من الواضح أن الملف السوري لا يمثل أهمية لدى إدارة الرئيس جو بايدن، ولم تغير الانتخابات الأخيرة التي رتبها نظام بشار الأسد من تلك الحقيقة، فهل السبب هو قلة حيلة واشنطن أم غياب المصلحة في سوريا؟
صحيح أن فوز بشار الأسد بنسبة 95% من الأصوات في الانتخابات "الهزلية" الشهر الماضي أمر مفاجئ لأي شخص يمتلك فهماً بسيطاً لأساليب النظام السوري، لكن جميع المعطيات أرجعت إجراء تلك الانتخابات إلى رغبة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في إقامتها قبل قمته المرتقبة هذا الشهر مع بايدن.
وتمثل سوريا فشلاً ذريعاً للسياسة الخارجية الأمريكية على مدى عقد من الزمان، وكان البعض يتوقع أن إدارة بايدن قد تسعى لاتباع سياسة جديدة، لكن يبدو أن الإدارة الأمريكية لا تمتلك خيارات فعالة يمكنها أن تغير الواقع المرير في سوريا.
فمنذ اندلاع الاحتجاجات الشعبية ضد حكم الرئيس بشار الأسد المتسم بالفساد والقمع قبل عشر سنوات، وكان وقتها الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن نائباً للرئيس الأسبق باراك أوباما، تمحور هدف الولايات المتحدة الرئيسي في التخلص من نظام الأسد، لكن حتى الآن فشلت واشنطن في تحقيق الهدف الأساسي من سياستها، ولا حتى الأهداف الأخرى تحقق منها شيء يذكر.
الافتقار إلى استراتيجيةٍ أمريكية قابلة للتحقيق
ونشر موقع Responsible Statecraft الأمريكي تقريراً حول "الخطوة التالية لسياسة الولايات المتحدة تجاه سوريا في ظل تعزيز الأسد لسلطته"، تناول النظرة الأمريكية للصراع في سوريا كأحد ملفات الشرق الأوسط.
وفي هذه المرحلة، تفتقر إدارة بايدن إلى استراتيجيةٍ شاملة أو واضحة في التعامل مع سوريا. وربما خلص البيت الأبيض إلى أن "نهج عدم التدخل" النسبي هو "الخيار المنطقي من الناحية الاستراتيجية".
وقال ستيفن كوك من Council on Foreign Relations للموقع الأمريكي: "ليس هناك ما يكفي من المصالح الأمريكية على المحك بدرجةٍ تدفع الولايات المتحدة لفعل شيءٍ أكثر من فرض العقوبات، وقصف الإرهابيين، والاحتجاج ضد اعتداءات الأسد العديدة على البشر أملاً في أن يحدث تغيير يُنهي كابوس سوريا المرير".
وفي أفضل الأحوال، قد ترى إدارة بايدن في قانون قيصر أداة ضغطٍ لإجبار الأسد على التنازلات التي يطلبها الغرب منذ وقتٍ طويل، ومنها تحقيق شيءٍ من مشاركة السلطة مع المعارضة وتقليل نفوذ موسكو وطهران.
أما فيما يتعلّق بإدلب، التي ما تزال بعيدة عن سيطرة نظام بشار الأسد، فعلى الأرجح سوف تتعاون الإدارة الأمريكية عن قرب مع تركيا؛ إذ قال لانديس عبر البريد الإلكتروني: "بدأت تركيا توفير العديد من الخدمات لتحل محل دمشق بفضل ولائها وأموالها".
وفي الوقت ذاته، يرغب البيت الأبيض في ضمان حفاظ القوات الأمريكية على وجودها في الشمال الشرقي الغني بالهيدروكربونات نسبياً، بالتعاون مع وحدات حماية الشعب التي يُسيطر عليها الأكراد، لكن هذه السياسة تهدد بمزيد من التدهور في العلاقات مع أنقرة. ويرى لانديس أنّ وحدات حماية الشعب "سوف تتصالح مع نظام الأسد، رغم صعوبة ذلك"، بالنظر إلى تفضيل الجماعة العيش تحت نظام الأسد على مواجهة الأتراك بمجرد انتهاء دعم واشنطن.
مواجهة روسيا وإيران في سوريا
ستسعى الإدارة الأمريكية مع ذلك إلى مواجهة النفوذ الروسي والإيراني في سوريا، خاصةً في ضوء مخاوف إسرائيل من الحرس الثوري الإيراني ودعمه لمختلف الميليشيات الشيعية. وفي هذا السياق، ستقصف واشنطن على الأرجح الميليشيات المدعومة من إيران، مثل كتائب حزب الله العراقي وكتائب سيد الشهداء ولواء فاطميون.
وأثناء تحديد سياسة بايدن، ستعتمد الكثير من الأمور على مدى استيعاب الإدارة لعملية الأستانة – إن كانت تعترف بها من الأساس. إذ انطلقت تلك المحادثات عام 2017 بواسطة روسيا وإيران وتركيا، بهدف تهدئة الصراع السوري والتوصل في النهاية إلى تسويةٍ سياسية فشلت الأطراف المشاركة في تحقيقها حتى يومنا هذا.
إذ مكّنت تلك المحادثات موسكو، أقوى داعمي الأسد، من تعميق انقسامات المعارضة السورية وساعدتها في التقرب من تركيا أكثر. وربما يكون الأهم من ذلك هو نجاح الروس في تقليل نفوذ واشنطن بتعاونهم مع إيران وتركيا.
وفشل المحادثات حتى الآن في أهم التساؤلات الحساسة فيما يتعلق بالحرب السورية، مثل مستقبل الأسد والدستور الجديد، يُثير العديد من التساؤلات حول ما إذا كان هناك أي تحرك في يد واشنطن الآن – ناهيك عن مدى فاعليته. حيث شكّك لانديس في فاعلية دور واشنطن، قائلاً لموقع Responsible Statecraft: "سوف تفقد الولايات المتحدة اهتمامها بقلب موازين القوى في سوريا تدريجياً، خاصةً مع اكتشافها لحجم صعوبة وتكلفة تحويل شمال شرق سوريا إلى اقتصادٍ فعّال، ناهيك عن صعوبة الفصل بين العرب والأكراد وبين الأتراك والأكراد".
وسيسعى فريق بايدن، الذي من المستبعد أن يغير موقف واشنطن القائم بعدم شرعية رأس النظام السوري، إلى منع الأسد من فرض نفوذٍ أكبر على الشعب وإعادة بناء الثقة بين النخب السورية التي يحتاجها الرئيس لإعادة إعمار البلاد، وهي المهمة التي ستتكلف 250 مليار دولار، بحسب تقديرات الأمم المتحدة في عام 2019.
وسيتطلب ذلك المبلغ قدراً هائلاً من المساعدات والاستثمارات الأجنبية، التي تأمل موسكو ودمشق أن توفر الدول الخليجية الغنية بالنفط الكثير منها. وهنا قد يأتي الدور المحوري لقانون قيصر والكيفية التي ستقرر بها الإدارة استخدامه.
تغير الموقف السعودي من الأسد
فبينما لم تقاوم الإدارة الأمريكية الاتجاه المتنامي بين الحكومات العربية لإعادة العلاقات الدبلوماسية الرسمية مع دمشق -في خطوةٍ رمزية- لكنها من المتوقع في الوقت الحالي أن تستخدم قانون قيصر كتهديد لإثناء الدول الخليجية عن استعادة علاقاتها الاقتصادية القوية مع سوريا أو الاستثمار فيها على نطاقٍ واسع.
وفي الوقت ذاته، ستجادل الدول الخليجية على الأرجح بأنّ انخراطها الاقتصادي مع دمشق في ضائقتها المالية سيزيد نفوذها الشخصي لدى الأسد على حساب إيران، كما هو الحال مع بغداد. لكن لم يتضح بعد إن كان هذا التوجه سيلقى أي أصداء في واشنطن.
ولكن بتركيزها الأساسي في الوقت الحالي على أجندتها المحلية وعلى إيران واليمن في الشرق الأوسط، تبدو إدارة بايدن سعيدةً بتأجيل موضوع سوريا طالما ما يزال قانون قيصر فعّالاً.
وقال داني مكي، المحلل السياسي المقيم في دمشق، لموقع Responsible Statecraft الأمريكي: "إنّ مهرجان الولاء للأسد والاحتفالات السياسية الأحادية لها دلالات محلية وإقليمية؛ إذ تُظهِر أولاً من هو المُسيطر داخل سوريا، كما تنطوي على رسالةٍ غير مستترة إلى الدول الخليجية التي قطعت ببطء نصف الطريق لإعادة التقارب مع سوريا -وفيها إشارةٌ واضحة يقول فيها النظام للسعودية والإمارات: (أنا المسيطر هنا، ولا يمكنكم إنكار شعبيتي الآن)".
لكن رغم احتفاء النظام بانتصاره على المعارضة السورية، لكن مستقبل البلاد خلال ولاية الأسد الرابعة يبدو مُظلماً.
إذ أوضح الدكتور جوشوا لانديس، الزميل غير المقيم في Quincy Institute وأستاذ دراسات الشرق الأوسط في جامعة أوكلاهوما: "يعيش الاقتصاد السوري حالةً من الفوضى، كما انهارت العملة، وساد انقطاع الكهرباء في جميع أرجاء البلاد، ولم يشعر السوريون بهذا القدر من اليأس والفقر من قبل. لكن شغل الأسد الشاغل هو دفع الاقتصاد للأمام وإعادة بناء تحالف القوى السياسية الذي أبقى عائلته في الحكم طيلة 50 عاماً. ويجب على الأقل أن يُقنع السوريين بالخضوع لحكمه. وسيحاول كذلك إعادة تكوين قدرٍ ضئيل من الثقة بين النخب التي سيعتمد عليها في إعادة إعمار البلاد".
ورغم أنّ انتخابه قد يُفيد مكانة نظام دمشق وسط العالم العربي، لكنّه لن يمنح الأسد أي شرعية بين الحكومات الغربية؛ إذ يُعتبر قانون قيصر إحدى المبادرات القليلة التي تسير فيها إدارة بايدن على نفس خط إدارة ترامب. حيث يفرض نفوذه العابر للحدود تأثيراً مرعباً على المستثمرين الأجانب المحتملين وغيرهم من المؤسسات التجارية التي قد تميل -في غيابه- إلى المشاركة في إعادة إعمار سوريا.
وبينما يأمل الأسد وأقوى حلفائه الأجانب، روسيا، في إقناع دول الخليج بتمويل إعادة إعمار وتطوير سوريا. كما يأملون أن تساعد الانتخابات -مهما كانت هزلية- في تلك الجهود. ومع تجديد العلاقات مع الخصوم السابقين في مصر والإمارات، والتواصل المبدئي مع المملكة العربية السعودية، ربما تعود سوريا من جديد إلى أحضان جامعة الدول العربية.