لا يجد اللاجئون السوريون الذين تسعى الدنمارك إلى ترحيلهم، منازل تأويهم في حال عادوا إلى بلدانهم؛ لأنها تدمرت في الأحياء التي مسحتها الحرب، وأصبحت مغلقة في وجه سكانها السابقين، الذين لا أمل لديهم في أن يتم إعمارها.
تُعد الدنمارك أول دولة أوروبية تقرر عدم تجديد تصاريح الإقامة للاجئين السوريين لديها، مدعيةً أن بعض المناطق في سوريا غدت الآن آمنة لعودة العائلات إليها، وفقاً لما ذكرته صحيفة The Guardian البريطانية، الأحد 9 مايو/أيار 2021.
صدمَ القرار السوريين في الدنمارك وأرعَبهم، فهم لديهم أسباب كثيرة تُرهبهم من فكرة العودة إلى ديارهم، من بينهم مصباح مشيلم الذي تقول السلطات الدنماركية إن عليه أن يأخذ ثلاثة من أبنائه، أصغرهم دنماركي المولد ويبلغ من العمر خمس سنوات، ويعود بهم إلى دمشق، إلى منزله الذي لم يعد قائماً.
ويفقد اللاجئون السوريون الآمال في أن يتم تعويض الخسائر التي تعرضت لها منازلهم جراء العمليات العسكرية والقصف الجوي الذي نفذته طائرات نظام الأسد وحلفائه.
يقول مشليم، وهو واحد من أكثر من 100 سوري يعيشون في الدنمارك وفقدوا بالفعل وضعَ اللاجئين بقرار السلطات الدنماركية: "أنا لا أعرف ما الذي تبقى لأعود إليه؟! كيف يمكنني حماية أطفالي هناك؟".
يتحدث السوريون عن أسباب كثيرة تمنعهم من العودة إلى بلدهم، وأول هذه الأسباب أن الحرب لا تزال مستعرة في أجزاء من سوريا، وهو ما اعترفت به السلطات في كوبنهاغن ضمنياً من خلال منحها اللجوء السياسي لجميع الرجال الذين تجعلهم أعمارهم عرضةً للتجنيد الإجباري من نظام الأسد.
إضافة إلى ذلك، فإن أجهزة الأمن السورية المُرعبة لا تزال تهيمن على البلاد، وهي التي واجهت بعنف معارضي الأسد منذ اندلاع الثورة عام 2011، واستمرت بنهجي القتل والتعذيب طوال الحرب.
كذلك فإن اقتصاد البلاد يعيش حالة انحدار بلا توقف، ما يجعل من الصعوبة بمكانٍ على العائدين، الذين يُصنَّفون في عمومهم من المشتبه بهم سياسياً، أن يعثروا على عملٍ أو وظيفة تكفل لهم إطعام أسرهم.
علاوةً على ذلك، فإن للعديد من السوريين الذي فروا من معاقل المعارضة السابقة حول العاصمة، سبباً ملحاً آخر لعدم العودة؛ فقد أدت الحرب والإجراءات التي اتخذها النظام حيال مناطقهم إلى تحويلهم إلى مشرَّدين فعلياً، لا سيما في ظل خطط الهدم وإعادة البناء في صورة أخرى لأحياء دمشق التي كانوا يعيشون فيها ذات يوم.
جرائم حرب في سوريا
تقول سارة كيالي، وهي باحثة سورية في منظمة "هيومن رايتس ووتش": "نصنِّف هدم هذه الممتلكات على أنها جرائم حرب؛ لأن البلاد ما زالت في حالة نزاع، ولا يوجد غرض عسكري مشروع واضح للهدم، خاصة أن هذه المناطق قد استعادها النظام بالفعل"، وفقاً لما أوردته The Guardian.
"أم علاء"، وهي لاجئة سورية ومدربة قيادة سابقة، عملت في إحدى دور رعاية المسنين في الدنمارك، كان تملك منزلاً في حي القابون بدمشق، وهو يقع في إحدى المناطق التي تشهد أحد برامج الهدم الأوسع نطاقاً.
على الرغم من أن منزل "أم علاء" صمد لسنوات أمام القتال العنيف، فإن ما حدث بعد ذلك أن المنطقة المحيطة بأكملها سُوِّيت بالأرض، على إثر انفجار وقع في الفترة بين 13 و18 سبتمبر/أيلول 2017، وتحدثت وسائل إعلام النظام وقتها عن تفجيرٍ متحكَّم فيه شهدته المنطقة في 14 سبتمبر/أيلول.
تصريح إقامة "أم علاء" في الدنمارك من نوع التصاريح التي يُرفض تجديدها الآن، وهي تخشى أن تُجبر هي أيضاً في العام المقبل على العودة إلى مكان لم يعد لديها فيه منزل ولا جار.
من جهة أخرى، تشير صور الأقمار الصناعية إلى أن نحو نصف المباني التي كانت موجودة في المنطقة قبل الحرب قد دُمِّرت بالكامل الآن، وعديد من المباني الأخرى قد تضررت بشدة، وحتى المباني الباقية خالية لأن المنطقة مغلقة لأسباب أمنية.
يقول محمد العبد الله، المدير التنفيذي لـ"المركز السوري للعدالة والمساءلة": "حتى وإن كان اللاجئون لا يتمتعون بحق مضمون في العودة إلى منازلهم الأصلية، فعلى الأقل يجب احترام حقوق الملكية الخاصة بهم بموجب القانون الدولي".