وسط التحولات الكبرى التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط، يسعى ولي عهد السعودية لاستعادة التحالف التقليدي بين الرياض ودمشق، والسؤال هنا: ما الذي قد يقدمه نظام بشار الأسد للمملكة؟
فمن تقارب بين مصر وتركيا وقطر إلى توجه الإمارات بسرعتها القصوى نحو التحالف مع إسرائيل، تشهد المنطقة التي تعج بالصراعات والملفات الشائكة ما يمكن وصفه بإعادة ضبط للعلاقات بين دولها وسعي البعض إلى التفتيش في العلاقات والتحالفات التي كانت تقليدية قبل عقود مضت.
وفي هذا السياق نشر موقع Middle East Eye البريطاني مقالاً كتبه كمال علم، المتخصص في التاريخ العسكري المعاصر للشرق الأوسط، استعرض فيه مساعي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان لاستعادة الاصطفاف السوري إلى جانب بلاده، وأهدافه العديدة من ذلك.
استعادة النفوذ في لبنان
وتأتي استعادة السعودية لنفوذها في لبنان على رأس الأهداف التي يسعى ولي العهد السعودي إلى تحقيقها من خلال إعادة بناء الجسور المقطوعة بين الرياض ونظام الرئيس السوري بشار الأسد، بحسب ما رأى كمال علم في مقاله.
ووسط أنباء عن تقاربٍ سعودي إيراني محتمل، حظيت التقارير الإعلامية، حول زيارة قام بها وفدٌ من مسؤولين استخباراتيين سعوديين للعاصمة السورية دمشق، بتغطيةٍ إخبارية كبيرة، وأثار خبر اللقاء الذي كشفت عنه حصرياً صحيفة "رأي اليوم" حول لقاء رئيس المخابرات السعودية مع رئيس النظام السوري بشار الأسد تساؤلات حول توقيت هذه الخطوة ومغزاها.
ويشير المقال إلى أن العادة جرت على ألا يُعلن رسمياً عن هذا النوع من الزيارات الأمنية السرية، ومن ثمَّ تظل التقارير الإعلامية حول هذه الزيارة أو تلك غير مؤكدة. لكن في هذه الحالة، أصدر السفير السوري في لبنان بياناً إيجابياً حول هذا الموضوع، وهو أمرٌ تجنبه معظم المسؤولين السوريين منذ قطع العلاقات الدبلوماسية الثنائية في بداية الحرب التي أعقبت الثورة السورية.
وفي هذا السياق، يلفت المقال إلى العامل المتعلق بسعي إدارة بايدن في الولايات المتحدة إلى إعادة ضبط السياسات غير التقليدية التي انتهجها ترامب في الشرق الأوسط، ومن ثم أبدى السعوديون في الفترة الأخيرة تحوطاً في رهاناتهم، وبدوا غير متأكدين من مستقبل علاقات الولايات المتحدة مع الرياض. كما أن الخطوة الأخيرة للسعوديين تأتي كذلك بعد أن أعادت أنظمة الإمارات والبحرين استيعاب نظام الأسد علناً في السنوات الأخيرة.
ويضيف المقال أن الأحداث في لبنان كانت عاملاً رئيسياً، حيث تحتاج السعودية إلى مساعدة دمشق لتحقيق الاستقرار في لبنان، خاصة أن بيروت لا تزال في صميم المصالح السعودية في بلاد الشام. ومن ثم، فبعد استنفاد جميع سبل النفوذ في لبنان، تعود الرياض الآن إلى الصيغة المجرَّبة سابقاً والمعروفة للتقارب مع سوريا كمدخلٍ للنفوذ في لبنان.
تغيير سياسة السعودية في لبنان
ولبيان السوابق التاريخية على ذلك، يسترجع المقال تاريخ المشاركة السعودية النشطة في الشؤون السياسية الخاصة بلبنان، إذ تعود جذورها، بحسب المقال، إلى معارضة مؤسس السعودية الملك عبدالعزيز بن سعود الحاسمة لمزيد من التقسيم لأرض سوريا التاريخية.
ثم ينتقل الكاتب بتفاصيل تلك العلاقة إلى خمسينيات وستينيات القرن الماضي، حين عارض السعوديون ترسيخَ الرئيس المصري السابق جمال عبدالناصر لنفوذه في لبنان، وفضلوا بدلاً من ذلك دعمَ السيادة السورية على البلاد.
وبعد وصول حافظ الأسد إلى السلطة في سوريا، مالَ السعوديون في العادة إلى دعم سياسات النظام السوري في لبنان، حتى لو كان ذلك يعني إعطاء اليد العليا لخصم أيديولوجي [حزب البعث السوري وحلفائه في لبنان]. وعلى الرغم من الاختلافات الاستراتيجية الواضحة حول كيفية تحقيق الاستقرار في لبنان بعد الانسحاب الإسرائيلي في عام 2000، فإن الرياض تغاضت في العادة عن خلافاتها مع دمشق وعملت مع بشار الأسد، كما عملت مع والده من قبله.
استعادة سوريا نفوذها في لبنان
يُحيل المقال إلى ما كتبه باسم الشاب، النائب اللبناني السابق والمستشار المقرب لرئيس الوزراء المكلف سعد الحريري، حول استعادة سوريا بهدوء نفوذها في التيار السياسي اللبناني العام، وهو ما تضمن دعم الجماعات المؤيدة للنظام السوري، حتى وإن تعارضت برامجها مع أجندة إيران الرئيسية في لبنان. كما يستدل الكاتب بتقييم أصدرته وزارة الخارجية الأمريكية العام الماضي على أن دمشق ما انفكت تستعيد مكانتها البارزة في السياسة اللبنانية.
ويشدد الكاتب على أهمية الانتباه لواقع أن سوريا لطالما سعت إلى تحقيق مصالحها في لبنان، وليس مصالح إيران. إذ إن النظام السوري لا يلتزم دائماً الخط الإيراني، خاصة فيما يتعلق بلبنان والعراق. ويشير المقال إلى أن هذا الجانب، على وجه التحديد، من النهج السياسي للنظام السوري هو الذي يجذب السعوديين أكثر من غيره.
من الجهة الأخرى، يسود في دمشق رأيٌ يقول إن السعودية ستظل تحاول وتفشل في كل مبادرة لها في لبنان حتى توافق على العمل مع السوريين وليس ضدهم. وبعد انهيار البنوك اللبنانية وفشل احتجازها للحريري، كانت الرياض قد شطبت لبنان بدرجة أو بأخرى من قائمة أولوياتها، إلا أن ذلك لم يمنع استمرار ولي العهد السعودي في السعي بخطى وئيدة لكن أكيدة نحو جعل الرياض طرفاً فاعلاً في لبنان مرة أخرى، بحسب المقال.
ولمّا كان الأمير محمد بن سلمان لا يقبل فكرة الانغلاق والاستسلام لإيران في لبنان، فقد قرر على ما يبدو أن يأخذ نفس المسار الذي اتبعه عديد من أسلافه، بداية من ابن سعود: وخلاصته التنسيق مع النظام في دمشق من أجل تحقيق الاستقرار للمصالح السعودية في لبنان.
لعبة التوازنات في المنطقة
ومع ذلك، يؤكد المقال أن زيارة رئيس المخابرات السعودية لسوريا لا تتعلق بالوضع في لبنان فقط، فقد ظل السعوديون يتواصلون مع دمشق منذ سنوات وراء الكواليس، بحسب المقال. كما أن بشار الأسد لا يرى في تحسين العلاقات مع السعودية وإيران أمراً يعني خسارة طرف لمصلحة الآخر بالنسبة إلى النظام في سوريا.
ومثل والده حافظ الأسد، الذي استطاع الحفاظ على العلاقات مع السعودية رغم دعم سوريا لإيران ضد صدام حسين في أثناء الحرب العراقية الإيرانية، يستعد بشار الأسد الآن للعمل مع السعوديين مرة أخرى، بصرف النظر عن الوجود الإيراني في سوريا.
ومن ثم، قد يؤدي هذا التوازن الدقيق إلى استقطاب السعوديين لمساعدة الأسد رسمياً في مواجهة الانهيار الاقتصادي للبلاد. وتجدر الإشارة هنا إلى أن الإمارات كانت قد دعت علناً إلى رفع عقوبات قانون قيصر الأمريكية، وقدَّمت مساعدات طبية منتظمة، وعملت حثيثاً إلى إعادة تأهيل النظام السوري في الإقليم.
وعلى الرغم من التركيز العام على إعادة انضمام سوريا إلى جامعة الدول العربية، فإن هذا مجرد أمر رمزي، والمهم هو السياسات الفعلية التي تتبعها دمشق حيال السعوديين، بحسب المقال.
في الختام، يخلص المقال إلى أن الأمير محمد بن سلمان لديه أفكار تتعلق بخطط ومشروعات عملاقة، وهي أمور تتطلب الاستقرار الجماعي لسوريا ولبنان. وبالنظر إلى الطبيعة المعقدة للسياسة السورية واللبنانية، فإن السعودية لديها مجال للمناورة، لكن ترى أنه يجب عليها الاعتماد على السوريين لتعود إلى لبنان مرة أخرى عودةً ذات مغزى.
ويختتم الكاتب بالإشارة إلى أن ولي العهد السعودي تقدم بمبادرات لصالح الأسد ودعا علناً إلى الاعتراف بانتصاره مقابل دفع إيران للخروج من سوريا. من ثم، مع أو بدون العامل اللبناني، يريد السعوديون أن يصطف بشار الأسد إلى جانبهم مرة أخرى لدعم خططهم الأوسع نطاقاً في إعادة تشكيل المنطقة، وما يشمله ذلك من مواجهة النفوذ التركي والإيراني في بلاد الشام.