مع انتهاء العدوان الإسرائيلي على غزة، بدأت وسائل إعلام مصرية مقربة من النظام بالترويج وتضخيم الدور الإغاثي الذي قامت به مصر، والذي جاء على هيئة قافلة إغاثية ضمت 140 شاحنة وصلت معبر رفح البري جنوب قطاع غزة يوم الأحد 23 مايو/أيار.
ووفقاً لما نقله موقع اليوم السابع نقلاً عن مصادر حكومية من غزة، فقد بلغ إجمالي المساعدات التي تم إرسالها لغزة 2500 طن، تضم مواد غذائية وفواكه مجففة وخضراوات وفواكه ودواجن وألبان أطفال وملابس ومفروشات وسجاداً وأغطية وكمامات طبية وملابس للطواقم الطبية، وبعض الأجهزة الكهربائية وبعض الأدوية.
تعد هذه أول قافلة مساعدات يتم السماح لها بدخول معبر رفح منذ سريان وقف إطلاق النار، لكن اللافت أن إدخال هذه المساعدات لم يحظ باهتمام واسع لدى المسؤولين الحكوميين في غزة والجمعيات الإغاثية، الذين رأوا أن هذه المساعدات لا تشكل أي قيمة إغاثية نظراً لأن أولويات القطاع بعد الحرب لا تقتصر على مواد غذائية وإغاثية أولية، لأن المطلوب هو أكبر من ذلك بكثير.
لا تشكل أي قيمة مضافة
عاطف عدوان المقرر السابق للجنة الاقتصادية في المجلس التشريعي والقيادي في حركة حماس، قال لـ"عربي بوست"، إن هذا الشكل من المساعدات لا يشكل أي قيمة مضافة لقطاع غزة بعد انقضاء الحرب، المطلوب هو تلبية احتياجات ذات أولوية كمساعدات عينية لا تتوافر في القطاع كالأجهزة الكهربائية والسيارات ذات استخدام الطوارئ كسيارات الإسعاف والدفاع المدني ومضخات المياه والصرف الصحي للبلديات، ومولدات كهربائية حديثة ذات قدرة تشغيلية عالية تستطيع تعويض النقص الحاد في الطاقة الكهربائية لمرافق وزارة الصحة.
وأضاف أن قطاع غزة لديه اكتفاء ذاتي بنسبة 80% من المواد الغذائية التي يتم زراعتها محلياً بما فيها لحوم الدواجن، "نحن نتطلع إلى دور أكبر من مصر في الجانب التنموي، كإدخال مساعدات زراعية كجرارات لحراثة الأرض حديثة ومتقدمة، وإدخال السماد اللازم للزراعة والأعلاف للدواجن والماشية كون توافرها في غزة يبدو مستحيلاً في ظل رفض إسرائيل إدخالها إلى غزة كنوع من الابتزاز السياسي، إضافة إلى أننا نتطلع إلى أن تقوم بمصر بالسماح بمرور 1000 من السلع ذات الاستخدام المزدوج التي ترفض إسرائيل إدخالها لغزة منذ 15 عاماً".
وتابع المتحدث أن تقدير تكلفة الدمار الذي تسببت به الحرب على غزة هي 500 مليون دولار بشكل مباشر، ومثلها لتعويض الأضرار غير المباشرة، والحديث عن مرور عشرات الشاحنات لا يشكل أي قيمة أمام حجم الدمار الذي لحق بقطاع غزة.
كانت الحرب الإسرائيلية مركزة بشكل كبير على تدمير مرافق البنى التحتية كضرب منظومة المياه والكهرباء والاتصالات الخلوية والأرضية وتدمير مركز تزويد خدمة الإنترنت "الفايبر" الوحيد في غزة، إضافة إلى استهداف المقار الحكومية بما فيها مقر وزارة الصحة وسط مدينة غزة الذي يضم المختبر المركزي لفحص حالات كورونا.
هذا وقد عانت وزارة الصحة من ضغط شديد في القدرة على توفير مستلزماتها الطبية الأولية لعلاج المصابين، ولكن لم تشمل قافلة المساعدات المصرية لغزة أياً من المواد التي طالبت بها وزارة الصحة.
مساعدات بعيدة عن احتياجات الصحة
يوسف أبوالريش وكيل وزارة الصحة في غزة قال لـ"عربي بوست" إنه تم حصر المساعدات المصرية لغزة وهي مشكورة على جهدها الإغاثي، ولكنها للأسف لا تلبي احتياجات القطاع الصحي المتعددة، نحن نطالب بتوفير احتياجات متعددة الاستخدام في حالة الطوارئ، كالمستهلكات الطبية وقطع الغيار والغازات الطبية، وإجراء ترميمات عاجلة للمنظومة الداعمة كمختبرات دم متطورة، ومحطات توليد الأوكسجين، وأنظمة مساندة ومغاسل حديثة للموتى.
وتابع "هذه الحرب بضخامة الكتلة النارية المستخدمة من قبل الجانب الإسرائيلي بأسلحة تستخدم للمرة الأولى أظهرت العجز الذي تعاني منه وزارة الصحة في التعامل مع حالات الطوارئ، كان قسم الطوارئ يستقبل 30 حالة في كل ساعة من ساعات العدوان دون توقف منذ الساعة الأولى وحتى الساعة الأخيرة للحرب، وهو رقم لم تستطع طواقم الإنقاذ التعامل معه بشكل جيد نظراً للضغط الكبير الذي مورس عليها".
وأكد أنهم يعانون من رصيد صفري بنسبة 40% من المستلزمات الطبية الأساسية، وكنا نأمل أن تضم قافلة المساعدات المصرية جزءاً ولو يسيراً من هذه الاحتياجات الطبية، حتى إنه لم تصل أي سيارة إسعاف من مصر، رغم أن الحد الأدنى من أي مساعدات إنسانية يجب أن تشمل سيارات إسعاف.
وكشف المتحدث أن قيمة ما يجب تمويله لإعادة الوضع الصحي في غزة عما كان عليه قبل الحرب هي احتياجات بقيمة 46 مليون دولار، تم إرسالها بكشف للجهات الدولية على أمل توفيرها، كما أن الموازنة التشغيلية لوزارة الصحة بغزة دون بند الرواتب والعلاج في الخارج تتجاوز 7 ملايين دولار.
من السياسات الدولية الإغاثية التي تكررت في كل الحروب الإسرائيلية على غزة: 2008-2012-2014-2021، أن المساعدات التي يتم تسييرها لغزة بعد انقضاء الحرب تأتي كجانب إغاثي إنساني دون أن تشمل بنوداً تطويرية، وهذا الأمر يؤدي إلى تراكم المشكلات التي تعانيها الجهات الحكومية.
سياسات متكررة
صلاح عبدالعاطي رئيس الهيئة الدولية لدعم الشعب الفلسطيني (حشد) قال لـ"عربي بوست" إنه يجب أن يعاد النظر في شكل المساعدات التي تأتي بعد كل حرب أو اعتداء إسرائيلي، غزة تحتاج إلى أولويات أخرى في مرافق وزارة الصحة والإدارات المدنية والخدماتية الحكومية والأهلية والخاصة كتطوير أقسام الطوارئ في مشافي وزارة الصحة، كونها لا تستطيع التعامل مع عدد كبير من الإصابات، وهذا الأمر طالبنا به من خلال مناشدات أن لا يتم احتساب أي مساعدات عينية غذائية ضمن مساعدات ما بعد الحرب.
وأضاف أن قسم الطوارئ في مشفى الشفاء عاجز عن التعامل مع أعداد كبيرة من الإصابات تأتي في وقت واحد، كما أن الدفاع المدني يحتاج إلى إعادة تطوير ليكون قادراً على التعامل مع حالات القصف والإنقاذ كون معداته بدائية ويدوية مما يؤدي إلى ارتقاء عدد كبير من الشهداء بسبب التأخر في عملية الإنقاذ، وهذا الشكل من المساعدات لم يتم حصرها في المساعدات التي أتت من مصر أو أي جهة أخرى دخلت غزة حتى الآن.
من منظور اقتصادي فإن حجم المساعدات المصرية التي تم تسييرها لغزة، ضمن القافلة التي تم الإعلان عنها، لا تشكل نسبة كبيرة تستحق الإشادة مما يدخل قطاع غزة في الوضع الطبيعي، حيث يتم مرور 400 شاحنة يومياً من معبر كرم أبوسالم التجاري الواصل بين غزة وإسرائيل في الوضع الطبيعي، وما شكلته المساعدات المصرية لغزة لا يتعدى 30% من الاحتياج الطبيعي لغزة.
ناهض الرفاتي أستاذ الاقتصاد في جامعة الأزهر بغزة قال لـ"عربي بوست" إن المساعدات التي تدخل غزة بعد كل حرب تشنها إسرائيل هي عينات فقط من بعض السلع والاحتياجات الإغاثية، وهو أسلوب الإغاثة بالقطارة وتأخذ شكل العلاقات العامة بالحد الأدنى، والمطلوب الآن هو أن تقوم الدول المرتبطة جغرافياً بغزة بفتح المعابر بشكل كامل دون أي اشتراطات لمرور الحالات الإنسانية والسلع ومواد الإعمار دون أن يتم استخدام سياسة الابتزاز وركوب الموجة السياسية لمرحلة الإعمار.
وأضاف: ما نراه من شكل متكرر لمساعدات ما بعد الحرب هو تساوق مع السياسة الإسرائيلية التي تحاول التموضع بإبقاء الخصم محصوراً بسياسة الإعمار ضمن ما تراه مناسباً لها، وعلى الجميع أن يكسر هذه السياسة بعد انتهاء هذه الحرب بالنظر إلى تطوير المنظومة الاقتصادية والإغاثية والإنسانية لغزة وليس محاولة إسعافها لتعود لوضع ما قبل الحرب.