أثار افتتاح الجزائر أنبوباً جديداً لتصدير الغاز الطبيعي مباشرة إلى إسبانيا تساؤلات حول هل يكون هذا الأنبوب بديلًا لأنبوب الغاز الآخر المار على الأراضي المغربية، والذي تنتهي مدة التعاقد بشأنه هذا العام.
إذ تطرح وسائل إعلام وناشطون على وسائل التواصل الاجتماعي من البلدين فرضية عدم تجديد التعاقد بشأن الأنبوب الذي ينقل الغاز الجزائري من حقول حاسي الرمل في ولاية الأغواط (وسط) ليعبر مضيق جبل طارق عبر الأراضي المغربية تجاه مدينة قرطبة الإسبانية.
التوتر السياسي لا يلغي التعاون الاقتصادي
غير أن التوتر السياسي والإعلامي بين البلدين حول عدة قضايا على رأسها قضية "الصحراء الغربية" و"التطبيع مع إسرائيل"، لا يعكس حقيقة أن كلا البلدين لهما مصلحة مشتركة في تجديد التعاقد بشأن تصدير الغاز الجزائري إلى إسبانيا عبر الأنبوب المار على المغرب.
ففي 6 مايو/أيار 2021، دشن وزير الطاقة الجزائري محمد عرقاب، جزءاً من الخط الثاني لأنبوب "ميدغاز" لنقل الغاز الجزائري مباشرة إلى إسبانيا دون المرور عبر المغرب.
وشرعت الجزائر في تصدير أولى شحناتها الغازية عبر الخط الأول لأنبوب "ميدغاز" في 2011، بطاقة تصديرية تصل إلى 8 مليارات متر مكعب.
وبعد اكتمال الخط الثاني لـ"ميدغاز" ستتضاعف قدرته التصديرية لأوروبا لتصل إلى 16 مليار متر مكعب سنوياً، أي ما يفوق حجم الغاز المُصدر عبر أنبوب "المغرب العربي-أوروبا"، المار عبر الأراضي المغربية، والذي يصل إلى 12 مليار متر مكعب سنوياً.
وهذا ما يجعل الجزائر قادرة، من الناحية التقنية، على الاستغناء عن أنبوب الغاز المار عبر المغرب.
لماذا يتمسك المغرب بالأنبوب الجزائري؟
على الرغم من اللغط الإعلامي بشأن عدم تجديد عقد تسيير أنبوب "المغرب العربي – أوروبا" مع الجزائر وإسبانيا، إلا أن حكومتي البلدين فندتا هذا الأمر بشكل قطعي في 2018.
فوزير الطاقة المغربي عزيز رباح، اعتبر في تصريح صحفي في سبتمبر/أيلول 2018، أن الحديث عن عدم تجديد عقد تسيير أنبوب غاز المغرب العربي – أوروبا "غير صحيح"، ووصفه بـ"كلام صحافة وليس كلام مؤسسات".
بدوره نفى وزير الطاقة الجزائري (السابق) مصطفى قيطوني، في أكتوبر/تشرين الثاني 2018، صحة التحليلات التي توقعت أن يكون "ميدغاز" بديلاً عن أنبوب "المغرب العربي أوروبا"، وأكد أن "المغرب سيُمدِّد عقد استيراده الغاز الجزائري؛ بل سيتمكَّن من امتلاك خط الأنابيب الرابط بين الجزائر وأوروبا".
فتجديد عقد أنبوب غاز المغرب العربي – أوروبا، يكتسي أهمية استراتيجية للرباط أكثر منه للجزائر.
فالمغرب يحصل سنوياً على إيرادات من عبور الغاز الجزائري على أراضيه بلغت في 2018 نحو 1.5 مليار درهم مغربي (170 مليون دولار)، وفي 2019 انخفضت إلى مليار درهم (113 مليون دولار)، لتنخفض إلى 500 مليون درهم في 2020 (56 مليون دولار)، بحسب موقع هسبريس.
وهذه الإيرادات يُحصلها المغرب في شكل غاز طبيعي (نحو 500 مليون متر مكعب سنوياً) يستغله في إنتاج الكهرباء من محطتين لتوليد الطاقة، تولدان 17% من إنتاج الكهرباء في البلاد.
ولا تقتصر أهمية الأنبوب الغازي على ذلك فقط، بل يستورد المغرب نحو 640 مليون متر مكعب من الغاز سنوياً من الغاز الجزائري عبره، حسب العقد الموقع في 2011 والذي ينتهي هذا العام.
ورغم الاكتشافات الأخيرة لحقول غاز مغربية، وحديث بعض الناشطين الإعلاميين عن إمكانية تحول البلاد إلى دولة مصدرة للغاز، فإن الكميات المكتشفة والقابلة للاستغلال بعيدة حتى عن تحقيق الاكتفاء الذاتي.
وينتج المغرب 70 مليون متر مكعب من الغاز الطبيعي سنوياً، تمثل 5% من استهلاكه الإجمالي المقدر بـ1.1 مليار متر مكعب سنوياً.
ومع الاكتشافات الجديدة، تطمح الحكومة المغربية أن تصل نسبة تغطية الاستهلاك المحلي مع بداية الإنتاج إلى 40% ولفترة محدودة جداً.
وفي هذا الصدد، قال وزير الطاقة المغربي، في يناير/كانون الثاني 2021، إن "الغاز المتوقع إنتاجه، سيمكننا من تغطية 40% من حاجياتنا لمدة 10 سنوات".
وعدم تجديد عقد الأنبوب الغازي الجزائري يجعله بدون جدوى كبيرة، خاصة أنه يحتوي على هياكل دعم على غرار 4 مراكز صيانة، إلا إذا واصل المغرب استيراد الغاز الجزائري عبره، وتم ربط حقول الغاز المغربية في فكيك (شرق) لنقله إلى الشمال الغربي للبلاد.
وحتى مشروع نقل الغاز النيجيري عبر أنبوب يمر على 16 دولة إفريقية مازال في طور الدراسة، وتقف أمامه عدة عقبات.
وأهم تلك العقبات المردودية المالية، فانخفاض أسعار الغاز العالمية بسبب المنافسة الدولية، وكثرة الدول التي ستأخذ حصص عبور الغاز من أراضيها، وتشبع السوق الأوروبية، ناهيك عن مرور الأنبوب النيجيري على مناطق نزاع على غرار دلتا النيجر والصحراء الغربية، تجعل التعويل هذا المشروع على المديين القصير والمتوسط غير واقعي، إلى أن تتغير المعطيات التجارية والجيوسياسية.
هذا ما يجعل من مصلحة المغرب استمرار ضخ الغاز الجزائري إلى أوروبا عبر أراضيها، وأيضاً استيراد الغاز بأسعار تنافسية من بلد مجاور بدل استيراده من دول بعيدة وبشكل مسال (مميع) وعبر ناقلات للغاز مما يضاعف التكلفة والسعر النهائي.
كما أن هذا الأنبوب الغازي يمنح المغرب أهمية استراتيجية كمنطقة عبور للطاقة، وورقة تفاوض في ملفات مختلفة مع الجزائر وإسبانيا وأوروبا عموماً.
فعام 2021، ليس الوقت المناسب للتخلي عن مشروع استراتيجي، خاصة أن عملية استغلال آبار الغاز المكتشفة لم تكتمل بعد، واحتياطياتها غير كافية سواء من حيث الكمية أو مدة الاستغلال.
الجزائر لن تتخلى عن الأنبوب الغازي
حتى وإن أصبح أنبوب "ميدغاز" يغنيها عن استعمال أنبوب "المغرب العربي أوروبا"، ويضمن لها التحرر من أي مساومات مغربية لمنع عبور غازها نحو إسبانيا، إلا أن الجزائر ليست في محل الاستغناء عنه لعدة أسباب.
فالجزائر تسعى في المرحلة المقبلة لرفع صادراتها نحو أوروبا وبالأخص إسبانيا إلى أكثر من 60% من احتياجاتها الغازية من الجزائر.
لكن حصة الجزائر في السوق الإسبانية تقلصت إلى 22.6% في فبراير/شباط 2020، وانتزعت الولايات المتحدة الأمريكية صدارة موردي الغاز إلى إسبانيا لأول مرة منذ 30 عاماً من الجزائر، بعدما بلغت حصتها 27%، بفضل الغاز الصخري الرخيص.
الأمر الذي دفع الجزائر لتغيير سياستها من خلال تخفيض الأسعار والاكتفاء بالعقود المتوسطة الأجل بدل الطويلة التي تمتد إلى 20 عاماً فما أكثر.
واستعادت الجزائر صدارتها في السوقين الإسبانية والبرتغالية في الربع الأول من 2021، بحصة بلغت 47%، بعد أن رفعت حجم صادراتها إلى 4.3 مليار متر مكعب، بزيادة قدرها 122% مقارنة بالربع الأول من 2020.
وهذا ما يعكس الأهمية الاستراتيجية للسوق الإيبيرية (الإسبانية والبرتغالية) بالنسبة للجزائر، التي تمتلك فيها الأفضلية بحكم أنها الدولة الوحيدة المصدرة للغاز التي تمتلك خطوط نقل نحو الجنوب الغربي للقارة العجوز.
ومع المنافسة الحادة التي يفرضها المنتجون الكبار في سوق الغاز مثل روسيا والولايات المتحدة وقطر، وإمكانية دخول منافسين جدد من الشرق المتوسط وإفريقيا، فإن سعي الجزائر للحفاظ على أسواقها التقليدية سيدفعها للتمسك أكثر بخط أنبوب المغرب العربي أوروبا.
واستمرار استفادة المغرب من حصة عبور الأنبوب الجزائري على أراضيها في تشغيل محطتي كهرباء، سيدفعه لتجديد عقود استيراد الغاز من الجزائر، وهذا يضمن للأخيرة الحفاظ على زبون آخر، رغم محدودية الكمية المصدرة للمغرب مقارنة بتلك الموردة لإيطاليا وتركيا وإسبانيا.
فوزير الطاقة الجزائري السابق قيطوني، أوضح في 2018 أن الغرض من إنجاز أنبوب جديد "رفع قدرة تصدير الغاز الجزائري نحو القارة الأوروبية"، مؤكداً أن "السلطات الجزائرية لم تُفكر قَط في وقف التعاون مع المغرب".
فأنبوب الغاز الجزائري يشكل إحدى الخطوط المضيئة في علاقات التعاون بين البلدين المغاربيَين، وبفضله أصبحت الجزائر أكبر مُصدّر إفريقي للمغرب بنسبة 35%.
ناهيك أن التعاون التجاري بين الجزائر والمغرب يُعد الأكبر بلا مُنازع في المنطقة المغاربية، رغم التوتر السياسي الذي يشوب علاقاتهما بين الفينة والأخرى.
وتجديد عقد أنبوب المغرب العربي–أوروبا، يكتسي أهمية استراتيجية للبلدين، حتى وإن كان لكل بلد حساباته وتوجساته، فإن المنفعة المشتركة تجعل مثل هذه المشاريع عصية على العواصف السياسية.
كما أن هناك أطرافاً دولية على رأسها إسبانيا وشركات متعددة الجنسيات معنية باستمرار تشغيل هذا الأنبوب الغازي، ما يجعل هذا الملف أكبر من يكون رهينة للعلاقات السياسية المتقلبة بين البلدين.