الدّيموغرافيا هو علم السكّان، الذي يدرس ويبحث في مجموعة من خصائص السكّان في حالة التطور الطبيعي، وهي الخصائص الكميّة، ومنها الكثافة السكانيّة، والتوزيع الجغرافي، والنموّ، والحجم، والتركيبة الممثلة بالهرم السكاني، بالإضافة إلى الخصائص النوعيّة.
أما بالنسبة لديموغرافيا الشعب الفلسطيني، ثمة عوامل قسرية أثرت في التحولات الكمية بالدرجة الاولى، في مقدمتها الاحتلال الصهيوني وسياساته الإجلائية الإحلالية التهويدية منذ عام 1948، وهو العام الذي أنشئت فيه إسرائيل بدعم بريطاني وغربي على 78% من مساحة فلسطين التاريخية البالغة (27009) كيلومترات مربعة، وتمّ طرد غالبية الشعب الفلسطيني إلى خارج وطنهم تحت وطأة المجازر.
التحول الديموغرافي خلال عامي 48 و67
فتحت بريطانيا أبواب الهجرة اليهودية إلى فلسطين خلال فترة انتدابها (1920-1948)، ليصبح عدد اليهود عشية النكبة في الخامس عشر من أيار/مايو 1948 (650) ألف مستوطن يهودي، شكلوا آنذاك 30% من عدد سكان فلسطين، ونتيجة ارتكاب عشرات المجازر الصهيونية خلال فترة الانتداب وبعد إنشاء دولة الاحتلال الصهيوني، تمّ طرد (850) ألف فلسطيني من (531) قرية ومدينة، شكلوا حينئذ (61%) من إجمالي عدد الشعب الفلسطيني البالغ مليوناً و400 ألف فلسطيني، ليطلق عليهم مصطلح لاجئ.
وبات الشعب الفلسطيني بعد النكبة يتركز في الضفة الغربية وقطاع غزة واستأثر بعدد كبير من اللاجئين، في حين صمد في المناطق المحتلة عام 1948 نحو (151) عربياً فلسطينياً، وتركز عدد كبير من اللاجئين في الأردن وسوريا ولبنان، فضلاً عن أعداد قليلة في العراق ومصر . بعد إنشاء الأونروا انطلقت عملياتها في أيار/مايو من عام 1950، ونشرت خدماتها الصحية والتعليمية في (58) مخيماً في خمس مناطق لعملياتها في الأردن وسوريا ولبنان وغزة والضفة الغربية. وخلال العدوان الصهيوني في الخامس من حزيران/يونيو 1967، طرد الجيش الصهيوني (460) ألف فلسطيني من الضفة الغربية ليطلق عليهم مصطلح نازحين، ونصف هؤلاء هم من لاجئي العام 48، وقد توجه غالبية النازحين إثر النكبة إلى الأردن وقد تركزوا في مخيمات غير المخيمات التي سكنها اللاجئون.
الفلسطينيون خلال العام الحالي 2021
الشعب الفلسطيني ليس مجرد أرقام وإحصاءات تذكر، إنها قدرات وطاقات كامنة بغرض تحقيق تحرير الوطن الوحيد وعودة اللاجئين والنازحين الفلسطينيين إليه. وفي الوقت الذي يحيي فيه الشعب الفلسطيني الذكرى الثالثة والسبعين للنكبة، أكد منذ انطلاقة انتفاضة الأقصى المتجددة أن فلسطين التاريخية هي وطن الشعب الفلسطيني التاريخي والوحيد، وقد تجلى في وحدة وطنية شاملة وحقيقية وماثلة للمتابع وفق تعبيرات مختلفة، في الداخل الفلسطيني المحتل عام 1948 وفي الضفة الغربية وقطاع غزة وفي المهاجر القريبة والبعيدة.
وصل مجموع الشعب الفلسطيني خلال بداية العام الحالي 2021 حسب الجهاز الإحصائي الفلسطيني إلى (13) مليوناَ و700 ألف فلسطيني، بينهم (49.6%) داخل فلسطين التاريخية، أي نحو (6) ملايين و800 ألف عربي فلسطيني، ومنهم (3.1) مليون فلسطيني في الضفة الغربية بما فيها مدينة القدس، فضلاً عن (2.1) مليون في قطاع غزة، في حين وصل مجموع العرب داخل المناطق المحتلة 48 إلى نحو مليون و600 ألف فلسطيني.
في مقابل ذلك يتركز (609) ملايين فلسطيني خارج فلسطين التاريخية في دول الجوار الجغرافي العربية لفلسطين وفي المنافي البعيدة، يشكلون نسبة (51.4%) من إجمالي عدد الشعب الفلسطيني خلال العام الحالي. والملاحظ أنه على الرغم من عمليات الترانسفير التي لاحقت الشعب الفلسطيني منذ عام 1948، لكن (85%) من إجمالي الشعب الفلسطيني يتركز ويقطن في داخل فلسطين التاريخية وفي دول الجوار العربي، الأمر الذي يعتبر رصيداً ديموغرافياً هاماً للشعب الفلسطيني في مسيرته لمقاومة المحتل الصهيوني، في ظل التطور العلمي، حيث أشارت دراسات إلى أن هناك (50%) من الشعب الفلسطيني يحملون شهادات جامعية عليا، في كافة الفروع الإنسانية والعلمية وفي كافة الاختصاصات، وهذا يعتبر رصيداً نوعياً للشعب الفلسطيني الذي يتضاعف تعداده كل عشرين سنة، وفق معدل نمو سكاني سنوي يصل إلى (3.5%). وبذلك سيصل مجموع الشعب الفلسطيني إلى (27) مليون و400 ألف فلسطيني في عام 2041، ويعتبر ذلك هاجساً ديموغرافياً للحكومات الصهيونية المتعاقبة والقادمة، وقد تحدثت عن ذلك مؤتمرات هرتسليا الدورية خلال الفترة بين الأعوام (2000 -2020).
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.