"رأيته، يطير بشكل مختلف عن أي جسم معروف، فلقد كان يتحرك كـ"كرة البينغ بونغ"، هكذا وصف طيار أمريكي جسماً فضائياً غامضاً شاهده بعينه، في واحدة من أخطر الوقائع المثبتة التي شوهدت فيها الأطباق الطائرة.
وانتقل ظاهرة الأطباق الطائرة من كونها أسطورة أو مسألة تجلب السخرية، إلى كونها قضية تستدعي تحقيقاً من الكونغرس الأمريكي والبنتاغون، بعدما أصبح ظهورها يتكرر كثيراً أمام الطيارين الأمريكيين لا سيما طياري البحرية.
ومن المتوقع أن تقدم وكالات الاستخبارات الأمريكية تقريراً عن "ظواهر جوية غير محددة" إلى الكونغرس في شهر يونيو/حزيران 2021، وهي الظواهر المعروفة شعبياً باسم الأطباق الطائرة وتثير اهتماماً في أوساط أمريكية عليا من بينها الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما والبنتاغون.
ويؤمل أن يكشف التقرير كيف تعاملت الحكومة الأمريكية مع هذه الأجسام أو الأطباق الطائرة الغامضة، وما إذا كان هناك أي تفسير منطقي لها.
ويهدف التقرير غير السري، الذي أعده مدير المخابرات الوطنية ووزير الدفاع الأمريكي، إلى نشر ما يعرفه البنتاغون عن الأجسام الطائرة المجهولة والبيانات التي تم تحليلها من الوقائع التي شهدها العسكريون الأمريكيون، حسبما ورد في تقرير NBC news الأمريكي.
وبينما كانت الأجسام الطائرة المجهولة جزءاً من الأساطير الأمريكية لعقود، إلا أن هذا التقرير مختلف.
فلقد اكتسبت المناقشات حول مشاهدات الأجسام الطائرة المجهولة زخماً في السنوات الأخيرة بعد أن ظهرت عدة صور ومقاطع فيديو مسربة من البحرية الأمريكية تظهر أجساماً غامضة في المجال الجوي الأمريكي.
أوباما يتبنى وجهة النظر القائلة باحتمال وجود الأطباق الطائرة
تغيَّرَت المواقف تجاه الأطباق الطائرة ببطء، خاصةً في الولايات المتحدة، حيث انتقل الموضوع من الهامش إلى المتن وأصبح سائداً، حتى إن الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما أعرب عن رأيه عن احتمال وجود هذه الأطباق، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The Guardian البريطانية.
وبعد إعادة تسمية هذه الأطباق باسم "الظواهر الجوية مجهولة الهوية"، شهد العام 2021 أول مناقشة جادة على الإطلاق حول أشياء طائرة غير معروفة. وفي يونيو/حزيران المقبل، من المُقرَّر أن يصدر البنتاغون تقريراً مُتوقَّعاً عن هذه الظواهر، وقد غذَّى الإثارة بشأن هذا الكشف عددٌ كبيرٌ من الشهود الذين قدموا لمشاركة تجاربهم مع برنامج 60 Minutes الإخباري الشهر الجاري.
كان أوباما من بين العديد من الشخصيات العامة الذين أضافوا آرائهم حول "الظواهر الجوية مجهولة الهوية".
قال أوباما في مقابلةٍ مع شبكة CBS الأمريكية: "هناك لقطاتٌ وتسجيلاتٌ لأجسامٍ في السماء، لا نعرف ما هي بالضبط، ولا يمكننا شرح كيفية تحرُّكها ومسارها". وأضاف: "لم يكن لديهم نمطٌ يمكن تفسيره بسهولة، لذا أعتقد أن الناس لا يزالون يأخذون محاولة التحقيق ومعرفة ماهية هذه الأجسام على محمل الجد".
وقال السناتور الجمهوري ماركو روبيو لبرنامج 60 Minutes: "أريد أن نأخذ الأمر على محمل الجد".
ما الذي تغيَّر في الولايات المتحدة إذاً؟ شهادات طيارين وبيانات الرادارات
"في السنوات الثلاث الماضية، ارتقى الأمر من مستوى الشائعات إلى الأدلة الدامغة، حسبما يقول نيك بوب الذي كان في أوائل التسعينيات يحقق في الأجسام الطائرة المجهولة لصالح وزارة الدفاع البريطانية، والمقيم حالياً في ولاية أريزونا الأمريكية.
ويضيف: "هذه الأدلة ليست فقط شهاداتٍ من الطيَّارين العسكريين الذين شاركوا في مواجهاتٍ مع هذه الأشياء، ولكن أيضاً بيانات الرادار ومقاطع فيديو بالأشعة تحت الحمراء شاهدها الجميع".
في السنوات الأخيرة، صدرت سلسلةٌ من مقاطع الفيديو الحكومية التي تُظهِر هذه الأجسام المجهولة، بما في ذلك مقاطع من طائرةٍ مقاتلة تابعة للقوات البحرية من طراز إف-18 أظهرت جسماً مستطيلاً يطير في السماء بالقرب من سان دييغو عام 2004.
سُرِّبَت الصور ومقاطع الفيديو التي التُقِطَت في أبريل/نيسان من ذلك العام من قِبَلِ أفرادٍ في البحرية على الإنترنت، وتُظهِر أجساماً على شكل مثلث تحلِّق في السماء، وفي مايو/أيَّار أظهرت لقطاتٌ عسكرية مُسرَّبة جسماً طائراً بيضاوياً بالقرب من سفينةٍ بحرية في سان دييغو- وهي نقطة جذبٍ على ما يبدو للأجسام الطائرة المجهولة.
قال ريان غريفر، طيَّار بحري متقاعد، لبرنامج 60 Minutes الأمريكي الشهير، إن أفراد البحرية رأوا أجساماً طائرة مجهولة الهوية بشكلٍ متكرِّر، إلى درجة أنها أصبحت معتادة بالنسبة لهم، "كلَّ يومٍ لمدة عامين على الأقل".
ففي يوم الأحد 23 مايو/آيار، أجريت مقابلة لطيارين سابقين في البحرية في برنامج "60 دقيقة" على شبكة سي بي إس نيوز حول رؤية جسم غامض فوق المحيط الهادئ في عام 2004.
اكتشف قائد المجموعة أليكس ديتريش جسماً مجهولاً خلال تمرين، لكنه لم يتمكن من تصنيفه، حسبما ورد في المقابلة.
ولكن وصفه ضابط آخر يدعى فرافور بأنه "جسم صغير أبيض"، مضيفاً أنه يفتقر إلى أعمدة العادم التقليدية وليس له أجنحة أو علامات مرئية.
وقال الطيارون إن الجسم تحرك بشكل متقطع.
في مقابلة مع NBC News تم بثها في فبراير/شباط الماضي، وصف فرافور الجسم الفضائي بأنه "أغرب شيء رأيته يطير في حياتي وأكثرها غموضاً".
وقال فرافور لبرنامج "النظرة العامة" على شبكة NBC، إن الجسم كان يقفز "مثل كرة بينغ بونغ (تنس الطاولة)".
وأضاف أنه اقترب من الجسم الغامض لإلقاء نظرة فاحصة عليه، بدأ الجسم يعكس تحركاته، ويقول الطيار إنه عندما وصل إلى مسافة نصف ميل من الجسم الغريب، اختفى الجسم فجأة.
البحرية الأمريكية تضع إرشادات للتعامل مع الأجسام المجهولة
في عام 2019، وضعت البحرية إرشادات جديدة للطيارين للإبلاغ عن "طائرات مجهولة الهوية"، في محاولة لإضفاء الطابع الرسمي على عملية للتحقيق في هذه الأنواع من المشاهد الغامضة.
جاء التوجيه المحدث كرد فعل على "عدد من التقارير عن دخول طائرات غير مصرح بها و/ أو غير محددة الهوية إلى نطاقات مختلفة يسيطر عليها الجيش والبحرية"، حسبما قال مسؤولون في البحرية الأمريكية لموقع "Politico" في ذلك الوقت.
في عام 2020، رفعت وزارة الدفاع الأمريكية السرية عن ثلاثة مقاطع فيديو التقطها طيارون في البحرية- واحد من عام 2004 واثنان من عام 2015- أظهرت أجساماً غامضة تطير بسرعات عالية عبر السماء.
وقال مسؤولو البنتاغون في بيان في ذلك الوقت: الظواهر الجوية التي لوحظت في مقاطع الفيديو لا تزال توصف بأنها "غير معروفة".
تم تسريب مقاطع الفيديو الثلاثة قبل سنوات، لكن مسؤولي البنتاغون قالوا إنهم رفعوا السرية عن اللقطات "لتوضيح أي مفاهيم خاطئة من قبل الجمهور حول ما إذا كانت اللقطات التي تم تداولها حقيقية أم لا، أو ما إذا كان هناك المزيد من مقاطع الفيديو أم لا".
الطيارون يخشون الإبلاغ عن الأطباق الطائرة خشية ضياع مستقبلهم المهني
وبالنسبة إلى تيد رو، الذي يدير المركز الوطني لإعداد تقارير الطيران حول الظواهر الشاذة، وهي مؤسسة غير ربحية يمكن للطيَّارين وغيرهم إبلاغها عن تجاربهم مع الظواهر الطائرة المجهولة، كان هذا مجرد تأكيد لما يعرفه بالفعل.
قال رو: "هذا لا يفاجئني على الإطلاق. يحدث هذا كلَّ يومٍ في مكانٍ ما من العالم، وصار يتجلَّى بشكلٍ مُطرَد. ومن خلال محادثاتي الخاصة مع الطيَّارين العسكريين الحاليين والسابقين، أشعر أن التقارير التي أحصل عليها ليست إلا قمة جبل الجليد".
ورغم شيوع الحديث عن الأجسام الطائرة المجهولة، قال رو إن الأمر لا يزال يمثِّل وصمة عار على من يدلي بشهادته.
وأضاف رو: "لا أحد على استعدادٍ للمخاطرة بحياته المهنية أو سمعته في هذا الموضوع حتى الآن. الطيَّارون لا يتصلون بنا إلى أن يتقاعدوا عن العمل. ويعتقد أن الحالات التي يتم إبلاغه بها تمثل نحو نصف عدد الحالات التي تحدث جراء خوف الباقين من كشف شهاداتهم بسبب قلقهم على وظائفهم وحياتهم المهنية في مجال الطيران".
كانت جميع الحكومات متردِّدة في السابق حتى في الاعتراف بأنها تراقب الظواهر الجوية مجهولة الهوية.
برامج أمريكية سرية
في عام 2007، أطلقت وزارة الدفاع الأمريكية "برنامج تحديد التهديدات الفضائية المتقدِّم" للتحقيق في الأجسام الطائرة المجهولة. كان هذا الجهد سرياً؛ إلى درجة أن الجمهور لم يكن على علمٍ به إلا بعد 10 سنوات، بعد تحقيقٍ أجرته صحيفة New York Times الأمريكية.
في أغسطس/آب 2020، أنشأت وزارة الدفاع فرقة العمل المعنية بالظواهر الجوية غير المحددة للتحقيق و"اكتساب نظرة ثاقبة" في "طبيعة وأصول" الأجسام الطائرة المجهولة الهوية، وفقاً لموقع NBC news الأمريكي.
ومع انتشار اللقطات المُسرَّبة أو المنشورة رسمياً، تنامت المطالبات بالشفافية من جانب الجمهور والسياسيين، مِمَّا دفع وكالة الاستخبارات المركزية إلى إصدار آلاف الوثائق حول الظواهر الجوية المجهولة في يناير/كانون الثاني 2021.
الكونغرس يلزم الحكومة بكشف الأمر
كان روبيو، نائب رئيس لجنة الاستخبارات بمجلس الشيوخ، جزءاً من مجموعةٍ من المسؤولين المنتخبين الذين نجحوا في دفع قانون يأمر الوكالات الحكومية بتقديم "تحليلٍ مُفصَّل لبيانات واستخبارات الظواهر الجوية المجهولة"، و"وصفٍ مُفصَّل لعمليةٍ مشتركة بين الوكالات" للإبلاغ عن الأجسام الطائرة المجهولة. ويتعيَّن تسليم التقرير بحلول 25 يونيو/حزيران المقبل.
وقال روبيو لصحيفة Tampa Bay Times في منتصف مايو/أيَّار الجاري: "إن الرجال والنساء الذين عهدنا إليهم بالدفاع عن بلادنا يبلغون عن أجسامٍ طائرة مجهولة ذات قدراتٍ فائقة".
وأضاف: "لا يمكننا أن نسمح لشيءٍ بمنعنا من التحقيق بجديةٍ في الأمر. والتقرير القادم هو خطوةٌ واحدةٌ في تلك العملية، لكنه لن يكون الخطوة الأخيرة".
وأشعلت فورة مقاطع الفيديو الأخيرة والإصدار الوشيك للتقرير حالةً من الإثارة حول الأجسام الطائرة المجهولة لم نشهدها منذ سنوات. ومع ذلك، حذَّرَ بوب من أنه بعد سنواتٍ من السرية من وكالات الاستخبارات، لا ينبغي للناس أن يتوقَّعوا من الحكومة الإفراج عن كلِّ ما تعرفه عن هذه الأجسام الغامضة في السماء.