توفيت الفنانة السويسرية إيفلين بوريه أمس 1 يونيو/حزيران 2021 عن عمر 82 عاماً، ورغم كونها سويسرية فإنّها عاشت حوالي 60 عاماً من حياتها في مصر، وقد دفنها أهالي قرية تونس في الفيوم بمقابر المسيحيين في مركز يوسف الصديق.
قصّة إيفلين بوريه مثيرة للعجب والانتباه، فهي ليست مصريّة لكنّها أحبّت مصر كالمصريين، عندما جاءت إلى مصر في الستينيات أخذها سحر قرية الفيوم التي قرّرت أن تعيش فيها طوال عمرها.
في البداية جاءت إيفلين بوريه في رحلةٍ سياحيّة من سويسرا إلى مصر في منتصف الستينات، رافقت فيها والدها القسّ. كانت خطّة إيفلين سياحية فقط ستعود بعدها إلى بلادها سويسرا، حيث درست الفنون التطبيقية في جامعة جنيف.
لكنّها التقت الشاعر المصري الكبير المصري سيد حجاب، والذي اشتهر بقصائده عن مصر. واستمرّ زواجهما 5 سنوات ثمّ انفصلا. لكنّ هذا لم يعنِ أبداً انفصال إيفلين بوريه عن مصر، التي أصبحت بلادها بحكم الأمر الواقع.
عادت بوريه إلى بلادها لفترة، ثمّ جذبها الحنين مرةً أخرى لمصر، فأكثر ما جذبها في بلاد النيل مدينة الفيوم، عندما أبهرتها الحياة البسيطة التي يعيشها أهل الفيوم بالقرب من بحيرة قارون، إلى جانب الخضرة والمناظر الطبيعية الخلابة. لملمت إيفلين بوريه ما تبقّى لها في سويسرا وعادت إلى مصر.
عندما عادت إيفلين بوريه إلى مصر اشترت قطعة أرض في قرية تونس بالفيوم، وبنت بيتها البسيط عليها. لم يكن بالقرية مرافق كالتي في القاهرة مثلاً، وهكذا عاشت إيفلين بوريه مثل أهل القرية، تستخدم "اللمبة الجاز" عندما تحتاج الضوء في المساء، وتعيش تماماً مثل الفلاحين في القرية.
استخدمت إيفلين بوريه ما تعلّمته في كلية الفنون التطبيقية بجنيف لتبدأ مشوارها الفني في قرية تونس. وبعد 10 سنوات من العيش مع أهل قرية تونس بالفيوم، نظّمت إيفلين أوّل معرض فنّي لمنتجاتها من الخزف.
ومع المعرض الذي جذب فنانين من مختلف الأنحاء تنبّهت السلطات للاهتمام بالقرية التي أصبحت لاحقاً أحد أهمّ المزارات السياحية في مدينة الفيوم. ولاحقاً، وبسبب نقطة الجذب التي أنشأتها إيفلين ازداد اهتمام المسؤولين المصريين ودخلت الكهرباء والمياه إلى القرية.
لكنّ إيفلين لم تكتفِ بعرض أعمالها الخزفيّة في معرضها الذي كان يقام بشكل سنوي ويقصده مبدعون وفنانون من حول العالم، بل حوّلت أهل القرية الذين يمتهنون صناعة الخزفيات والفخار إلى تجّار معها، فجعلتهم يشاركون في معارضها، كما كانت معارضها نقطة جذب لكثير من السياح الذين اكتشفوا بطبيعة الحال المنتجات التي يقوم بتصنيعها أهل القرية. وهكذا حوّلت إيفلين بوريه القرية إلى موطن جذب، وأصبحت نعمةً على أهالي القرية الذين يحبّونها ويقدّرونها.
بلهجةٍ مصريّة مكسّرة بعض الشيء قالت إيفلين بوريه إنّها استقرّت في قرية تونس بالفيوم عام 1979، أي منذ 42 عاماً، إلا أنّ بداية قدومها واستقرارها في مصر كان قبل ذلك بحوالي 15 عاماً أخرى كما ذكرنا. ورغم طلاق بورين وسيد حجاب بعد 5 سنوات من زواجهما فإنّها استمرّت في حياتها وتزوّجت من السيد "ميشيل باستوري". ووفقاً لما يذكره موقع بوابة الأهرام، فإنّ إيفلين أنجبت المهنديس أنجيلو الذي يتولى حالياً مسؤولية إدارة مدرسة الفخار التي أسستها والدته. كما أنجبت "ماريا" التي تزوّجت من رجل مصري ولديها منه ابنان.
وقد حصلت إيفلين بوريه على الجنسية المصرية بعد ثورة يناير. وكانت حياتها بسيطة للغاية وهي التي تركت أضواء جنيف لتسكن بالقرب من بحيرة قارون في الفيوم. وعندما كانت تقصدها وكالات الأنباء والصحف العالمية لإجراء حوارات معها كانت تفضّل أن تقدّم لهم الفنانين المحليين من أهل القرية.
وهكذا رحلت إيفلين بوريه، تاركةً ذكرى جميلة لأهالي القرية جميعاً، وتاركةً أثراً سياحياً لا يُنسى في بلادها الحقيقية مصر.