شهدت المباراة الودية الأخيرة لمنتخب تونس لكرة القدم أمام نظيره الكونغولي تدشين متوسط الميدان الهجومي الشاب "حنبعل المجبري"، لمشاركته الأولى مع "نسور قرطاج"، وسط حالة من الارتياح لدى جماهير منتخب بلده، الذين كانوا إلى وقت قريب يشكّون في احتمالية اقتناع "النجم المستقبلي" لنادي مانشستر يونايتد الإنجليزي بحمل قميص تونس بدل منتخب بلد مولده فرنسا.
حنبعل المجبري من مواليد 21 يناير/كانون الثاني 2003، بمدينة "إيفري سير سان"، إحدى ضواحي العاصمة الفرنسية باريس، وقد تلقن أبجديات رياضة كرة القدم ضمن نادي "إف سي باريس"، الذي انضم إليه في سن السادسة من عمره، عام 2009، وبقي معه حتى سنة 2017، حيث انتقل إلى نادي "بولون بيلانكور"، الذي لعب معه موسماً واحداً فقط (2017-2018) وقاده لنيل كأس باريس لأقل من 15 عاماً، بعدما فاز في اللقاء النهائي على نادي باريس سان جيرمان.
خريج أكاديمية "كليرفونتين"
لم يتأخر الطفل المجبري في إظهار موهبته الكروية الكبيرة ضمن نادي باريس، ما لفت انتباه كشافة الأندية الإنجليزية المعروفة باصطياد العصافير النادرة من الجهة الجنوبية لبحر المانش، فتم وضع اسمه على أجندة قطبي مانشستر، السيتي واليونايتد، إضافة لليفربول وأرسنال، فأجرى تجارب أداء وفترة معايشة مع النادي اللندني في عام 2016، لكن دون التوقيع على أي عقد بسبب القوانين الداخلية لأكاديمية المعهد الوطني لكرة القدم "كليرفونتين"، الذي كان يزاول فيه الطفل حنبعل دراسته، والذي يمنع لاعبيه من التعاقد مع أندية أجنبية قبل بلوغ سن الـ15.
وأفتح هنا قوساً لأشير أنّ المعهد الوطني لكرة القدم "كليرفونتين" هو أكاديمية رياضية تابعة للاتحاد الفرنسي لكرة القدم، تأسس في سنة 1988، ومفتوح للمواهب الكروية في سن محددة، ما بين 13 و 15 عاماً فقط، يزاول خلالها الطفل تعليمه العادي بالإضافة لتكوينه الرياضي، كما يُسمح للاعب خلال فترة التكوين بالنشاط ضمن أندية فرنسية، مثلما كان الشأن لحنبعل المجبري، الذي كان يدرس بالأكاديمية بالموازاة مع لعبه ضمن فريق "إف سي باريس"، ثم "بولون بيلانكور".
ومن بين أشهر اللاعبين الذين تكونوا بأكاديمية "كليرفونتين"، يوجد الدوليان الفرنسيان السابقان نيكولا أنيلكا وحاتم بن عرفة، والجزائريان مراد مغني وياسين براهيمي والمغربي المهدي بن عطية.
كان على رادار برشلونة والبايرن
وبعد نهاية مرحلة تكوينه بـ"كليرفونتين" في يونيو/حزيران 2018، انضم حنبعل للمركز التكويني لنادي موناكو، الذي منحه عقداً شبه احترافي، ودفع مبلغ مليون يورو لنادي "بولون بيلانكور"، في عملية استثمارية ناجحة، حيث قام نادي الإمارة بتحويل لاعبه الشاب نحو نادي مانشستر يونايتد الإنجليزي في الصيف الموالي مقابل 10 ملايين يورو، وذلك بعدما كان المجبري ضمن اهتمامات أندية أوروبية كبيرة أخرى على غرار بايرن ميونيخ الألماني وباريس سان جيرمان الفرنسي وبرشلونة الإسباني.
وإذا كان نادي موناكو قد استفاد مادياً من الصفقة فإنّ حنبعل استفاد كثيراً في الجانب الرياضي، عند عبوره بحر المانش، حيث وجد كل العناية والتقدير لموهبته ضمن نادي مانشستر يونايتد، حيث واصل تكوينه ضمن فريق أقل من 18 عاماً في الموسم الأول (2019-2020)، ثم مع فريق أقل من 23 عاماً في الموسم المنقضي (2020-2021) .
وقد تألق بشكلٍ لافتٍ في الموسم الماضي بتسجيله لهدفين اثنين وصنعه لـ8 أهداف أخرى في 20 مباراة في الدوري الإنجليزي الممتاز للرديف، ما جعله ينهي الموسم بنيل جائزة "دينزل هارون" لأفضل لاعب لرديف مانشستر يونايتد، يوم 20 مايو/أيار الماضي، إضافة لمنحه فرصة المشاركة في أول مباراة مع الفريق الأول، يوم 23 من نفس الشهر، أمام نادي ولفرهامبتون (2-1)، لحساب الجولة الأخيرة من الدوري الإنجليزي الممتاز، حيث دخل بديلاً للإسباني خوان ماتا في الدقيقة الـ82 من اللقاء، كما كافأته إدارة النادي، في شهر مارس/آذار الماضي، بمنحه عقداً احترافياً جديداً يمتد حتى صيف 2026.
على درب بيكهام وروي كين
وأثنى نيل وود مدرب فريق رديف مانشستر يونايتد كثيراً على تطور مستوى حنبعل منذ قدومه للنادي الإنجليزي العريق، فصرح لموقع الفريق، عقب تتويج اللاعب التونسي بالجائزة: "أعتقد أنه قد أدى مشواراً خرافياً، فلّما قدم إلى النادي كان مفعماً بالحيوية ويركض في كل الاتجاهات، وفي بعض الأحيان في غير مصلحة الفريق، لكنه تحسّن كثيراً فيما بعد، من حيث الانضباط التكتيكي بالكرة وبدون كرة".
أما أسطورة نادي مانشستر يونايتد، نيكي بات، فقد شبّه حنبعل بالنجمين السابقين ديفيد بيكهام وروي كين، معتبراً أنّ اللاعب الشاب يملك نفس ميزات القيادة للأسطورتين الآخرين لفريق "الشياطين الحمر".
وبالموازاة مع ترقب تألقه مستقبلاً مع الفريق الأول لمانشستر يونايتد، فإنّ آمال التونسيين معلقة كثيراً على حنبعل الجبيري ليقود منتخب "نسور قرطاج" نحو التتويجات القارية والإنجازات الدولية، رغم صغر سنه، وذلك بداية من المساهمة في تأهل المنتخب القومي للمشاركة في نهائيات كأس العالم لكرة القدم، المقررة في أواخر العام القادم 2022 بقطر.
حلم مونديال قطر رجّح كفة تونس
ويعتبر حلم المشاركة في مونديال قطر القادم أحد الأسباب الرئيسية التي جعلت الجبيري يفضل الانضمام لمنتخب تونس، بعدما بدأ مشواره الرياضي الدولي ضمن منتخب فرنسا لأقل من 16 سنة، في عام 2018، ثم منتخب أقل من 17 سنة في عام 2019.
فعندما أمضى حنبعل عقده الاحترافي الأول مع مانشستر يونايتد، في شهر مارس/آذار الماضي، انتظر لفتة أو رسالة قصيرة تشجيعية من مدرب منتخب فرنسا الأول، ديديه ديشامب، تجعله يأمل وجوده ضمن مخططات المدير الفني لمنتخب بطل العالم، لكن خيبته كانت كبيرة، وجعلته يفكر ملياً وجدياً في مشواره الدولي المستقبلي، فحسم قراره باختيار اللعب لمنتخب بلده الأصلي تونس، بدلاً من منتخب بلد مولده، خاصة في ظل الصدى الجميل الذي كان يصله حول جماهيريته الكبيرة لدى أنصار "نسور قرطاج"، إضافة للتقدير الذي وجده لدى مسؤولي الجامعة التونسية لكرة القدم برئاسة وديع الجريء، الذي سعى لإقناعه منذ أكثر من سنة لتغيير جنسيته الرياضية.
ويجرّنا الحديث عن حنبعل للتنويه إلى السياسة الجديدة لاتحاد الكرة التونسي، الذي بات يسير على درب شقيقه الجزائري بالاعتماد على اللاعبين مزدوجي الجنسية المولودين بأوروبا، وإقناعهم باختيار منتخب تونس الأول في سن مبكرة، بفضل العمل المميز الذي يقوم به كشّاف المواهب بأوروبا لدى الاتحاد، محمد سليم بن عثمان، وقد نجحت هذه الاستراتيجية في ضم، خلال الفترة الأخيرة، إضافة للمجبري، كل من عمر الرقيق ( 19 عاماً)، مدافع فريق أرسنال الإنجليزي، وحمزة رفيعة (22 سنة)، متوسط ميدان يوفنتوس الإيطالي، وعيسى العيدوني (24 عاماً) متوسط ميدان نادي فرنسفاروش المجري… في انتظار إقناع مجموعة أخرى من المواهب.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.