ما زالت السياحة المصرية تعاني من وطأة أزمة فيروس كورونا، رغم تحسن الأوضاع ببطء هذا العام، ولكن المسؤولين المصريين يراهنون من جانبهم على سلسلة من الاكتشافات الأثرية الضخمة وتنظيم فعاليات مبهرة لاستعادة السياحة.
فبينما بدأت بعض الدول الأوروبية فتح أبوابها أمام السياح من مختلف أنحاء العالم، تحاول مصر بالفعل منذ شهور جذبهم إلى مواقعها الأثرية ومتاحفها. ويراهن المسؤولون على أن الاكتشافات الأثرية الجديدة ستُميزها في سوق السياحة في وسط الجائحة وبعدها، حسبما ورد في تقرير لشبكة Voice of America الأمريكية.
وتمثل عودة السياحة المصرية أهمية كبيرة لاقتصاد البلاد، الذي يعتمد على السياحة كمصدر أساسي للعملة الأجنبية.
لكن مصر، مثلها مثل البلدان الأخرى، مستمرة في محاربة فيروس كورونا، وتجاهد لتطعيم شعبها. وقد تلقت البلاد، حتى الآن، 5 ملايين جرعة لقاح فقط لسكانها البالغ عددهم 100 مليون نسمة، وفقاً لوزارة الصحة. وفي أوائل مايو/أيار، أعلنت الحكومة أن مليون شخص تلقوا اللقاح، ويُعتقد أن هذا الرقم قد ارتفع الآن.
السياحة المصرية تراهن على الاكتشافات الجديدة
حرصت السلطات على تشغيل آلة الدعاية، وتركيز اهتمامها على الاكتشافات الجديدة، حسب الشبكة الأمريكية.
ففي نوفمبر/تشرين الثاني، أعلن علماء الآثار اكتشاف ما لا يقل عن 100 تابوت قديم يعود تاريخها إلى العصر الفرعوني المتأخر والعصر اليوناني البطلمي، إلى جانب 40 تمثالاً مذهباً عثر عليها بعد 2500 عام من دفنها. وجاء هذا الاكتشاف بعد شهر من اكتشاف 57 تابوتاً آخر في الموقع نفسه، مقبرة سقارة التي تضم الهرم المدرج.
وقال وزير السياحة والآثار خالد العناني أثناء إعلانه اكتشاف نوفمبر/تشرين الثاني: "سقارة كنز"، مقدراً أنه حتى الآن لم يُكتشف سوى 1% مما يضمه الموقع.
قال: "مشكلتنا الآن هي أننا لا نعرف كيف يمكننا إبهار العالم بعد ذلك".
وبالفعل سعت مصر مؤخراً إلى إبهار العالم بتاريخها وآثارها، وهي تراهن أن ينعكس ذلك إيجابياً على السياحة المصرية.
ففي أبريل/نيسان، أعلن زاهي حواس، أشهر عالم آثار مصري، عن اكتشاف مدينة مفقودة عمرها 3000 عام في جنوب الأقصر، تضم منازل من الطوب اللبن وتحفاً وأدوات من العصر الفرعوني. ويعود تاريخها إلى عصر أمنحتب الثالث من الأسرة الثامنة عشرة، التي تعتبر فترة حكمها (1390-1353 قبل الميلاد) من العصور الذهبية في مصر القديمة.
وأعقب هذا الاكتشاف عرض مُعدّ للتلفزيون يحتفي بنقل 22 مومياء ملكية في البلاد من وسط القاهرة إلى مثواها الجديد في المتحف القومي للحضارة المصرية في أقصى الجنوب في العاصمة.
وتضم مدينة شرم الشيخ السياحية المطلة على البحر الأحمر الآن متحفاً أثرياً، وكذلك مطار القاهرة الدولي، وكلاهما افتتح مؤخراً. وقال المسؤولون أيضاً إنهم ما زالوا يخططون لافتتاح المتحف المصري الكبير الجديد بجوار أهرامات الجيزة بحلول يناير/كانون الثاني، بعد سنوات من التأجيل. وخفضت مصر أيضاً رسوم الدخول للمواقع الأثرية وكذلك تكلفة التأشيرات السياحية.
وقال الدكتور خالد العناني، وزير السياحة والآثار، إن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وجه بأن يكون حفل افتتاح المتحف الكبير أكثر إبهاراً من حفل المومياوات، وكشف أن الأخير احتاج إلى ١٨ شهراً من العمل.
الوضع يتحسن
وكثيراً ما تستغل الحكومة تاريخها القديم للترويج للسياحة، في إطار جهود استمرت لسنوات لإحياء صناعة السياحة المصرية المنهارة. وكانت السياحة قد تلقت ضربة شديدة أثناء وبعد الثورة الشعبية التي أطاحت بالحاكم المستبد حسني مبارك والاضطرابات التي أعقبت ذلك. ووجّه فيروس كورونا ضربة أخرى مماثلة لها، في الوقت الذي بدأت فيه الوقوف على قدميها من جديد.
وعام 2019، بلغت عائدات السياحة المصرية الأجنبية 13 مليار دولار. واستقبلت مصر حوالي 13.1 مليون سائح أجنبي، في عودة لمستويات ما قبل عام 2011 لأول مرة. لكنها عام 2020 استقبلت 3.5 مليون سائح أجنبي فقط، بحسب العناني.
في المتحف القومي للحضارة المصرية الذي افتتح حديثاً، كان المرشد السياحي محمود الريس يقود مجموعة صغيرة من السياح الأوروبيين في القاعة التي تضم المومياوات الملكية.
وقال: "كان عام 2019 رائعاً. لكن كورونا قلب كل شيء، وكان ضربة قوية".
وقال العناني لوكالة أسوشيتد برس، في مقابلة أجرتها معه مؤخراً، إن حركة السياحة تحسنت في الأشهر الأولى من عام 2021، على أنه لم يقدم أرقاماً محددة. وأعرب عن تفاؤله بزيادة تحسنها بقية العام.
وقال: "مصر وجهة مثالية في فترة ما بعد كوفيد-19، حيث إن سياحتنا تعتمد بالفعل على الأماكن المفتوحة".
وقال خالد العناني، وزير السياحة والآثار، لقناة CNBC العربية، إن عدد السياح الذين قدموا إلى مصر منذ بداية العام الجاري وصل إلى 1.5 مليون سائح وهذا يعتبر تحسناً كبيراً مقارنة بالعام الماضي، موضحاً أن العام الماضي انتهى بقدوم 200 ألف سائح لمصر في الشهر، وارتفع العدد في يناير/كانون الثاني 2021 إلى 250 ألف سائح، ثم 320 ألف سائح في فبراير/شباط وواصل العدد ارتفاعه إلى 450 ألف سائح في مارس/آذار ثم 525 ألف سائح في أبريل/ نيسان".
المشكلة تظل في الفيروس وليس الآثار ولا المتاحف
ولكن تقرير الشبكة الأمريكية يقول: علينا أن ننتظر لنرى إن كانت البلاد تسيطر على الفيروس فعلاً. فقد بلغ إجمالي عدد حالات الوفاة جراء الإصابة بالفيروس 14,950 حالة، ولا تزال تسجل أكثر من ألف حالة إصابة جديدة يومياً.
ومثل البلدان الأخرى، يُعتقد أن الأرقام الحقيقية أعلى من ذلك بكثير. ولكن في مصر، تعتقل السلطات الأطباء وتسكت المنتقدين الذين يشككون في أرقام الحكومة، ولذا تسود مخاوف إزاء أن المعلومات المتعلقة بانتشار الفيروس ليست صحيحة منذ البداية.
كما مرت مصر بتجربة صعبة في بداية انتشار الجائحة، حين تفشى فيروس كورونا على أحد زوارقها السياحية في نهر النيل. وأغلقت حدودها في البداية بشكل كامل حتى صيف عام 2020، لكنها أعادت فتحها مرة أخرى أمام السياح، وبدأت بالمدن السياحية المطلة على البحر الأحمر، والآن فتحت مركز البلاد، القاهرة ووادي النيل، الذي يضم معظم المواقع الأثرية الشهيرة. ولا يزال يتعين على الزائرين تقديم ما يثبت عدم إصابتهم بكوفيد-19 لدخول البلاد.
وفي سبب آخر يدعو للتفاؤل بالنسبة إلى السياحة المصرية، إذ قالت روسيا في أبريل/نيسان إنها تخطط لاستئناف الرحلات الجوية المباشرة إلى المدن السياحية المصرية المطلة على البحر الأحمر. وكانت موسكو قد أوقفت الرحلات الجوية بعد أن ضرب التنظيم المحلي التابع لتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) طائرة ركاب روسية فوق شبه جزيرة سيناء في أكتوبر/تشرين الأول عام 2015، ما أسفر عن مقتل جميع من كانوا على متنها.
يقول الريس، المرشد السياحي، إنه يرى أن السياح بدأوا في التدفق إلى البلاد بأعداد أكبر، لكنه يدرك أن التعافي التام لن يحدث بين ليلة وضحاها.
وقال: "عودة الوضع إلى ما كان عليه قبل كورونا ستستغرق بعض الوقت".