذي الأصول الإثيوبية "إبراهام منغستو" لا لأحد غيره؛ والترجيحُ هنا، بسبب أنّ الفيلم عرفه "جندياً"، وما هو معروف أن ما لدى المقاومة 3 جنود ورابع مدني، هو هشام السيد.
وقد ورد الحديث بالفعل عن آُرون عند التأكيد على كونه لا زال حياً بقبضة المقاومة، وما يعزز الاحتمال بأنه الإثيوبي لا الضابط هدار، ما ورد في مضمون كلامه الذي قرأه من نص مكتوب، بخصوص "التفرقة" في السعي الرسمي نحو الإفراج عن الأسرى اليهود في القطاع، وهي قضية اجتماعية وثقافية تشدد على توظيفها المقاومة، إذ من المتداول أنَّ اليهود من ذوي الأصول الشرقية، لا سيما أصحاب البشرة السمراء، يعاملونَ كمواطنين درجة ثانية في الاحتلال، وهو ما صرح به اليهود الفلاشا في مظاهراتهم الأخيرة احتجاجاً على قتل عنصر من الشرطة لمُراهق ينتمي إليهم، وهي نفس المظاهرات التي شهدت رسائل قسامية تقول نفس المضمون: الاحتلال لم يطرح استعادة الإثيوبي، كما يفعل من أجل جنوده الآخرين، لمن يتذكر هذه الأحداث.
أما عن عدم تعرف والدته عليه كما ورد في الإعلام العبري، فإن ذلك قد يكون عائداً لتفاقم إصابته "العضلية العصبية" مما أفقده القدرة على التحكم في الحديث الواضح بشكل شبه كلي، إذ يَعرفُ كل المهتمين بهذا الملف أنّ هذا الجندي يعاني من نسبة إعاقة أصلاً، ومن جهة أخرى، فإنه قد يكون حدث تحريفٌ في نبرة الصوت، بحيث لا يتعرف عليها جيداً إلا تقنيُّو الاحتلال، لأسباب أمنية، وسياسية تتعلق بما وصفته قيادة القسام من قبل بأنه: لا معلومات مهمة عن مصير الأسرى، بلا ثمن مدفوع.
المهم هنا هو تأكيد أرفع قيادات المقاومة بشكل رسمي: أنه لدينا أحياء خلافاً لما يدعيه الاحتلال. والمقاومة – برأيي الشخصي – أحرص ما تكون على مصداقيتها لدى جميع الأطراف.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.