لم يكن معهوداً في التاريخ السياسي الليبي منذ استقلال ليبيا تولي النساء مناصب سيادية في الدولة، بسبب العرف الاجتماعي السائد بالمجتمع الليبي، الذي يغلب عليه الطابع المحافظ والرافض لتولي المرأة مناصب حساسة في الدولة، فقد اختصر دور المرأة طيلة العقود السابقة على التعليم والصحة والدور الاجتماعي.
غير أن حكومة الدبيبة غيرت هذا النهج، ومكنت المرأة الليبية من حصة قليلة ومنصب كبير في حكومة الوحدة الوطنية، فحصلت المرأة الليبية على حصة وزارية في الحكومة هي الأعلى في تاريخ الحكومات في البلاد، بتخصيص أربع حقائب، مع اسم نسائي واحد بين وزراء الدولة الستة الذين اختارهم الدبيبة في تشكيلته، ما يمثل 14% فقط من إجمالي عدد الوزراء.
ووزعت الحقائب الوزارية في حكومة الوحدة بناءً على المعيار الجغرافي والتنوع ومشاركة المرأة والشباب، إضافة إلى عنصر الكفاءة واللامركزية والعدالة في توزيع الثروة، بحسب المكتب الإعلامي لرئيس الحكومة.
أثارت المنقوش جدلاً منذ توليها حقيبة الخاريجة، داخلياً وخارجياً، فالرفض الداخلي لتوليها الوزارة ينطلق من أسباب قبلية، إذ يرفض بعض شيوخ القبائل أن تكون وزيرة الخارجية امرأة، من جانب آخر أثارت بتصريحاتها أزمة دبلوماسية مع تركيا بعدما طالبت بخروج القوات التركية من ليبيا.
كثر الجدل حول تصريحات وزير الخارجية بحكومة الوحدة الوطنية نجلاء المنقوش، بعد أن قالت قناة العربية الجمعة، 24 أبريل/نيسان 2021، إن وزيرة الخارجية نجلاء المنقوش قد دعت خلال جلسة مع لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الإيطالي، في قصر "مونتي تشيتوريو" في روما، إلى انسحاب تركيا من ليبيا.
وأضافت القناة أن المنقوش أكدت أن حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبدالحميد الدبيبة بدأت حواراً مع تركيا، وقد لاحظت استعداد أنقرة لبدء المباحثات والمفاوضات.
وقد وافق البرلمان التركي في يناير/كانون الثاني 2020 على إرسال قوات تركية إلى ليبيا، بناء على طلب حكومة الوفاق عقب اتفاقية التعاون العسكري الموقعة بين البلدين في نوفمبر/تشرين الثاني 2019.
نشطاء: ليس من اختصاص الحكومة النظر في الاتفاقات
محلياً تعرضت المنقوش لهجوم من النشطاء والمدونين، جعلها تنفي ما قالته، ولكن سرعان ما جددت تلك المطالبة في مؤتمر صحفي جمعها مع نظيرها التركي "تشاوويش أوغلو" من وسط العاصمة طرابلس، متغاضية عن أن الاتفاق الذي جاء بها يمنعها هي خصوصاً وحكومتها عامة من التعامل والبت في أي اتفاقية أبرمتها ليبيا مع أي دولة.
علق الناشط المدني مصدق حبرارة على مطالبة المنقوش مجدداً بخروج القوات التركية من ليبيا، بأن التحالف الليبي التركي غير قابل للتفاوض حتى خروج آخر انقلابي من ليبيا.
مفتي ليبيا يستنكر سكوت الحكومة
استنكر مفتي عام ليبيا الشيخ الصادق بن عبدالرحمن الغرياني سكوت حكومة الوحدة الوطنية عن التصريحات الموجهة ضد الصديق التركي، موضحاً أنه لولا التعاون التركي لصدّ العدوان لما كانت هذه الوزارات، وأكد الشيخ الغرياني أنه لا يمكن أن يساوي بين التعاون التركي الذي ساند الحكومة الشرعية وبين المرتزقة من روسيا والجنجويد الذين أتوا لدعم المعتدين.
وقال مفتي عام ليبيا في برنامج الإسلام والحياة إنه لولا الحليف التركي لكان من الممكن أن تصبح مدينة ترهونة بأكملها مقبرة جماعية، بعد إسراف المعتدين في القتل والإجرام.
ذكر المفتي أنه يجب أن يُذَكَّر كل عاقل بما جرى لنا خلال أبريل/نيسان 2019، وحتى نهاية عام 2020، من اعتداء ميليشيات مجرم الحرب حفتر على طرابلس، وانتهاك المرتزقة والميليشيات لطرابلس من قصف عشوائي بالطائرات والمدافع على الأسر الآمنة في بيوتها.
هناك من يساوي بين الوجود التركي في ليبيا والمجموعات الأخرى
رداً على المنقوش، قال وزير الخارجية التركي، مولود تشاووش أوغلو، إن بلاده ستواصل دعم الشرعية في ليبيا كما كان الحال أثناء صد العدوان على طرابلس، موضحاً أن الدعم التركي لليبيا مهّد الطريق لوقف إطلاق النار وتعزيز العملية السياسية التي أنشأت الحكومة والرئاسي الجديد، ومنعت وقوع حرب أهلية في ليبيا.
وأضاف وزير الخارجية التركي خلال مؤتمر صحفي مع وزيرة الخارجية الليبية نجلاء المنقوش، أن هناك أصواتاً تحاول أن تساوي بين الوجود التركي في ليبيا مع المجموعات الأخرى.
وأوضح أوغلو أن ليبيا تمثل أهمية أولوية لتركيا، ومن مبادئنا الحفاظ على وحدة الأراضي الليبية ومقدرات الشعب الليبي.
من هي نجلاء المنقوش؟
والمنقوش هي ابنة الدكتور محمد المنقوش، أخصائي أمراض الدم، الذي عمل في أغلب مستشفيات بنغازي بحكم اختصاصه النادر، من سكان مدينة بنغازي، منطقة طابلينو.
عاشت فترة من طفولتها في أمريكا عندما كان والدها يدرس الدكتوراه، وحصلت على الجنسية الأمريكية، ثم عادوا إلى بنغازي، وأكملت نجلاء دراسة الثانوية والجامعة في بنغازي، وحصلت على الماجستير في القانون الجنائي من جامعة بنغازي.
عادت إلى أمريكا وبدأت دراسة الدكتوراه في إدارة الصراع والسلم في جامعة "جورج مايسون"، التي تقع في مقاطعة فيرفاكس، بولاية فرجينيا، وتعتبر من الجامعات العريقة في الولايات المتحدة الأمريكية، وقد أسست الجامعة عام 1957، وأصبحت جامعة مستقلة في 1972.
وعملت المنقوش منذ سنوات في السلك القضائي الليبي بدرجة أستاذة في القانون الجنائي، وقد حصلت على درجة الماجستير في هذا التخصص من جامعة بنغازي، بينما حصلت على الدكتوراه في إدارة الصراع والسلم من جامعة جورج مايسون الأمريكية، وأنهت دراسة الماجستير في جامعة إيسترن ميني نايت الأمريكية في التخصص ذاته، وحاصلة على منحة دراسية مقدمة من الحكومة الأمريكية للتميز الأكاديمي. ولا يُعرف للمنقوش أي نشاط سياسي داخل ليبيا منذ بداية الأزمة الليبية في 2013.
وتعد المنقوش من الوجوه النسائية الفاعلة منذ اندلاع الثورة على نظام القذافي في 2011، حيث عملت بعدها مباشرة في المجلس الانتقالي، الذي كان الجسم السياسي الممثل للثوار في تلك المرحلة.
خلال الثماني سنوات التي بقيت فيها المنقوش في أمريكا بولاية فرجينيا تعرفت على أسماء، ابنة خليفة حفتر، وكوّنت معها علاقة قوية جداً، وعند إعلان حفتر الحرب على بنغازي كانت نجلاء من أول المؤيدين للحرب على بنغازي، بحجة انفلات الأمن وانتشار التطرف فيها، وكان يُطلق عليها عند الجالية الليبية في أمريكا لقب صديقة بنت المشير، بسبب انقسام أفراد الجالية بين مؤيد ومعارض لحفتر.