تصاعد الموقف في البلدة القديمة في القدس خلال الأسابيع الأخيرة، في ظل زيادة قسوة ودموية حملات القمع التي تقودها قوات الأمن الإسرائيلية ضد المتظاهرين الفلسطينيين الذين يحتجون على طرد السكان.
سلطت وسائل الإعلام الضوء علـى حي الشيخ جراح التاريخي في البلدة على خلفية خطط طرد 40 فلسطينياً من الحي الموجود بالقدس الشرقية المحتلة، لكن هناك العديد من الأحياء قد تلاقي مصير هذا المكان، بحسب تقرير لموقع Middle East Eye البريطاني.
فمنذ بداية العام الماضي، أمرت المحاكم الإسرائيلية بطرد 13 عائلة فلسطينية من الحي، بعد أن حكمت محكمة ابتدائية مطلع عام 2021 لصالح مستوطنين إسرائيليين رفعوا دعوى مستمرة منذ عقود للمطالبة بقطع أراضٍ في الحي.
تعرض السطور التالية المناطق العديدة التي يناضل فيها الفلسطينيون من أجل البقاء في بيوتهم.
سلوان
مثلما هو الحال مع حي الشيخ جراح، تقدم مستوطنون إسرائيليون بدعاوى مشابهة لامتلاك أراضي الفلسطينيين التي تقع بالقرب من البلدة القديمة في القدس.
لدى إسرائيل استراتيجية استيطان تسمى "الحوض المقدس"، وتشمل هذه الاستراتيجية وحدات سكنية للمستوطنين وعدداً من المتنزَّهات التي ترمز إلى أماكن وشخصيات توراتية حول البلدة القديمة في القدس. تطالب هذه الخطة بإخراج السكان الفلسطينيين من حي سلوان.
في نوفمبر/تشرين الثاني، أقرت محكمة إسرائيلية بطرد 87 فلسطينياً من حي بطن الهوى بسلوان، جنوب المسجد الأقصى، لصالح الحركة الاستيطانية عطيرات كوهانيم.
إذ إن هذه الحركة، التي تستهدف توسيع وجود المستوطنين داخل الأحياء ذات الأغلبية الفلسطينية في القدس الشرقية بمحيط البلدة القديمة وداخلها، قاضت سكان حي بطن الهوى، وادّعت أن الأرض كانت مملوكة ليهود يمنيين إبان العهد العثماني حتى عام 1938، عندما نقلتهم سلطات الانتداب البريطاني بسبب التوترات السياسية.
إضافة إلى أن سكان وادي الربابة، وهي منطقة أخرى في سلوان تضم حوالي 800 فلسطيني من أهل القدس، لطالما خاضوا حرباً ضد الجرافات الإسرائيلية. أخبر السكان موقع Middle East Eye في يناير/كانون الثاني أن المضايقات ومحاولات الهدم من جانب السلطات الإسرائيلية زادت خلال جائحة كوفيد-19.
بدأ تقدم حركات الاستيطان الإسرائيلية في سلوان عام 2004، عندما أُنشئت بؤرتا استيطان. وبحلول عام 2014، وصل عددها إلى 6 بؤر استيطانية تتنوع بين شقق منفردة وبنايات كاملة.
وفي شهر نوفمبر/تشرين الثاني، أعلنت السلطات الإسرائيلية عن خطة تنقيب لبناء تلفريك يمر من سلوان. كان المشروع المثير للجدل سيغير وجه البلدة القديمة التاريخية تغييراً دراماتيكياً ويوسع الوجود الإسرائيلي في المنطقة، مع تيسير دخول السياح إلى الجدار الغربي على حساب أصحاب المتاجر الفلسطينيين في البلدة القديمة.
منذ عام 1995، كانت هيئة الآثار الإسرائيلية تنقب في مواقع بسلوان وبدعمٍ من جمعيّة إلعاد الاستيطانية، وكان الهدف الرسمي من التنقيب تأسيس مكان جذب سياحي جديد والعثور على دليل لوجود مدينة داود التي يبلغ عمرها 3 آلاف عام.
جدير بالذكر أن إتمام مشروع مدينة داود، بما في ذلك شارع على الطراز الروماني يُبنى مكان الشوارع التي كانت موطناً لأجيال من الفلسطينيين، سوف يرسخ موقف 450 مستوطناً غير قانونيين يعيشون حالياً في سلوان ويهمش 10 آلاف من السكان الفلسطينيين بالحي.
يافا
كان موقع Middle East Eye قد قال في شهر أبريل/نيسان إنه في مكان آخر، وتحديداً في يافا، في المنطقة الساحلية جنوب تل أبيب، تخطط شركة الإسكان الإسرائيلية الحكومية Amidar لطرد السكان الفلسطينيين من ممتلكاتهم وبيع بعض منها إلى إلياهو مالي، قائد كنيس متشدد في يافا يسعى للاستيلاء على ممتلكات الفلسطينيين في المنطقة وتحويلها إلى كنيس.
تعرَّض عشرات من المواطنين الفلسطينيين الذين يعيشون في إسرائيل، والذين يشكلون 20% من التعداد السكاني لإسرائيل، لهجوم في ذلك الشهر عن طريق قوات الشرطة الإسرائيلية وأتباع مالي.
يعد مالي رئيس مشروع توسع استيطاني إسرائيلي يسمى "الاستيطان في القلوب" يحشد من أجل تأسيس بؤر استيطانية في وسط البلدات والأحياء ذات الأغلبية الفلسطينية في القدس الشرقية المحتلة والضفة الغربية والمناطق التي تقع داخل إسرائيل، مثل حي العجمي.
وعلم موقع Middle East Eye، في أبريل/نيسان، من محمود عبيد، الصحفي والناشط القادم من يافا، أن عملية "النقل الصامتة" للعائلات الفلسطينية تُنفذ عن طريق السلطات الإسرائيلية في المنطقة، مما يجعل الفلسطينيين يشعرون بـ"انعدام الأمن الشخصي والعيش بكرامة".
قال عبيد: "70% من السكان الفلسطينيين في يافا يعيشون في ممتلكات استولت عليها إسرائيل في عام 1948 عن طريق شركات حكومية، مثل شركة Amidar. هذه الشركات تملك ثلث الممتلكات، بينما يملك السكان الثلثين".
في السنوات الأخيرة، عرضت إسرائيل الممتلكات في يافا للبيع في المزاد، وطلبت من السكان الفلسطينيين أن يزايدوا ضد المستثمرين الإسرائيليين الأثرياء من أجل امتلاك الثلث الذي حازته الشركات الإسرائيلية الحكومية.
وأضاف عبيد، في حديثه للموقع: "لم يستطع أحد تحمل جمع مليون ونصف مليون دولار في 60 يوماً كي يدفعها للشركات. حوالي 40 عائلة فلسطينية تركت يافا، لأنها لم تستطع شراء أو استئجار منزل في المنطقة".
أم الفحم
تقع بلدة أم الفحم في منطقة وادي عارة بالقرب من حيفا شمال إسرائيل، حيث تظاهر المحتجون مؤخراً ضد عنف الشرطة الإسرائيلية وتقاعسها، وشهدت هي الأخرى محاولات طرد سكانها وهدم بيوتهم.
طالما اشتكى المواطنون الفلسطينيون في إسرائيل من أن بلداتهم وقراهم حُرمت من الخدمات عن طريق السلطات الإسرائيلية، وفي الوقت ذاته يصعب الحصول على تصاريح بناء لاستيعاب المجتمعات النامية.
على سبيل المثال، تخوض عائلة إغبارية نزاعات مع السلطات الإسرائيلية منذ أكثر من عقد من الزمان بسبب هدم منزلهم، وذلك وفقاً لموقع عرب 48. واستأنفت العائلة مؤخراً ضد قرار طردها.
في أغسطس/آب الماضي، هدمت الجرافات الإسرائيلية بناية نصف مُشيدة بزعم أن البناية لا تملك تصاريح البناء، وذلك وفقاً للموقع الإخباري الفلسطيني بلدتنا، الذي قال إن عديداً من الشركات والمنازل في منطقة وادي عارة تلقت مؤخراً إنذارات بالهدم والطرد لعدم امتلاكها تصاريح بناء.
واضطر عديد من الفلسطينيين إلى أن يهدموا منازلهم وشركاتهم بأيديهم، بعد منحهم خيار فعل ذلك بأنفسهم أو هدمها عن طريق السلطات الإسرائيلية مع تحميل أصحابها تكاليف عمليات الهدم.
قرية الخان الأحمر
قبل أحداث حي الشيخ جراح عام 2021، جذب مصير قرية الخان الأحمر انتباه العالم في عام 2018.
تقع القرية في الضفة الغربية بين القدس الشرقية وزوجٍ من المستوطنات الإسرائيلية غير القانونية، وهما معالي أدوميم وكفار أدوميم.
في سبتمبر/أيلول 2018، وافقت المحكمة العليا الإسرائيلية على هدم الخان الأحمر، برغم النداءات من البلاد الأوروبية ومنظمات حقوق الإنسان والنشطاء الحقوقيين، التي تطالب إسرائيل بوقف عمليات الهدم.
وتعد خطط هدم الخان الأحمر جزءاً من مخطط إي 1، الذي ينطوي على بناء مئات الوحدات لربط كفار أدوميم ومعالي أدوميم بالقدس الشرقية في المنطقة (ج) من الضفة الغربية، التي تسيطر عليها إسرائيل.
وإذا نُفذ كلياً، فإن مخطط إي 1 سوف يقسم فعلياً الضفة الغربية إلى نصفين، ويفصل القدس الشرقية عن الضفة الغربية، ويجبر الفلسطينيين على عمل تحويلات طويلة للانتقال من مكان إلى آخر، بينما ستكون المستوطنات غير القانونية قادرة على التمدد.
في ظل الضغط الدولي، أوقفت إسرائيل مخططات هدم الخان الأحمر في 2018، ولكن في شهر مارس/آذار من العام الحالي كشفت صحيفة يديعوت أحرنوت عن أن المسؤولين كانوا يخططون مرة أخرى لإخراج الفلسطينيين من القرية.
ينتمي سكان الخان الأحمر إلى عشيرة الجهالين البدوية التي طُردت من صحراء النقب خلال حرب 1948. استقرت عشيرة الجهالين بعد ذلك في المنحدرات الشرقية من القدس.
ويتألف مجتمع الخان الأحمر من حوالي 35 عائلة تعرضت مدارسهم ومنازلهم المؤقتة، التي تكون مصنوعة في الغالب من المعدن المموج والأخشاب، للهدم عن طريق الجيش الإسرائيلي في مناسبات عديدة خلال السنوات الأخيرة.
تقنين المستوطنات
منذ ضم القدس الشرقية في عام 1967، استخدمت إسرائيل قانونين أساسيين لطرد الفلسطينيين من منازلهم.
إذ يصنف قانون أملاك الغائبين منذ عام 1950 الفلسطينيين الذين طُردوا أو غادروا البلاد بعد نوفمبر/تشرين الثاني عام 1947، على أنهم "غائبون"، ويضع ممتلكاتهم تحت تصرف دولة إسرائيل.
فيما يسمح مرسوم القانون والإدارة لعام 1970 بنقل الممتلكات المفقودة في عام 1948 في القدس الشرقية، إلى اليهود فقط.
ولا يستطيع الفلسطينيون استعادة الممتلكات التي كانت في حوزتهم قبل عام 1948.
قالت منظمة العفو الدولية، مستشهدة بقواعد لاهاي واتفاقية جنيف الرابعة: "سياسة إسرائيل المتعلقة باستيطان المدنيين في الأراضي الفلسطينية المحتلة وطرد السكان المحليين، تتعارض مع القواعد الأساسية للقوانين الإنسانية الدولية".
وأضافت المنظمة غير الحكومية أن الأفعال الأساسية المطلوبة لتأسيس المستوطنات، بما في ذلك الهدم المكثف غير المبرر، والاستيلاء على الممتلكات، ونقل أجزاء من سكانها المدنيين -عن طريق السلطة القائمة بالاحتلال- إلى المناطق التي احتلتها، أو إبعاد أو نقل جميع سكان الأراضي المحتلة أو بعضهم داخل أو خارج هذه الأراضي، تشكل جميعها جرائم حرب بموجب نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.
وانتقدت منظمة العفو الدولية كذلك ما وصفته بـ"النظام التمييزي للتخطيط الحضري وتقسيم المناطق" الذي تنتهجه إسرائيل.
وفي غضون ذلك، قُسمت الضفة الغربية إلى منطقة (أ) و (ب) و (ج) منذ اتفاقيات أوسلو لعام 1993، حيث تتمركز غالبية السكان الفلسطينيين في المنطقتين (أ) و (ب). أما المنطقة (ج)، التي تمثل 60% من الضفة الغربية، فهي تحت السيطرة الكاملة للجيش الإسرائيلي، مع تعرض المجتمعات الفلسطينية الأصغر في تلك المنطقة لتهديدات دورية بهدم منازلها بينما تزدهر المستوطنات الإسرائيلية القريبة.
وتقول منظمة العفو الدولية إن إسرائيل خصصت في المنطقة (ج) -حيث تتمركز غالبية إنشاءات المستوطنات- 70% من الأراضي للمستوطنات وخصصت 1% فقط للفلسطينيين، بينما في القدس الشرقية "صادرت إسرائيل 35% من المدينة لبناء المستوطنات، فيما قيدت الفلسطينيين ببناء 13% فقط من الأراضي".
وبينما تتواصل في المحاكم وفي الشوارع المعركة على حي الشيخ جراح، فإن مصائر المجتمعات الفلسطينية الأخرى توضح أن القضية لم تبدأ ولن تنتهي بحي القدس.