نقل موقع Middle East Eye البريطاني، الجمعة 21 مايو/أيار 2021، عن ساسة وقادة في الفصائل المسلحة بالعراق، قولهم إن المسؤولين الإيرانيين يشعرون بإحباطٍ متزايد نتيجة ما وصفوه بعناد الجماعات العراقية المُسلّحة المتحالفة معهم، لدرجة أن الرجل المكلف بالإشراف عليهم يُريد الاستقالة من منصبه احتجاجاً، وذلك في خطوة هي الأولى من نوعها.
حيث مثّلت الفصائل المسلحة في السنوات الأخيرة جزءاً أساسياً في سياسة إيران داخل العراق، فقد ضمِنوا لإيران دوراً رسمياً وغير رسمي متزايد بالبلاد، خاصةً في أعقاب ظهور تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) عام 2014.
لكن قيام أمريكا باغتيال الجنرال قاسم سليماني في بغداد عام 2020 قد خفّف قبضة طهران على وكلائها العراقيين، الذين صاروا أكثر تمرداً بالتزامن مع سعي إيران للتوصل إلى اتفاقٍ مع واشنطن لرفع العقوبات، وفق الموقع البريطاني.
مفاوضات إيران
إذ أثارت المحادثات الجارية بين إيران والولايات المتحدة في فيينا، بشأن العودة للاتفاق النووي المُوقّع عام 2015، قلق الفصائل العراقية المسلحة التي تخشى أن تتخلَّى عنها طهران مقابل رفع العقوبات.
إضافة إلى ذلك، بدأت إيران مفاوضات أخرى مع المملكة العربية السعودية؛ في محاولةٍ لتهدئة توترات وأزمات المنطقة، خاصةً في اليمن ولبنان.
رداً على ذلك، سعت الفصائل المسلحة إلى مزيد من الاستقلالية، وزادت هجماتها على القوات الأمريكية في العراق، مخالِفةً بذلك الأوامر الإيرانية.
في هذا الإطار، تقدّم الجنرال حيدر الأفغاني، ضابط الحرس الثوري الإيراني المسؤول عن الجماعات المسلحة العراقية، بطلب نقل خدمته خارج العراق الأسبوع الماضي، بحسب تصريحات قادة الفصائل المدعومة من إيران للموقع البريطاني.
من جانبه، قال أحد القادة العراقيين إنه فعل ذلك "نظراً إلى فشله في مهمته ورفض قادة عدد من الفصائل العراقية المسلحة الانصياع لأوامره".
أول مسؤول إيراني يستقيل
فيما أضاف قائد فصيلٍ مسلح بارز مدعوم من إيران: "إن قادة الفصائل المسلحة غاضبون للغاية، ويشعرون بأنهم مجرد دُمى إيرانية. ففي البداية يطلب منهم الإيرانيون الهجوم، والآن يطلبون منهم التزام الهدوء. وتريد تلك الفصائل المسلحة شكلاً من أشكال الاستقلالية. وكانت هذه المسألة سبباً لكثير من الجدل بين الإيرانيين والعراقيين خلال الأشهر القليلة الماضية".
حسب هذا القائد العراقي البارز، الذي لم يرد ذكر اسمه، فإن كتائب حزب الله وعصائب أهل الحق، أقوى الفصائل المسلحة الشيعية، يبدو أنهما في مقدمة هذا التمرد.
يشار إلى أن حيدر الأفغاني كان يعمل مساعداً سابقاً لقاسم سليماني، وهو أول مسؤولٍ إيراني يُعرب عن غضبه من الفصائل ويطلب نقله خارج العراق. ويُعتقد أنّ العديد من الآخرين يشعرون بالإحباط أيضاً، لكنّهم لم يُعبّروا عنه مثل الأفغاني.
ففي الأيام الأخيرة، غادر الأفغاني البلاد متجهاً إلى مدينة مشهد الإيرانية، حيث تعيش عائلته، بعد أن قدم طلباً إلى خليفة سليماني، الجنرال إسماعيل قاآني.
لكن قرار نقل الأفغاني لم يُتّخَذ بعد، بحسب تصريحات القادة العراقيين لـMiddle East Eye.
إذ قال قائدٌ مُقرّب من الأفغاني للموقع البريطاني: "إنه (الأفغاني) يقول إن جميعهم (قادة الفصائل) يتصرفون من تلقاء أنفسهم دون الاستماع إليه. وقد أبلغ قاآني صراحةً أنهم صاروا متمردين ويعصون الأوامر. ومن المعروف عن الإيرانيين تحلّيهم بالصبر. لكن الأفغاني خالف هذه القناعة".
"فصائل نخبوية جديدة"
في وقت سابق من يوم الجمعة، كشف وكالة رويترز أن إيران انتقت مئات من المقاتلين الذين يحظون بثقتها من بين كوادر أغلب الفصائل القوية الحليفة لها في العراق؛ لتشكل جماعات نخبوية أصغر حجماً شديدة الولاء لها، متحولة بذلك عن اعتمادها على جماعات كبيرة كان لها في وقت من الأوقات نفوذ عليها.
إذ تم تدريب الجماعات السرية الجديدة، العام الماضي، على حرب الطائرات المسيَّرة والاستطلاع والدعاية الإلكترونية، وهي تأتمر بأمر ضباط في فيلق القدس، ذراع الحرس الثوري الإيراني المسيطر على الفصائل المتحالفة مع إيران في الخارج.
تكشف روايات مسؤولين أمنيين عراقيين وقادة فصائل ومصادر دبلوماسية وعسكرية غربية، أن هذه الجماعات مسؤولة عن سلسلة من الهجمات المعقدة على نحو متزايد والتي استهدفت الولايات المتحدة وحلفاءها.
وفق وكالة رويترز، يعكس هذا الأسلوب رد إيران على ما شهدته من انتكاسات، وعلى رأسها مقتل قاسم سليماني الذي كان يسيطر سيطرة شديدة على الفصائل الشيعية العراقية حتى مقتله، العام الماضي، في هجوم صاروخي أمريكي بطائرة مسيَّرة.
فيما لم يكن إسماعيل قاآني، الذي خلفه في قيادة فيلق القدس، مُلماً بخبايا السياسة الداخلية في العراق، ولم يكن له قط النفوذ ذاته الذي تمتع به سليماني على الفصائل.
كذلك اضطرت الفصائل الكبرى الموالية لإيران في العراق إلى تحاشي الأضواء بعد رد فعل سلبي شعبي أثار مظاهرات واسعة؛ احتجاجاً على النفوذ الإيراني في أواخر 2019.
إلا أن تلك الفصائل مُنيت بانقسامات بعد مقتل سليماني، ورأت إيران أن السيطرة عليها تزداد صعوبة.
غير أن التحول إلى الاعتماد على جماعات أصغر يحمل في طياته ميزات تكتيكية، فهي أقل عرضة للاختراق وربما يتأكد أنها أكثر فاعلية في استخدام أحدث الأساليب التي طورتها إيران لاستهداف خصومها مثل الطائرات المسيرة المسلحة.