بعض من أكثر الأسلحة فتكاً وكفاءة التي تعتمد عليها الجيوش حالياً قد بدأت كلعب أطفال، أو كفكرة خيالية في أسطورة حماسية، ولكن تطور العلم حوّلها إلى أسلحة مدمرة.
فبعض أكثر الأسلحة حداثة وتطوراً التي نراها اليوم تعود بداية استخدامها لفترة أقدم كثيراً مما نعتقد، بل إن الأفكار والتقنيات التي خرجت منها هذه الأسلحة قد تعود جذورها لمئات السنين، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The Guardian البريطانية.
في هذا التقرير نعرض تاريخ ستة من الأسلحة الحديثة التي تعود جذورها لفترة طويلة أكثر مما يعتقد.
1- الغواصات: كانت تتحرك بالمجاديف
تم تصميم وبناء أول غواصة موثوقة في عام 1620 بواسطة Cornelis Drebbel، وهو هولندي كان في خدمة جيمس الأول ملك إنجلترا، تم دفعها بواسطة المجاديف.
ولكن دخول الغواصات الحرب ارتبط بميلاد الولايات المتحدة.
إذ شنّ الأمريكيون أول هجومٍ بغواصة في التاريخ، والتي كانت تحمل اسم السلحفاة، في مواجهة سفينة HMS Eagle البريطانية لكنّهم فشلوا في إغراقها.
وقد أُرسِلَت السلحفاة لمواجهة عدد من السفن الأخرى، لكنها فشلت في إغراق أيٍّ منها، قبل أن تغرق السلحفاة عام 1776، حسب تقرير The Guardian .
2- الطائرات المسيّرة: تقلع بواسطة طيار ثم يقفز منها
أُجرِيَت أولى مهمات الطائرات المسيرة في الحرب العالمية الثانية، وقد قُتِلَ شقيق الرئيس جون كينيدي الأكبر في واحدةٍ منها.
وكانت الطائرات المسيرة القديمة عبارةً عن قاذفات قنابل معدلة يُحلّق بها طيارٌ قبل أن يقفز من منها، وبعدها تستمر قيادة الطائرة عن بُعد بواسطة طيارٍ في قاذفة أخرى.
وكانت تلك الطائرات المسيرة عبارةً عن مركبات انتحارية تُوجّه صوب أهداف العدو. ويرجع أصل الفكرة لأحد برامج أسلحة الحرب العالمية الأولى، الذي تمخّض عن أول الصواريخ الموجهة في التاريخ.
3- الصواريخ الموجهة: أجنحتها تتساقط قبل الوصول للهدف
أجري اختبار أولى الصواريخ الموجهة في الحرب العالمية الأولى.
إذ ابتكر الأمريكي أورفيل رايت وتشارلز كيتيرينغ طائرة Kettering Bug، وهي طائرة معدلة استخدمت المدوارات (الجيروسكوب) لمراقبة وضبط طيرانها في اتجاه هدفٍ مُحدّد مسبقاً.
كانت الطائرة مدعومة بمحرك بقوة 40 حصاناً، بواسطة شركة فورد موتور بتكلفة 40 دولاراً لكل محرك. تم بناء جسم الطائرة من رقائق الخشب والمعجون الورقي، بينما كانت الأجنحة مصنوعة من الورق المقوى.
يمكن أن تطير Kettering Bug بسرعة 80 كيلومتراً في الساعة (50 ميلاً في الساعة).
وبمجرد وصول الطائرة إلى هدفها، كانت أجنحتها تسقط ويتوقف المحرك، قبل أن تسقط الطائرة في اتجاه الأرض وعلى متنها متفجرات يصل وزنها إلى 80 كغم، لكن هذه الطائرة الصاروخية واجهت العديد من المشاكل، بينما انتهت الحرب قبل تجربتها في معركةٍ فعلية.
4- القنابل اليدوية: سلاح عابر للعصور
حين تحولت القنابل اليدوية إلى عنصر أساسي في معارك الخنادق بالحرب العالمية الأولى كانت تلك النسخة منها هي عبارة عن إعادة إحياء للسلاح الأصلي.
وكانت القنابل اليدوية قد أحدثت طفرةً في حرب العقد الأول من القرن الثامن الميلادي، حين أدرك جنود الإمبراطورية البيزنطية أنّ باستطاعتهم تعبئة النيران اليونانية في جرارٍ من الزجاج والسيراميك والحجارة.
بحلول أوائل القرن الثالث عشر كان الصينيون وورثة تقنيتهم المغول يستخدمون مواد حارقة فعالة مثل سهام النار والصواريخ الصغيرة في المعركة، وتطوروا أكثر لاستخدام الأغلفة المعدنية للقنابل الحارقة الأكبر حجماً.
في هذه الأثناء، بإسبانيا المسلمة (الأندلس)، كان الاستخدام العسكري للبارود المتفجر أصبح نموذجياً بحلول منتصف القرن. كان العرب الأندلسيون يلقون الحجارة بالبارود المتفجر من مدافع بدائية في حرب الحصار، في الوقت الذي كان المغول يستخدمونه فيه.
وربما كان أوائل المبتكرين هم فرسان مستشفى سانت جون، الذين نشأوا كنظام عسكري ديني في الشرق الأوسط خلال الحروب الصليبية.
صمم الفرسان أواني بيضاوية الشكل بحجم اليد أو على شكل قلب بطول أربع بوصات ومليئة بالنار اليونانية (مادة قابلة للاشتعال)، ثم قاموا بحفر خطوط متقاطعة لإمساك هذه الأواني أفضل، وبالتالي كان تصميمهم شبيهاً بالقنبلة الحديثة بتصميمها الذي يشبه ثمرة الأناناس لسهولة الإمساك وأن تتهشم بعد إلقائها.
في أوائل القرن السادس عشر صنع هؤلاء الفرسان نوعاً مختلفاً من "أواني النار" باستخدام البارود.
كانت رقبة السلاح الجديد مغطاة بالقماش مع حبل يعمل كعود ثقاب ملفوف يصل للحاوية، وكلا الطرفين ملفوف حول الرقبة ويتم إشعاله للتفجير.
أثبتت هذه القنابل اليدوية أنها فعالة جداً كأسلحة مضادة للأفراد. وكانت هذه أول قنبلة يدوية متفجرة.
5- المروحيات: من لعبة أطفال إلى حرب فيتنام
جاءت أقرب أفكار للطيران العمودي من الصين منذ حوالي 400 قبل الميلاد، حيث كان الأطفال الصينيون يلعبون بألعاب الخيزران الطائرة (أو القمة الصينية)، ويتم غزل المروحية المصنوعة من الخيزران عن طريق لف عصا متصلة بدوار. يؤدي الدوران إلى رفع اللعبة عند إطلاقها.
ويقال إن كتاب الطاوية Baopuzi في القرن الرابع الميلادي، لجي هونغ، يصف بعض الأفكار المتأصلة في الطائرات ذات الأجنحة الدوارة.
ظهرت تصاميم شبيهة بلعبة الهليكوبتر الصينية في بعض لوحات عصر النهضة وأعمال أخرى. في القرن الثامن عشر وأوائل القرن التاسع عشر، حيث طور العلماء الغربيون آلات طيران تعتمد على اللعبة الصينية.
ففي عام 1480، ابتكر العالم والفنان الإيطالي الشهير ليوناردو دافنشي تصميماً لآلة يمكن وصفها بأنها "لولب هوائي"، تمثل تقدماً نحو الطيران العمودي. وأشارت ملاحظاته إلى أنه قام ببناء نماذج طيران صغيرة، مع زيادة المعرفة العلمية أصبحت الفكرة أكثر قبولاً واستمر الناس في متابعة نماذج تصميمية للطيران العمودي.
في عام 1906، بدأ شقيقان فرنسيان، جاك ولويس بريجيه، بتجربة أجنحة الطائرات المروحية.
في عام 1907، أسفرت تلك التجارب عن الطائرة Gyroplane 1، ورفعت هذه المروحية طيارها في الهواء حوالي 0.6 متر لمدة دقيقة، ولكنها كانت غير مستقرة للغاية وتطلبت رجلاً في كل ركن من أركان هيكل الطائرة لتثبيتها، ومع ذلك تعتبر الرحلات الجوية للطائرة Gyroplane 1، أول رحلة مأهولة لطائرة هليكوبتر.
وبينما تعتبر المروحيات من الأسلحة التي ارتبطت في الأذهان بحرب فيتنام، إلا أن الواقع أنها شاركت في القتال فعلياً خلال الحرب العالمية الثانية.
فخلال الحرب العالمية الثانية استخدمت ألمانيا النازية المروحيات بأعداد صغيرة للمراقبة والنقل والإخلاء الطبي.
في الولايات المتحدة تنافس المهندس الروسي المولد إيغور سيكورسكي ووين لورانس ليباج لإنتاج أول طائرة هليكوبتر للجيش الأمريكي، وتوصل سيكورسكي إلى تصميم دوار واحد أبسط، وهو VS-300، والذي تبين أنه أول تصميم عملي لطائرة هليكوبتر أحادية الرفع.
ووقعت أول عملية إنقاذ بالمروحيات في بورما خلال الحرب العالمية الثانية.
كما امتلك البريطانيون سيارات طائرة تستخدم نوعاً من شفرات المروحيات الدوارة للبقاء في الهواء.
الأسلحة الكيماوية من الأساطير إلى جحيم الحرب العالمية الأولى
بينما اشتهرت الأسلحة الكيماوية خلال الحرب العالمية الأولى، عندما كانت تطلق على الجنود المتحصنين في الخنادق، فإن الواقع أن تاريخها أقدم من ذلك بكثير.
فلقد تم استخدام الأسلحة الكيميائية البسيطة بشكل متقطع عبر العصور القديمة وفي العصر الصناعي.
تشير الأساطير اليونانية القديمة إلى تسميم هرقل سهامه بسم وحش هيدرا، ويعد ذلك أقدم الإشارات إلى الأسلحة السامة في الأدب الغربي.
تظهر بعض أقدم الإشارات المعروفة إلى الحرب الكيماوية أو السامة في الملحمتين الهنديتين رامايانا وماهابهاراتا. تحظر "قوانين مانو"، وهي دراسة هندوسية عن فن الحكم (حوالي 400 قبل الميلاد) استخدام سهام السم والنار، لكنها تنصح بتسميم الطعام والماء. يحتوي دليل "Arthashastra" الخاص بكوتيليا، وهو دليل حكومي من نفس الحقبة، على مئات الوصفات لصنع أسلحة سامة ودخان سام وأسلحة كيميائية أخرى. يروي المؤرخون اليونانيون القدماء أن الإسكندر الأكبر واجه سهاماً مسمومة ومحرقات نارية في الهند في حوض نهر السند في القرن الرابع قبل الميلاد.
ودخان الزرنيخ كان معروفاً للصينيين منذ عهد ج. 1000 قبل الميلاد.
ولكن لم يظهر المفهوم الحديث للحرب الكيميائية إلا في القرن التاسع عشر، حيث اقترح العديد من العلماء والدول استخدام الغازات الخانقة أو السامة. لقد انزعجت الدول بشدة من تمرير العديد من المعاهدات الدولية، التي تمت مناقشتها لحظر الأسلحة الكيميائية، لكن هذا لم يمنع الاستخدام المكثف للأسلحة الكيميائية في الحرب العالمية الأولى.
وقد استخدم كلا الجانبين تطوير غاز الكلور، من بين أمور أخرى، في محاولة لكسر الجمود في حرب الخنادق. على الرغم من أنها غير فعالة إلى حد كبير على المدى الطويل، فإنها غيرت بالتأكيد طبيعة الحرب. في كثير من الحالات لم تقتل الغازات المستخدمة بل شوهت إصابات مروعة أو أصيبت أو شوهت، تم تسجيل حوالي 1.3 مليون ضحية بسبب الغاز، والتي ربما تضمنت ما يصل إلى 260.000 ضحية مدنية.