عرض بشار الأسد مسرحية انتخابية مبتذلة بأبشع طرق التهكم والسخرية من الديمقراطية وإرادة الشعب، وهو الذي لم يقدم للشعب السوري طيلة عشر سنوات خلت سوى الدماء والتعذيب والدموع والجوع والفقر.
بالطبع كانت نتائج هذه المسرحية معلومة منذ البداية، كما أن المرشحَيْن الآخرَين على الأغلب هما أيضاً صوّتا لبشار، حيث لم يحُز هذان المرشحان سوى 5% من الأصوات تقريباً. وفي النهاية أعلن رئيس مجلس الشعب السوري حمود صباغ، أن رئيس النظام الحالي بشار الأسد فاز في الانتخابات بـ13 مليوناً و540 ألفاً و360 صوتاً، أي ما يعادل 95.1% من مجمل الأصوات.
بالطبع نتساءل أيّ جانب من جوانب المسرحية الانتخابية التي تمثل كوميديا مأساوية من البداية حتى النهاية، يمكن أن يقبله العقل والمنطق؟
بحسب ما قيل بأن مجموع الذين صوّتوا في الانتخابات وصل إلى 14 مليوناً و239 ألفاً و140 صوتاً، فإنّ هذا العدد يفوق عدد السوريين الذين كان يحق لهم التصويت قبل أن تبدأ الحرب حتى. إذن أين عثر على هذا الكم الكبير من السوريين، وكيف تم نقلهم إلى مراكز الاقتراع.
هناك العديد من المشاهد انتشرت لعمليات تصويت تثير الضحك والشفقة، أحد هذه المشاهد الكوميدية المأساوية لجندي يضع بصمات أصابعه على عشرات البطاقات الانتخابية، وزجّها في صندوق الاقتراع، أو موظف يجلس على كرسيه ويبصم عن الأشخاص الذين يظهرون أمامه يشاهدونه، وهناك العديد من المشاهد المخجلة الأخرى.
دعونا نكمل من حيث بدأنا حول مسألة عدد الناخبين السوريين المشاركين في الانتخابات، كم عدد السوريين برأيكم الذين يعيشون في المناطق التي يسيطر عليها الأسد حاليّاً في سوريا، أي التي يمكنه فيها إنشاء مراكز اقتراع؟
لقد أشرنا من قبل مراراً إلى أنه منذ بداية الأزمة السورية هاجر 4 ملايين على الأقل إلى تركيا، و3 ملايين نحو لبنان والأردن، و1.2 مليون إلى ألمانيا، وما يقرب من مليون إلى باقي الدول الأوروبية. ولا يزال هناك 5 ملايين شخص يعيشون الآن خارج مناطق سيطرة النظام، في مناطق عمليات "نبع السلام" التركية، و"درع الفرات"، و"غصن الزيتون". إضافة لكل ذلك هناك أيضاً المناطق الواقعة فعليّاً تحت سيطرة الولايات المتحدة، وهي مناطق لا تخضع لسيطرة النظام السوري على الإطلاق، ويتراوح عدد سكانها ما بين 2 إلى 3 ملايين.
هذا يعني أن ما لا يقل عن 15 مليون سوري يعيشون الآن خارج مناطق سيطرة النظام، وبما أن عدد السوريين قبل الأزمة السورية كان يبلغ 22 مليون نسمة، فمن الواضح أن ما لا يزيد عن 7 إلى 8 ملايين يعيشون الآن في مناطق سيطرة النظام السوري.
نحن نتحدث عن 7 إلى 8 ملايين كرقم إجمالي، وليس عدد الذين يحق لهم الانتخاب، الذي سيكون أقل بكثير من ذلك أصلاً، لكن ومع ذلك فإن النظام يقول إن إجمالي عدد أصوات الناخبين بلغ 14 مليوناً و239 ألفاً، ولذلك نقول إذا لم يكن النظام قد استورد مواطنين أجانب آخرين إلى سوريا فإن هذا الرقم يبقى مجرد جانب آخر من جوانب المهزلة الانتخابية.
في الواقع، تقوم العديد من الأنظمة العربية والشرق أوسطية بعمليات انتخابات استعراضية من أجل إظهار أنها تتمتع بديمقراطية ما. وفي أغلب الأحيان -إن لم يكن كلها- تُحدد النتائج قبل أن تُعقد الانتخابات أصلاً، بالطبع الهدف من هذه المسرحية الهزلية هو إضفاء "شرعية" على بقاء هذا النظام في الحكم، وفي الغالب يحصد نسبة 90% فما فوق.
وبالفعل تتبنى العديد من الأنظمة هذا النوع الساخر من الانتخابات، لدرجة أنه بات موضوعاً للتندر والضحك بين الناس.
تقول الطرفة الشهيرة، إن رئيساً أمريكياً فاز في الانتخابات لكنه لم يحصد أكثر من 51% فقط، التقى بعد فوزه بديكتاتور مصر الراحل حسني مبارك، وتعجب كيف يمكن له أن يحصل على نسب عالية جداً ويحكم لمدة 30 عاماً، ما جعل الرئيس الأمريكي يطلب من مبارك المساعدة في "تنظيم" الانتخابات، وبالفعل مبارك لم يرفض، بل لبّى هذا الطلب، وأرسل فريقه لمساعدة ذلك الرئيس الأمريكي، وعند فتح صناديق الاقتراع تبيّن أن حسني مبارك فاز بالرئاسة الأمريكية بنسبة 99%.
هناك نكتة أخرى أيضاً، عن ناخب أراد أن يفرغ غضبه في صندوق الاقتراع ويصوت بـ"لا"، إلا أنه بعدما فعل ذلك وخرج من دائرة الاقتراع اعتراه خوف شديد جعله يعود مرة أخرى نحو الصندوق، ليقول للمسؤولين هناك إنه يريد التحقق فيما لو كان أدلى بصوت خاطئ لم يكن يقصده. ردّ عليه المسؤولون بطريقة غاضبة "حسناً حسناً، نحن عرفنا ذلك وأصلحنا الخطأ نيابة عنك، لكن إياك أن تكرّر ذلك!".
مئات النكات الأخرى التي انتشرت عبر مواقع التواصل الاجتماعي خلال مسرحية الانتخابات السورية الأخيرة، تشير إلى أن ما حدث لم يكن نكتة في الواقع، بل حقيقة، أو بالأحرى أشارت إلى قدر يسير من الحقيقة.
يبقى الجزء المثير والمؤسف في الأمر هو أن هذه المسرحيات الرديئة التي تنظمها تلك الأنظمة يتم تقديمها تحت غطاء الديمقراطية. والأمر الأكثر سوءاً هو أن النقد الإسلامي لهذه الأنظمة يتم إظهاره على أنه نقد للديمقراطية. بحجة أن هذه الصور تقدم للناس الذين يعيشون في ظل حكم هذه الأنظمة على أنها هي الديمقراطية بحد ذاتها، ثم يطرحون سؤالاً: هل يمكن أن يتوافق الإسلام مع الديمقراطية أم لا؟ بالطبع الجواب "لا" في مخيلتهم.
ولذلك يكون من المحتم على الحركات الإسلامية التي تعيش في ظل حكم تلك الأنظمة أن تكون عدوّاً لديمقراطية هذه الأنظمة بشكل راديكالي عبر خطاباتها، إلا أن الديمقراطية في الواقع بعيدة عن هذه الأنظمة، ولا يمكن لمثل هذه الأنظمة أن تمثل الديمقراطية.
وفي النهاية نخرج أمام صورة حتمية قائمة على أن ما يسمّى بالحركات الإسلامية تهدف لتطبيق نظام غير ديمقراطي، بما أنها معادية للديمقراطية. وفي الحقيقة تعمل هذه الحركات الإسلامية -من غير أن تدرك- على تقوية أنظمة الاستبداد القائمة، وهذا بحد ذاته يشكل أحد أكثر مظاهر الحركة الإسلامية تناقضاً فيما يتعلق بالديمقراطية، حيث تحاول الحركات الإسلامية تفريغ غضبها جراء القمع الذي عانته من الأنظمة الاستبدادية الحالية، من خلال خطاب معارض أو مُعادٍ للديمقراطية.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.