لجأت بعض الأحزاب السياسية في لبنان إلى استغلال توفرها على لقاحات مضادة لفيروس كورونا من أجل كسب مؤيدين جدد وتشجيعهم على الالتحاق بها، على الرغم من أن السلطات توفر اللقاحات مجاناً، لكن وفق جدول أولويات.
وكالة الأنباء الفرنسية قالت، في تقرير الخميس 10 يونيو/حزيران 2021، إن ذلك لم يحُل دون دخول الأحزاب على خط الاستثمار في اللقاح، مكرّسة سياسة الزبونية التي لطالما اتبعتها، في خضم أسوأ انهيار اقتصادي تشهده البلاد ومشاكل سياسية تسببت في جمود سياسي كبير في لبنان.
لقاحات "حزبية" للبنانيين
لم ينتظر فراس أن يتلقى رسالة من وزارة الصحة تعلمه أن دوره قد حان لتلقي اللقاح المضاد لفيروس كورونا، بعدما وفّر أحد الأحزاب النافذة في بيروت الجرعات اللازمة، سعياً إلى كسب ودّ مؤيدين جدد.
يقول فراس (52 عاماً)، الذي تلقى وزوجته لقاح سبوتنيك-في الروسي عن طريق حزب لم يسمّه، لوكالة فرانس برس: "في بادئ الأمر، سجلت اسمي على المنصة وانتظرت أن يحين دوري، لكن عندما رأيت أن العملية ستتطلب وقتاً، سجلت اسمي واسم زوجتي على لوائح الحزب".
إذ توفّر وزارة الصحة في لبنان لقاحي فايزر وأسترازينيكا مجاناً لكل السكان، فيما تستورد أحزاب ومؤسسات، عبر شركة أدوية خاصة، اللقاح الروسي في مقابل 38 دولاراً للجرعتين، أي ما يعادل 75% من الحد الأدنى للأجور.
يشكّل فراس، الموظف السابق في قطاع التأمين والعاطل عن العمل منذ ستة أشهر، عينة من ستين ألف شخص تلقوا لقاحات وفّرتها أحزاب من إجمالي نحو 900 ألف باتوا محصنين، بحسب ما أوضح مستشار وزير الصحة محمّد حيدر لوكالة فرانس برس.
"استثمار مربح" سياسياً
باشر لبنان حملة التطعيم منتصف فبراير/شباط بموجب دعم قدّمه البنك الدولي بقيمة 34 مليون دولار، مشترطاً التوزيع العادل والمنصف وفق جدول الأولويات. ولوّح البنك الدولي خلال الشهر ذاته بتعليق تمويله بعدما تلقى نواب وموظفون في البرلمان اللقاح، من خارج جدول الأولويات.
لم يتوقف الأمر عند هذا الحدّ. يقول مصدر في اللجنة الوطنية للقاح كورونا، رافضاً كشف هويته، لوكالة فرانس برس: "تحاول القوى السياسية بطريقة مباشرة أو غير مباشرة أن تدخل المعادلة". ويضيف: "يشكل اللقاح استثماراً مربحاً لها" وسط الظروف الراهنة.
تتعرض الطبقة السياسية بأكملها لاتهامات بالفساد واستغلال النفوذ. وخرج مئات الآلاف إلى الشوارع قبل عامين تقريباً، مطالبين بتنحيها، محملين إياها مسؤولية الانهيار غير المسبوق جراء عقود من سياسات طغى عليها الفساد.
لكن التدهور المتمادي، الذي رفع نسبة من يعيشون تحت خط الفقر إلى أكثر من 55% وأدى إلى فقدان عشرات الآلاف وظائفهم أو جزءاً من رواتبهم، شكّل وفق محللين فرصة للأحزاب والقوى السياسية من أجل تجميع قواها ومحاولة استمالة الشارع من بوابة كورونا.
كل التيارات لجأت لاستثمار اللقاحات
بالفعل، سجّل عشرات الآلاف أسماءهم لدى الأحزاب أو جمعيات لديها ارتباطات سياسية، وكذلك مؤسسات تابعة لرجال أعمال أثرياء يطمحون للعب دور سياسي في لبنان.
فقد عمد هؤلاء مع تزايد تفشي الوباء إلى تقديم مساعدات كتجهيز مراكز طبية وتوزيع الكمامات وماكينات التنفّس وآلات قياس نسبة الأوكسجين في الدم، ليدخلوا بعدها بازار توزيع اللقاحات.
من بين تلك الأحزاب تيار المستقبل، بزعامة رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري.
يقول منسّق الإعلام في التيار، عبدالسلام موسى، لوكالة فرانس برس إن "أكثر من سبعة آلاف شخص تلقوا اللقاح الروسي" بموجب حملة تلقيح انطلقت مطلع الشهر الماضي، في وقت "يُفترض أن تصل عشرات آلاف الجرعات خلال الأسابيع المقبلة".
كان حزب القوات اللبنانية، الذي يتزعمه سمير جعجع، من أول الأحزاب التي وفّرت اللقاح مجاناً في مناطق نفوذها.
يوضح النائب عن القوات أنطوان حبشي أن 1600 شخص سجلوا أسماءهم لتلقي اللقاح في منطقة بعلبك الهرمل (شرق) التي يتحدّر منها، بعدما "تمكنا من تمويل شرائه عبر حملة جمع تبرعات في دول الاغتراب".
كما شدد على أن اللقاحات متوافرة لكل من يرغب، وهي مجرد مبادرة في ظل حالة "الطوارئ الصحية" التي تشهدها البلاد، نافياً أن يكون أي "هدف انتخابي خلفها".
"مسكّنات" حزبية للبقاء بالسلطة
استأجر الوزير السابق، إلياس أبوصعب، وهو نائب منضو في كتلة التيار الوطني الحر الذي أسّسه رئيس الجمهورية ميشال عون، مستشفى خاصاً قرب بيروت لمدة عام. وأعلن قبل فترة قصيرة أنّه سيؤمن "عشرين ألف وحدة من لقاح فايزر" مجاناً على أن تكون "الأولوية" للمدرسين "في قضاء المتن، المنطقة التي يتحدّر منها.
لم يأت حزب الله، القوة العسكرية والسياسية الأبرز في البلاد، بلقاحات لتوزيعها في مناطق نفوذه في لبنان، وفق ما أكّد مصدر من الحزب. لكن الأستاذ الجامعي هلال خشان يعتبر أن الحزب "ليس بحاجة إلى استيراد لقاحات باعتبار أن بإمكانه الاعتماد على وزارة الصحة" التي يتولاها الوزير حمد حسن الذي سمّاه الحزب.
إلى جانب اللقاحات، تشمل الخدمات "الحزبية" توزيع مواد غذائية وأدوية على وقع ارتفاع الأسعار الجنوني وشحّ السلع.
كان حزب الله سباقاً، بعد بدء الأزمة الاقتصادية، في توفير بطاقات لمحازبيه، تمكّنهم من شراء مواد غذائية، بعضها مستورد من داعمته إيران، من متاجر محددة وبأسعار مدعومة.
بينما يستعدّ التيار الوطني الحر، الذي يرأسه النائب جبران باسيل، صهر رئيس الجمهورية، لإطلاق منصة تمكّن مناصريه من تبادل الأدوية، وفق ما يشرح منسّق لجنة كورونا في التيار مروان زغبي لوكالة فرانس برس.
مع توسيع القوى السياسية والحزبية مروحة خدماتها، يقول المدير التنفيذي للجمعية اللبنانية لتعزيز الشفافية – لا فساد جوليان كورسون: "قد تستعمل الأشكال الجديدة من المساعدات لأهداف سياسية" قبل موعد "الانتخابات النيابية" في مايو/أيار المقبل.
خلال الانتخابات الأخيرة، تلقى 47% من الناخبين رشوى مالية، وفق منظمة الشفافية الدولية. ورغم هذه التعبئة، يبقى هامش المناورة لدى الأحزاب محدوداً، وفق خشان الذي يعتبر أن توسّع الفقر يكشف "فشل" نظام الكفالة هذا.
كما يرى أن الأحزاب التقليدية تبحث عن مسكّنات، ولا يستبعد أن "تثير من الآن فصاعداً الحساسيات الطائفية" لضمان البقاء في السلطة.