يدخل قطاع غزة مواجهة عسكرية مع الاحتلال الإسرائيلي في ظروف اقتصادية خانقة، زادها سوءاً حجم ومستوى القصف الإسرائيلي المتواصل منذ ستة أيام، والذي استهدف منشآت اقتصادية حيوية، شملت تدمير ممنهجاً للبنى التحتية.
واستهدفت الطائرات الحربية الإسرائيلية قطاع الخدمات كالبنوك والمصارف والشركات التجارية، إضافة إلى تضرر قطاعات رئيسية كشركات الاتصالات والكهرباء والمياه، وطرق النقل الرابطة بين محافظات القطاع.
وفقاً لبيانات مراكز حقوق الإنسان، فقد تم تدمير 3 أبراج سكنية بشكل مباشر في مدينة غزة، يزيد ارتفاعها على عشرة طوابق، وتضم أكثر من مئتي وحدة سكنية، من ضمنها مكاتب لشركات ومؤسسات القطاع الخاص.
كما تم قصف 35 منزلاً بصورة نهائية، وتضررت بشكل جزئي وبنسب متفاوتة، 163 وحدة سكنية أخرى، إضافة إلى قصف مباشر لمقرات بنكي الإنتاج والوطني بكافة فروعها المنتشرة داخل قطاع غزة.
كما استهدفت الطائرات الإسرائيلية، ظهر السبت، برج الجلاء في غزة الذي يضم مقرّ شبكة الجزيرة، بسلسلة غارات أدّت إلى انهياره بالكامل، ويضم البرج أيضاً وكالة "أسوشييتد برس" الأمريكية، ويُعتبر من أقدم أبراج غزة، ويضم 60 شقة، تقطن فيها أسر، وتعمل فيه فئات مهنية من المحامين والأطباء وغيرهم.
قطع قنوات الاتصال والتواصل الجغرافي
أدى القصف الإسرائيلي الذي تنفذه الطائرات الحربية لسلاح الجو والمدفعية والدبابات، إلى تضرر منظومة الاتصالات والإنترنت في قطاع غزة، حيث تم تدمير خطوط "الفايبر" الرئيسية لنقل الإنترنت، مما أسفر عنه خسائر اقتصادية ومالية هائلة.
كما انتهجت السياسة الإسرائيلية في القصف التركيز على قطع خطوط التواصل الجغرافي بين المحافظات الفلسطينية الخمس، وتقسيمها إلى مربعات منعزلةٍ بعضها عن بعض، تحقيقاً لأهداف أمنية وعسكرية، ومن ضمن ذلك التنغيصُ على حياة الفلسطينيين.
عاطف عدوان، مقرر اللجنة الاقتصادية في المجلس التشريعي، قال لـ"عربي بوست"، إن نحو ربع سكان قطاع غزة فقدوا خدمة الإنترنت منذ اليوم الأول لبدء هذه الجولة من العدوان الإسرائيلي، بسبب القصف الذي استهدف كوابل النقل الرئيسية، وأبراج الإرسال المغذية من مدينة غزة إلى باقي مدن القطاع، كما تضرر قطاع الاتصالات الخلوية والأرضية نتيجة تدمير أبراج الفضاء الهوائي الناقل لترددات الاتصالات.
وأضاف: "نلاحظ في هذه الجولة تركيزاً إسرائيلياً على إيقاع أكبر أذى في الاقتصاد الغزي، من خلال استهداف أبراج سكنية بقلب مدينة غزة، والتي تضم أيضاً شركات مالية كالبنوك وشركات الصرافة المالية ومحلات بيع الذهب ومكاتب هندسية وشركات تجارية خاصة، والتقدير الأولي للخسائر يفوق 200 مليون دولار رغم مرور أقل من أسبوع على بدء هذه المعركة".
وتابع أن حدود الأضرار الفلسطينية لا تتوقف عند الاستهداف الإسرائيلي المباشر للمنشآت التجارية الخاصة والأبراج والمقار الحكومية ذات الطابع المدني، بل إن الأضرار المباشرة وغير المباشرة الجزئية والكلية يصعب تقديرها، بسبب طبيعة القصف الذي تستخدمه الطائرات الإسرائيلية من خلال الصواريخ الارتجاجية التي تسفر عن تضرر أساسات المنطقة المستهدفة، مما يقلل من عمرها الافتراضي، ويجعلها آيلة للسقوط في أي لحظة، وهو ما سيخلق مشكلة لسكان هذه المناطق.
تضرر القطاع المصرفي
كان واضحاً أن إسرائيل تجهزت لهذه الجولة من العدوان العسكري، من خلال وضع بنك أهداف يحمل تكلفة اقتصادية كبيرة، فالقلق الآن هو تضرر ودائع القطاع المصرفي في البنوك التي تم استهدافها، وفقدان كثير من المنشآت مستندات الملكية وأوراقاً تجارية خاصة متعلقة بطبيعة نشاطها التجاري والاقتصادي.
أستاذ الاقتصاد في جامعة الأزهر والمختص في الشؤون المصرفية، معين رجب، قال لـ"عربي بوست"، إن القطاع المالي والمصرفي في غزة تأثر باستهداف بنكي الإنتاج والوطني وشركات الصرافة الأخرى، لأن هذه البنوك وشركات الصرافة ليست مدرجة ضمن مؤسسات سلطة النقد التابعة للسلطة الفلسطينية التي ترفض الاعتراف بها، لذلك يصعب تقدير هذه الخسائر في حال تعرضت ودائع العملاء للقصف، وتضررت هذه الودائع في حال كانت أوراقاً نقدية أو محفوظات على هيئة مجوهرات أو أوراق مستندية.
وأضاف أن القضية الأخرى هي أن ترفض إسرائيل الاعتراف بالأضرار الاقتصادية للمؤسسات والمنشآت الاقتصادية التي تعتبرها تابعة لحركة حماس، تحت ذريعة أن هذه المنشآت متهمة بتمويل نشاطات للأجنحة العسكرية للفصائل المسلحة في غزة.
في سياق آخر، كان واضحاً بهذه الجولة من العدوان استهداف إسرائيل للمنشآت الحكومية التي تديرها حركة حماس، وأهمها مقرات المديرية العامة للشرطة ووزارة الداخلية، ونظراً إلى أن جزءاً كبيراً من هذه المقرات يقع في وسط الأحياء السكنية، فقد خلق ذلك موجة نزوح جماعية من هذه المناطق، مما تسبب في وضع مأساوي كبير لهذه العائلات الفلسطينية.
تشير التكلفة الكبيرة للرد الإسرائيلي على صواريخ المقاومة الفلسطينية بقصف أهداف حيوية، خلال فترة قصيرة من بدء العنوان، إلى اتباعه استراتيجية إيقاع أكبر قدر من الأذى على الصعيد السياسي والاقتصادي والإنساني.
استهداف القطاع الخاص
محمد أبو جياب، رئيس تحرير صحيفة الاقتصادية من غزة، قال لـ"عربي بوست"، إن "التركيز الإسرائيلي على ضرب المنظومة الاقتصادية بقطاع غزة يأتي في سياق تحقيق متوهَّم لأكبر قدر ممكن من الإنجاز السياسي والعملياتي، لأن القصف لم يقتصر فقط على المنشآت الحكومية التابعة لحماس، بل شمل استهداف ما يزيد على 25 مصنعاً وورشة بشكل مباشر وعشرات أخرى تضررت بصورة غير مباشرة، وقد زادت خسائر هذا القطاع الاقتصادي على سبعة ملايين دولار، وتسبب بفقدان أكثر من عشرين ألف عامل لأشغالهم، نتيجة هذا التدمير الإسرائيلي الممنهج للاقتصاد الفلسطيني".
وتابع أن "مئات المحال والمخازن التجارية تعرضت لخسائر اقتصادية تفوق عشرات الملايين من الدولارات، يضاف لها تكلفة فقدان السلع والشحنات التي تم استيرادها، وما زالت عالقة في الموانئ الإسرائيلية، بسبب إغلاق معبر كرم أبو سالم التجاري".