يبدو أن إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن على موعد مع أيام صعبة بعد عاصفة من التصريحات العدائية صدرت عن كوريا الشمالية، فماذا قالت بيونغ يانغ لواشنطن وسيول أيضاً؟ وماذا يعني ذلك؟
ويبدو كذلك أن بيونغ يانغ كانت تنتظر انتهاء المئة يوم الأولى من رئاسة بايدن قبل أن تعلن موقفها من الإدارة الجديدة، بعد أن شهدت الإدارة السابقة لقاءات قمة جمعت الرئيس السابق دونالد ترامب بنظيره الكوري الشمالي كيم يونغ أون دون أن ينتج عن تلك اللقاءات نتائج ملموسة.
وفي خطابه أمام الكونغرس بمناسبة مرور 100 يوم على بدء رئاسته، لم يستخدم بايدن لغة تصعيدية فيما يتعلق بالسياسة الخارجية لواشنطن بشكل عام، ولم يأتِ على ذكر كوريا الشمالية إلا في عبارة واحدة، حيث قال: "بالنسبة للبرنامج النووي بإيران وكوريا الشمالية فهذا يفرض تهديداً حقيقياً على الأمن القومي الأمريكي والأمن العالمي، سنعمل على مقربة من حلفائنا للتعامل مع التهديدات التي تشكلها الدولتان عبر الدبلوماسية والردع الصارم".
وصدرت عن البيت الأبيض تصريحات أخرى الجمعة 30 أبريل/نيسان تحدثت عن أن المسؤولين الأمريكيين أكملوا مراجعة استمرت شهوراً لسياسة كوريا الشمالية، مؤكدين وجود تحديات يواجهها بايدن في الوقت الذي يسعى فيه إلى النأي بسياسته الخاصة بكوريا الشمالية بعيداً عن إخفاقات الإدارات السابقة.
تحذير كوري شمالي لسيول وواشنطن
وجاء الرد الكوري على التصريحات الأمريكية أمس الأحد 3 مايو/أيار من خلال ثلاثة بيانات وتصريحات نقلتها وكالة الأنباء الرسمية لبيونغ يانغ، شهدت هجوماً لاذعاً على الولايات المتحدة وحلفائها في كوريا الجنوبية، واصفةً التصريحات التي صدرت من واشنطن في الآونة الأخيرة بأنها تمثل دليلاً على سياسة عدائية تتطلب رداً مماثلاً من بيونغ يانغ.
واتهم متحدث باسم الوزارة في بيان واشنطن بإهانة كرامة القيادة العليا للبلاد من خلال انتقاد وضع حقوق الإنسان في كوريا الشمالية، وقال المتحدث الذي لم تذكر وكالة الأنباء الرسمية اسمه إن انتقاد حقوق الإنسان استفزاز يثبت أن الولايات المتحدة "تستعد لمواجهة شاملة" مع كوريا الشمالية وسيتم الرد عليها وفقاً لذلك.
وفي بيان منفصل، أشار كوون جونغ جون، المدير العام لإدارة الشؤون الأمريكية بوزارة الخارجية الكورية الشمالية، إلى أول كلمة سياسية لبايدن أمام الكونغرس يوم الأربعاء عندما قال الرئيس الجديد إن البرامج النووية في كوريا الشمالية وإيران تشكل تهديداً سيتم التصدي له من خلال "الدبلوماسية والردع الصارم".
وقال كوون إن وصف الولايات المتحدة للردع الدفاعي لكوريا الشمالية بأنه تهديد يعد أمراً غير منطقي وتعدياً على حق كوريا الشمالية في الدفاع عن النفس، وأضاف أن "تصريحه يعكس بوضوح نيته في مواصلة تطبيق السياسة العدائية تجاه جمهورية كوريا الشعبية الديمقراطية كما فعلت الولايات المتحدة لأكثر من نصف قرن"، بحسب تقرير لرويترز.
وقال كوون إن حديث الولايات المتحدة عن الدبلوماسية يهدف إلى التستر على أعمالها العدائية، وأضاف أنه الآن بعد أن أصبحت سياسة بايدن واضحة فإن كوريا الشمالية "ستضطر للضغط من أجل اتخاذ تدابير مماثلة وبمرور الوقت ستجد الولايات المتحدة نفسها في وضع خطير للغاية".
سخرية من حقوق الإنسان في أمريكا
وفي بيان آخر اتهمت كوريا الشمالية واشنطن "بالخداع السياسي" رداً على وصف وزارة الخارجية الأمريكية الجمعة للنظام في كوريا الشمالية بأنه "واحد من أكثر الأنظمة القمعية والاستبدادية في العالم"، بحسب تقرير لشبكة CNN الأمريكية.
ويبدو أن البيانات الكورية الشمالية ركزت أكثر على ما اعتبرته إهانات من جانب بايدن والخارجية الأمريكية وحكومة كوريا الجنوبية، وهو ما عكسته لغة البيانات الصادرة من بيونغ يانغ والأوصاف التي استخدمتها، خصوصاً فيما يتعلق بملف حقوق الإنسان، إذ جاء في أحد البيانات: "لا يحق للولايات المتحدة أن تناقش حقوق الإنسان من الأصل".
وأضاف البيان الكوري الشمالي أن "الولايات المتحدة، حيث يفقد فيها الأبرياء حياتهم بسبب الظلم الاجتماعي والعنصرية كل يوم، وحيث مات أكثر من 580 ألف شخص بسبب فيروس كورونا، هي نفسها أرض بور فيما يتعلق بحقوق الإنسان".
ونالت كوريا الشمالية نصيباً من التهديدات أيضاً، حيث صدر بيان منسوب لكيم يو يونغ أخت الزعيم الكوري الشمالي حذرت فيه كوريا الجنوبية من أن سيول "ستواجه عواقب وخيمة"، بعد أن قام منشقون من كوريا الشمالية بإطلاق بالونات من أراضي كوريا الجنوبية تحمل منشورات مناهضة لبيونغ يانغ.
بايدن ليس ترامب
وكان البيت الأبيض قد صرح، الجمعة، بأن هدف الولايات المتحدة يظل ثابتاً ويتمثل في "حتمية تخلي كوريا الشمالية عن أسلحتها النووية"، بحسب جين ساكي المتحدثة باسم البيت الأبيض، مضيفة أن السياسة الأمريكية ستشهد "استخدام أسلوب عملي ومحدد يتسم بالانفتاح وبحث السبل الدبلوماسية"، دون تقديم تفاصيل بشأن نوعية المبادرات الدبلوماسية في هذا الشأن إن وجدت حالياً، بحسب تقرير لصحيفة الغارديان البريطانية.
وقالت ساكي إن واشنطن لن "تركز على تحقيق صفقة كبرى"، في إشارة مباشرة إلى سياسة إدارة ترامب التي اعتمدت بشكل أساسي على اللقاءات المباشرة بين ترامب وكيم، حيث ردد ترامب كثيراً أنه قادر على إبرام صفقة مع كيم يتخلى بموجبها زعيم كوريا الشمالية عن أسلحته النووية، وهذا بالطبع لم يتحقق.
والمثير في قصة كيم وترامب هو أن العالم كان يخشى -عند وصول ترامب للبيت الأبيض- من أن يشعل هو وكيم حرباً نووية، لكن مع قرب نهاية فترة ترامب الرئاسية الأولى وقبل إجراء الانتخابات التي خسرها لصالح بايدن، كان الكثيرون يخشون من احتمال إبرام صفقة بين ترامب ورئيس كوريا الشمالية قد تكون صادمة للجميع، بحسب تقرير لمجلة The National Interest الأمريكية وقتها.
واشترط كيم، بحسب التقارير التي كانت تصدر عقب لقاءاته مع ترامب، أن تسحب الولايات المتحدة قواتها المتواجدة في المنطقة العازلة بين الكوريتين وتجميد التدريبات العسكرية المشتركة بين واشنطن وسيول، إضافة إلى اشتراطات أخرى لم يتم الإعلان عنها بالتفصيل، وكان حلفاء واشنطن وقتها يخشون من إقدام ترامب على توقيع صفقة تتضمن تلك الشروط بالفعل.
والآن مع وصول بايدن إلى البيت الأبيض وسعي إدارته إلى العودة للسياسة الخارجية التقليدية للولايات المتحدة، لا يبدو أن العلاقات مع بيونغ يانغ قد تشهد أي تحسّن ملحوظ على المدى القصير والمتوسط، بحسب مراقبين، خصوصاً أن تركيز الإدارة الأمريكية حتى الآن يبدو وأنه منصبّ أكثر على القضايا الداخلية وملفاتها المعقدة، خصوصاً الاقتصاد الذي ضربته جائحة كورونا في مقتل والانقسام المجتمعي الحاد سواء بين الجمهوريين والديمقراطيين أو حتى داخل كل معسكر على حدة، ناهيك عن قضية العنصرية التي فجرها مقتل جورج فلويد الصيف الماضي.
لكن إذا كانت إدارة بايدن تتجه نحو اتباع سياسة النفس الطويل فيما يخص الملفات الخارجية، ومنها ملف الأسلحة النووية في كوريا الشمالية، فإن الخبراء يرون أن التصريحات النارية التي أصدرتها بيونغ يانغ – حتى وإن كانت لغتها الحادة والعنيفة معتادة، ربما تكون مقدمة لإجراءات أكثر عدوانية تجاه سيول في الفترة المقبلة، خصوصاً أن هناك اجتماع قمة مرتقب بين بايدن ورئيس كوريا الجنوبية مون جاي-إن يوم 12 مايو/أيار المقبل.
وفي هذا السياق يأتي بيان أخت زعيم كوريا الشمالية الذي هدد سيول بعواقب خطيرة بسبب المنشورات التي تنطلق من سيول باتجاه كوريا الشمالية، على الرغم من أن الرئيس الكوري الجنوبي مون وحزبه الحاكم أصدروا تشريعاً يجرّم تلك البالونات التي تحمل منشورات معادية لبيونغ يانغ وذلك منذ أبريل/نيسان 2018، وهو ما يعني أن سيول لا تتبنى تلك التصرفات من جانب بعض المنشقين عن كوريا الشمالية، لكن التصعيد في هذه النقطة تحديداً من جانب بيونغ يانغ على الأرجح المقصود به إحداث وقيعة بين واشنطن وسيول، بحسب خبراء تحدثوا لشبكة CNN.
الخلاصة هنا هي أن بيانات كوريا الشمالية النارية تجاه الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية قد تمثل تمهيداً لإعداد مسرح العلاقات بين الدول الثلاث لجولة جديدة من التوتر الساخن، ما يطرح التساؤلات بشأن الكيفية التي ستتعامل بها إدارة بايدن على المدى القصير والمتوسط.