تكرر اسم "لاهافا" على الساحة السياسية في إسرائيل مؤخراً، فمن هي تلك الحركة المطالبة بالموت للعرب والتطهير العرقي بحق الفلسطينيين، وماذا يعني مشاركة تلك الحركة في تشكيل حكومة إسرائيلية؟
كانت الاعتداءات المتكررة على الفلسطينيين في منطقة باب العامود في القدس الشرقية المحتلة، وما صاحبها من أحداث نتج عنها بصورة جزئية تأجيل الانتخابات الفلسطينية، قد شهدت بروز اسم "لاهافا"، وهي منظمة يمينية متطرفة كانت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة تتهمها بالعنصرية ونشر الأفكار الإرهابية، وتم بالفعل تقديم ثلاثة من قادتها للمحكمة الجنائية الإسرائيلية في القدس عام 2019، وكانت هناك محاولات لتصنيفها جماعة إرهابية بالفعل داخل إسرائيل.
لكن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو تحالف في الانتخابات الأخيرة مع المستوطنين اليمينيين، ومنهم تلك الجماعة، سعياً للفوز بأغلبية تسمح له بتشكيل الحكومة، وهو ما لم يتحقق على مدى أربعة انتخابات عامة في أقل من عامين، بحسب تقرير لصحيفة الإندبندنت البريطانية.
ما هي حركة "لاهافا"؟
تُعَد كلمة "لاهافا"، التي تعني بالعبرية "اللهب"، اختصاراً لـ"منع الانصهار في الأراضي المقدسة". ومثلما يُوضِّح اسمها الكامل، فإنَّ هدف الحركة الأساسي هو منع "انصهار واختلاط الجنس اليهودي"، أي علاقات الزواج بين اليهود وغير اليهود، سواء كانوا فلسطينيين أو مسلمين أو مسيحيين وغيرهم.
والحركة -ومؤسسها بينتزي غوبشتاين (51 عاماً)- جزء من حركة دينية متطرفة متنامية تُشكِّل كتلة "الصهيونية الدينية" السياسية، التي دخلت الكنيست مُظفَّرةً بعد الانتخابات البرلمانية، في مارس/آذار الماضي، بحسب تقرير لصحيفة Haaretz الإسرائيلية. ومع فوز الصهيونية الدينية بـ6 مقاعد باتت حركة لاهافا تحت مجهر أكبر بسبب نفوذها المتنامي في إسرائيل.
وللحركة مطالب لافتة للانتباه، منها طرد الفلسطينيين إلى البلدان العربية، وضم الضفة الغربية المحتلة إلى إسرائيل، والدعوة لفرض حظر على الاحتفال بعيد ميلاد المسيح (الكريسماس)، وحض عارِضة يهودية إسرائيلية على عدم الزواج بليوناردو دي كابريو.
ومؤخراً جاء احتشاد أتباع المنظمة الإسرائيلية اليمينية المتشددة والمعادية للفلسطينيين في القدس الشرقية المحتلة، رافعين شعارات "الموت للعرب"، ليلفت الانتباه مجدداً للمجموعة، التي تأسست عام 2005 على يد أتباع عضو الكنيست السابق ومؤسس حزب "كاخ" المتطرف، الحاخام مائير كاهانا.
مائير كاهانا وباروخ غولدشتاين
تأتي أفكار ومعتقدات لاهافا مباشرةً من أيديولوجيا كاهانا، وكان كاهانا، الذي وُلِد لأسرة أرثوذكسية في نيويورك عام 1932، يؤمن بإقامة دولة يهودية متجانسة تُدار وفقاً للتوراة، وقد دعا للطرد الكامل للفلسطينيين بالقوة من أراضيهم، وضم الضفة الغربية المحتلة. ويؤمن أتباع كاهانا بأنَّ الضفة الغربية والمنحدرات الشرقية للأردن هي جزء من مملكتيّ يهودا والسامرة التوراتيتين.
آمن كاهانا أيضاً بالمفهوم الصهيوني لـ"إسرائيل الكبرى"، الذي يعتبر شبه جزيرة سيناء ولبنان وسوريا والأراضي الممتدة حتى نهر الفرات في العراق "وطناً للشعب اليهودي".
ويعارض الكاهانيون حتى يومنا هذا الزواج بين اليهود وغيرهم، فضلاً عن حقوق مجتمع الميم (ذوي الميول الجنسية المثلية ومزدوجي الميول الجنسية والمتحولين جنسياً)، وينظرون إلى ذلك باعتباره يتعارض مع النصوص الدينية اليهودية. ويدعو أنصار الحاخام لتدمير المسجد الأقصى في البلدة القديمة بالقدس، والذي يعتقدون أنَّه مبني في موقع "الهيكل اليهودي الثاني"، وذلك بهدف بناء "هيكل ثالث" مكانه.
اغتيل كاهانا في نيويورك عام 1990، لكنَّ إرثه ألهم الكثيرين منذ ذلك الحين، إذ اقتحم أحد أتباعه، باروخ غولدشتاين أمريكيّ المولد، في عام 1994، الحرم الإبراهيمي جنوب غربي مدينة الخليل، وقتل 29 فلسطينياً كانوا يؤدون صلاة الفجر خلال شهر رمضان المبارك قبل أن يُقتَل في الموقع.
وأصبح كلٌّ من كاهانا وغولدشتاين شخصيتين مُمجَّدتين بين مستوطني اليمين المتطرف الإسرائيليين، ويزور المستوطنون قبر غولدشتاين في مستوطنة كريات أربع غير الشرعية خلال العطلات الوطنية.
أدرجت وزارة الخارجية الأمريكية جماعتي "كاخ" و"كاهانا تشاي"، وهما فصيلان انبثقا عن حزب كاهانا الأصلي "حزب كاخ"، على قائمتها الخاصة بالتنظيمات الإرهابية الأجنبية عقب مجزرة الحرم الإبراهيمي. وحذت الحكومة الإسرائيلية حذوها، فحظرت المنظمتين وأعلنتهما جماعتين "إرهابيتين".
كان كاهانا ذئباً منفرداً في الكنيست حين انتُخِب عضواً بالبرلمان لفترة واحدة عام 1984. لكن الآن فاز أتباعه في كتلة "الصهيونية الدينية" بـ6 مقاعد في البرلمان، بتأييد من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في محاولة لإضعاف المعارضة وتشكيل حكومة ائتلاف وطني.
غوبشتاين واستهداف "مصاصي الدماء"
لا تزال لاهافا تستوحي إلهامها مباشرةً من كاهانا، على الرغم من تشكيلها بعد 15 عاماً من وفاته. كانت المنظمة منذ نشأتها معروفة أساساً ببرنامجها الصريح المناهض لاختلاط الأجناس، سواء من خلال المنشورات أو الاحتجاجات أو أعمال العنف ضد الفلسطينيين ممَّن هم في علاقات مع إسرائيليين يهود.
وقد احتجت لاهافا على زواج محمود منصور، وهو مواطن فلسطيني من عرب إسرائيل من مدينة يافا، من موريل مالكا، التي تحولت من اليهودية واعتنقت الإسلام، في قضية أصبحت حديث إسرائيل في عام 2014.
ودعا غوبشتاين، الذي يعيش في مستوطنة غير شرعية في الضفة الغربية، لفرض حظر على الاحتفالات بعيد ميلاد المسيح في إسرائيل، واصفاً المسيحيين بأنَّهم "مصاصو دماء"، وكتب: "لا مكان للمسيحيين في الأرض المقدسة… علينا إبعاد مصاصي الدماء قبل أن يشربوا من دمائنا مجدداً".
وقد استجوبته الشرطة الإسرائيلية عام 2015 بعدما برر إحراق الكنائس في إسرائيل، عقب حريق متعمد بـ"كنيسة الخبز والسمك" على شواطئ بحيرة طبريا شمالي إسرائيل، وكان غوبشتاين قد جادل بأنَّ هذه الهجمات متوافقة مع الوصية اليهودية بهدم دور عبادة الأوثان.
وفي نفس ذلك العام، اتُّهِم ثلاثة من أعضاء لاهافا بإحراق مدرسة يهودية فلسطينية بالقدس ورسم جدارية على الجدران تقول: "لا تعايش مع السرطان". وقد دعم غوبشتاين جماعته وأساليبها آنذاك.
لا تتزوجي ليوناردو دي كابريو
لكنَّ غوبشتاين ليس الشخصية الطليعية الوحيدة في الحركة، إذ يتمتع إيتمار بن غفير، المحامي الذي يدافع عن أتباع لاهافا البالغ عددهم تقريباً 10 آلاف في المدن بمختلف أنحاء إسرائيل، بنفوذ كبير في الحركة، بحسب تقرير Haaretz.
وبن غفير، الذي انتُخِب مؤخراً بالكنيست، هو أيضاً زعيم حزب "القوة اليهودية"، وهو حزب أسسه أتباع كاهانا وكاخ في عام 2012. والحزب هو جزء من "الصهيونية الدينية"، إلى جانب بتسلئيل سموتريتش زعيم حزب "الاتحاد الوطني- تكوما"، وآفي مواز زعيم حزب "نوعم".
دفع نتنياهو هذه الأحزاب لتشكيل تحالف قبل انتخابات مارس/آذار الماضي في محاولة لإضعاف المعارضة وتشكيل حكومة ائتلافية من اليمين المتطرف. لكنَّ الوقت المتاح لتشكيل الحكومة ينفد من رئيس الوزراء، وفي حال فشله، قد يضع هذا إسرائيل على الطريق نحو انتخابات خامسة خلال فترة تزيد عن العام بقليل.
ويُعَد مايكل بن أري، وهو عضو سابق بالكنيست وأحد تلاميذ كاهانا، وباروخ مارزيل، القيادي الاستيطاني أمريكي المولد في الخليل، قياديين آخرين بارزين في حركة لاهافا، وكانت واشنطن قد رفضت عام 2012 دخول بن أري العضو بحزب الاتحاد الوطني-تكوما، إلى الولايات المتحدة بسبب صلاته بحزب كاخ.
في غضون ذلك، حثَّ مارزيل العارِضة الإسرائيلية اليهودية بار رفائيلي في 2010 على عدم الزواج من صديقها آنذاك، الممثل ليوناردو دي كابريو، الذي نشأ مسيحياً كاثوليكياً، وأرسل مارزيل، المشهور في الخليل بسبب دعواته لصالح التطهير العرقي للفلسطينيين، خطاباً إلى رفائيلي نيابةً عن حركة لاهافا يطلب منها أن تعود إلى رشدها.
وبحسب صحيفة The Jerusalem Post كتب مارزيل: "لا تتزوجي ليوناردو دي كابريو. لا تضري الأجيال المستقبلية، جدتك وجدك لم يحلما بأن تُخرِج إحدى حفيداتهما الأجيال المستقبلية للأسرة عن نطاق الشعب اليهودي".
من يمول لاهافا؟
بعد 16 عاماً من إنشائها لا تزال شبكة تمويل لاهافا غامضة، وكشفت صحيفة Haaretz الإسرائيلية في 2011 أنَّ لاهافا ليست مُسجَّلة رسمياً باعتبارها منظمة غير ربحية، مع أنَّ أعضاءها ونشطاءها مرتبطون بمنظمة "حملة"، وهي منظمة إسرائيلية غير ربحية تساعد الفتيات في الأسر المفككة واللاتي يواجهن "خطر التحول" عن اليهودية إلى أديان أخرى.
وتفيد تقارير بأنَّ غوبشتاين، رئيس حركة لاهافا ومدير العلاقات العامة بمنظمة حملة، يتلقى سنوياً راتب 40 ألف شيكل (10200 دولار) من المنظمة، ووفقاً لصحيفة Haaretz تتلقى منظمة حملة تمويلاً من منظمة الشؤون الاجتماعية الإسرائيلية. وبلغ التمويل الحكومي لمنظمة حملة منذ عام 2005 بما بين 600 إلى 700 ألف شيكل (152950 إلى 178470 دولاراً) تمثل نحو نصف ميزانيتها السنوية.
وفيما اكتسب القادة المرتبطون بحركة لاهافا أرضية في الحياة السياسية، يمكن أن تؤدي أفكارهم اليمينية المتطرفة المؤمنة بالتفوق اليهودي إلى التأثير بشكل أكبر على البلاد وأولئك الذين يحكمونها.