كشفت محكمة أسترالية عن وثائق جديدة حول انتهاكات لحقوق الإنسان وجرائم حرب ارتكبها جنودها من القوة الخاصة في أفغانستان، تشمل هذه الوثائق "مئات" الصور لجنود يشربون الكحول في ساق صناعية، يُعتقد أنها تعود لأفغاني مقتول.
كان قائد الجيش الأسترالي قد أقر في نوفمبر/تشرين الثاني 2020، بوجود أدلّة موثوق بها على أن جنوداً من القوات الخاصة الأسترالية "قتلوا بشكل غير قانوني" ما لا يقلّ عن 39 أفغانياً من المدنيين أو الأسرى، وأوصى بإحالة هذه القضايا إلى مدعٍ عام عيّنته العاصمة الأسترالية كانبيرا للتحقيق في جرائم حرب محتملة.
صور جديدة
كانت المعلومات عن وجود صورٍ من هذا النوع معروفةً، وسبق أن بُثّت ونُشرت حفنة منها على نطاق واسع، لكن الكشف الكامل عن العدد الكبير لتلك الصور الملتقطة للجنود الأستراليين في إحدى حاناتهم السرية، وتُدعى Fat Ladies' Arms، جاء أمام المحكمة الفيدرالية الأربعاء 2 يونيو/حزيران، حسبما أكدت صحيفة The Guardian البريطانية.
يأتي الكشف في سياق قضية التشهير التي رفعها الجندي الحاصل على وسام "صليب فيكتوريا"، بن روبرتس سميث، ضد صحف The Age و The Sydney Morning Herald وThe Canberra Times، ويقول محامو روبرتس سميث إنهم صُدموا بتسليم مجموعة جديدة من الوثائق، ومنها مئات الصور لجنود يشربون في الحانة المذكورة، وإنهم حاولوا فرزها قبل بدء المحاكمة.
قال المحامي ماثيو ريتشاردسون، الذي يحضر دفاعاً عن روبرتس سميث، للمحكمة: "لقد ظللنا نعمل على تصنيف الوثائق منذ الساعة الرابعة من عصر يوم الجمعة 28 مايو/أيار. لكن لا يمكننا فعل ذلك لمئات من صور الجنود وهم يشربون من الساق الصناعية؛ إنها عملية مرهقة للغاية، وطويلة جداً".
وأضاف ريتشاردسون: "كل هذه الصور وقعت في حوزة المدعى عليه [تسع صحف] لأن الزوجة السابقة لموكِّلي سلمتهم بطاقات ذاكرة USB تحويها".
من جانبهم، رفض محامو الصحف تأكيد الإشارة إلى أن بطاقات الذاكرة، التي تحتوي على الصور ومواد أخرى ذات صلة، قد وصلت إليهم عن طريق إيما روبرتس، زوجة روبرتس سميث السابقة المنفصلة عنه حالياً.
ومن المقرر أن يُدلي روبرتس بشهادته خلال المحاكمة.
قضية دائرة في المحاكم
من جهة أخرى، أصبحت واقعة الساق الصناعية، التي استخدمت كوعاء للشرب، رمزاً سيئ السمعة للانتهاكات التي تنتشر حول أن الجنود ارتكبوها في أفغانستان.
وبحسب محامي الدفاع الممثلين عن الصحف، فقد أطلق روبرتس سميث النار على مدني أفغاني بساق صناعية في عيد الفصح (أحد القيامة) في عام 2009.
ثم أُخذت الساق الصناعية من جسد المدني المقتول كـ"تذكار"، وحملها الجنود معهم إلى القاعدة الأسترالية، حيث استخدموها كوعاء لشرب الخمور في حانتهم.
وكان محامو روبرتس سميث أقروا بالفعل للمحكمة في وقت سابق بأنه أطلق النار على رجل بطرف صناعي، لكنهم يزعمون أنه كان جندياً من حركة طالبان، وإن جندياً آخر هو من جلب الساق إلى القاعدة، وإن روبرتس سميث لم يأخذها الساق "تذكاراً" ولا شرب فيها. وزعم المحامون للمحكمة أن روبرتس سميث رأى أنه من "المثير للاشمئزاز" أخذ أي تذكار هو عبارة عن جزء من جسد شخص قُتل في أثناء القتال، حتى وإن كان طرفاً صناعياً.
ويقاضي روبرتس سميث صحف The Age و The Sydney Morning Herald وThe Canberra Times، بتهمة التشهير بسبب سلسلة من التقارير التي نشرتها تلك الصحف في عام 2018، ويزعم هو أنها تشهيرية لأنها تصوره على أنه شخص "انتهك القواعد الأخلاقية والقانونية للاشتباك العسكري" وارتكب جرائم حرب، منها قتل مدنيين.
وقد نفى روبرتس سميث، البالغ من العمر 42 عاماً، بإصرار المزاعم، قائلاً إنها "كاذبة" و"لا أساس لها" و"ليس لها أي أساس من الصحة".
جرائم حرب
كان قد أقرّ قائد الجيش الأسترالي بوجود أدلّة موثوق بها على أن جنوداً من القوات الخاصة الأسترالية "قتلوا بشكل غير قانوني" ما لا يقلّ عن 39 أفغانياً من المدنيين أو الأسرى.
وقدم الجنرال أنغوس كامبل اعتذاره للشعب الأفغاني بالنيابة عن قوات الدفاع الأسترالية، قائلاً: "أقدّم بكلّ صدق وبدون أيّ تحفّظ اعتذاري عن أيّ مخالفات ارتكبها الجنود الأستراليون".
كامبل أقر بشكل صريح بأن بعض جنوده طبقوا القانون بأيديهم، مؤكداً أن "هناك قواعد خُرقت وقصصاً لفّقت وأكاذيب قيلت وسجناء قُتلوا".
هذا التصريح جاء في أعقاب صدور نتائج تحقيق استمر سنوات بشأن انتهاكات يشتبه بأن القوات الأسترالية ارتكبتها خلال سنوات الحرب الطويلة في أفغانستان.
وكشف كامبل أن التحقيق أظهر أنّ 25 عنصراً من الوحدات الخاصة الأسترالية ضالعون في 23 حادثة ارتكبوا خلالها مخالفات ألحقت "وصمة عار" بكتيبتهم وبالجيش وبأستراليا.
كما أوضح كامبل أن من ضمن حالات القتل في "هذا السجل المخزي" قيام ضباط بإجبار مجندين جدد على إطلاق النار على سجين من أجل "أن يكون هذا الجندي قد نفّذ أول عملية قتل له، في ممارسة مروّعة تُعرف باسم تلطيخ اليدين بالدم".
ودعا كامبل إلى سحب بعض ميداليات الخدمة المتميّزة التي منحت للوحدات الخاصة التي خدمت في أفغانستان بين عامي 2007 و2013.
من جانبها حاولت الحكومة الأسترالية التخفيف من وطأة نتائج التحقيق الذي تعهّدت بنشر نسخة منقّحة منه، إذ دعا رئيس الوزراء سكوت موريسون مواطنيه الأسبوع الماضي لأن يستعدّوا لـ"الحقائق الصادقة والوحشية" التي سيتضمّنها.
يذكر أن موريسون كان قد أعلن الأسبوع الماضي تعيين مدّع عدلي خاص للتحقيق في جرائم الحرب المفترضة، في خطوة تهدف إلى قطع الطريق على محاكمة الجنود الأستراليين أمام المحكمة الجنائية الدولية.
ونشر أكثر من 26 ألف جندي أسترالي في إطار التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة منذ 11 أيلول/سبتمبر 2001. وغادرت القوات القتالية الأسترالية أفغانستان في 2013.
ومنذ ذلك الحين تنقل وسائل الإعلام الأسترالية اتهامات خطيرة للغاية ضد القوات الأسترالية من بينها قضية سجين قتل على ما يبدو لإخلاء مقعد في مروحية أو مقتل طفل في السادسة من عمره في مداهمة منزل.
وسعت الحكومة في البداية إلى إغلاق حسابات مبلغين عن هذه الاتهامات، بينما هاجمت الشرطة الصحفيين الاستقصائيين الذين قاموا بنقلها.
من جهته أجرى المفتش العام لقوات الدفاع الأسترالية تحقيقاً استمر أربع سنوات في "شائعات ومزاعم" عن "انتهاكات محتملة لقانون النزاعات المسلحة".
ويتمتع الجيش بشعبية كبيرة في أستراليا. وقد ساهمت مشاركته في معارك في الخارج من غاليبولي إلى كوكودا في تشكيل هوية القارة الجزيرة ككيان منفصل عن القوة الاستعمارية البريطانية.