يبدو الموقف الروسي من الصراع الإسرائيلي الفلسطيني والعدوان على غزة والقدس، كأن موسكو تسير على حبل مشدود في ظل احتفاظها بعلاقات مع كل أطراف النزاع بما فيها حركة حماس، وحرصها على استمرار هذه العلاقة.
ومع تعقد الصراع جراء فشل إسرائيل في تحقيق أهدافها رغم القصف العنيف على غزة، والذي لم يوقف صواريخ حماس والجهاد من استهداف المدن الإسرائيلية، تسعى روسيا لتقديم مقاربة دبلوماسية ترضي الفلسطينيين ولا تغضب إسرائيل كثيراً.
الموقف الروسي من الصراع الإسرائيلي الفلسطيني يستند لعلاقات مع الجميع حتى حماس
يخطو الكرملين بهدوء في هذه القضية. حيث ترددت إدارة بوتين في دعم أي تدخل أو مبادرة سلام يمكن تفسيرها على أنّها معاديةٌ لإسرائيل في ظاهرها.
لكن روسيا- بعكس الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي- لا تعتبر حماس تنظيماً إرهابياً، كما استقبلت من قبل وفود الحركة لنقاش جهود السلام.
وكان لافتاً الانتقاد الروسي النادر للتطبيع العربي الأخير مع إسرائيل، إذ قالت موسكو في مجلس الأمن الدولي إن تطبيع العلاقات بين إسرائيل ودول عربية أمر غير قادر على إرساء استقرار شامل في الشرق الأوسط في حال تجاهل الملف الفلسطيني الإسرائيلي.
وعلى عكس المواقف الأوروبية الأمريكية، بدت إدانة روسيا للعنف متساوية بين الجانبين، إذ قال نائب وزير الخارجية الروسي، سيرغي فيرشينين، في كلمة ألقاها خلال جلسة لمجلس الأمن عبر الفيديو كونفرانس: "نعرب عن خالص تعازينا لأسر القتلى والجرحى وندين بحزم استخدام القوة وممارسة العنف ضد المدنيين في كل من إسرائيل وفلسطين"، ومحذراً من أن "خطورة الأزمة الحادة الحالية في العلاقات الفلسطينية الإسرائيلية لا تقتصر على حدود المنطقة".
وساطة روسية
وبفضل نفوذها الإقليمي وعلاقتها بالطرفين المتحاربين، فإنّ موسكو ترى نفسها في موقعٍ فريدٍ من نوعه للتأثير على عملية المصالحة بين فلسطين وإسرائيل. إذ قال ديميتري مرياسيس، عضو مؤسسة Valdai Discussion Club البحثية، لشبكة Lenta الروسية إنّ روسيا "تتمتع بعلاقات ودية مع طرفي النزاع. ويمكنها تعزيز مكانتها في حال استغلت تلك العلاقات بالشكل الصحيح".
وقالت وزارة الخارجية الروسية، قبل عدة أيام إن موسكو على استعداد لتكثيف جهودها من أجل استئناف عملية التفاوض بين فلسطين وإسرائيل، معربة عن قلقها العميق بشأن الوضع في القدس الشرقية وقطاع غزة.
وفي مستهل اجتماع سابق للأعضاء الدائمين بمجلس الأمن الروسي صرح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بأن تصعيد النزاع الإسرائيلي الفلسطيني يجري على مقربة من الحدود الروسية، ويخص مصالحها الأمنية بشكل مباشر.
ولكن موسكو تفضل العمل في إطار جماعي
ومع ذلك، يبدو أن الكرملين لا يمتلك الرغبة أو الوسائل للمبادرة بصياغة وفرض شروط السلام في غزة. وبدلاً من ذلك، تسعى موسكو لاستغلال نفوذها ضمن سياق اتفاق سلامٍ أوسع بوساطة مجموعة عاملة من القوى العظمى والمنظمات الدولية، حسبما ورد في تقرير لمجلة The National Interest الأمريكية.
وقد دعا وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، الأسبوع الماضي، إلى اجتماعٍ عاجل للجنة الرباعية الدولية، التي تضم الأمم المتحدة والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا، من أجل حلّ أزمة غزة. حيث قال خلال جلسة إحاطة مشتركة مع الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش: "توصلنا اليوم إلى الرأي المشترك الذي يرى أنّ المهمة الأكثر إلحاحاً هي عقد اجتماع اللجنة الرباعية الدولية للوساطة. ونمنح ثقتنا للأمين العام للأمم المتحدة من أجل تنسيق اجتماع الرباعية الدولية".
والتزاماً بتركيز روسيا على التعددية في الشرق الأوسط، اقترح وزير خارجيتها توسيع اللجنة الرباعية الدولية بتكوين "4+4+2+1" لتضم بذلك الأعضاء الأربعة الأصليين، بالإضافة إلى مصر والأردن والإمارات والبحرين، بالإضافة إلى فلسطين وإسرائيل، بالإضافة إلى السعودية. وفسّرت موسكو سبب ضم الدولة الأخيرة استناداً إلى مبادرة السلام العربية التي طرحتها المملكة عام 2002.
ومن الواضح غياب تركيا عن التكوين الجديد الذي اقترحته روسيا، ويأتي هذا على الأرجح انعكاساً لحقيقة أنّ أنقرة لا تقدم نفسها كطرف محايد في الصراع بل لا تخفي تأييدها لفلسطين، حسب The National Interest ، حتى إن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قال في وقتٍ مبكر من الأسبوع الجاري إنّ تركيا سوف تدعم فلسطين بنفس قوة دعمها لـ"أذربيجان في معركة تحرير أراضي ناغورنو-قره باغ المحتلة"، مضيفاً أنّ تركيا لن تتسامح مع "العدوان الإسرائيلي حتى وإن غض العالم كله الطرف عنه".
وقال أردوغان إن المجتمع الدولي يجب أن "يُلقّن إسرائيل درساً قاسياً ورادعاً". ووفقاً لبيانٍ صحفي أصدرته أنقرة، وطرح أردوغان فكرة "تشكيل قوة دولية لحماية الفلسطينيين" خلال محادثةٍ هاتفية أجراها مؤخراً مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
وفي ظل تعامل موسكو الحذر مع عملية المصالحة الفلسطينية-الإسرائيلية شديدة التعقيد، نجد أنّها تفعل ذلك في تشاورٍ مستمر مع المبعوثين الفلسطينيين. إذ أعرب السفير الفلسطيني إلى موسكو عبدالحافظ نوفل عن ثقته بأنّ روسيا تستطيع نقل المصالح الفلسطينية بشكلٍ عادل إلى إسرائيل: "أصدقاؤنا الروس يعرفون موقفنا جيداً.. روسيا تدافع عن مصالحنا. وكما قال زميلي السفير الأردني، فإنّ روسيا تتمتع بعلاقة قوية مع إسرائيل وتستطيع التأثير عليها".
وبغض النظر عن صحة ذلك من عدمه، فمن الممكن تفسير تقدير نوفل على أنّه بارقة أمل لجهود حل النزاع المستمرة، كما يعني أيضاً أن الجانب الفلسطيني أكثر ميلاً إلى الجلوس على طاولة المفاوضات والقبول بنتائجها المحتملة إذا كانت المفاوضات تراعي الحد الأدنى من ثوابته.