طالبت الممثِّلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة المعنية بالعنف الجنسي في النزاعات بأن تتحرَّك الأمم المتحدة على أعلى مستوى لتطبيق القرار 1325 على الجرائم في إقليم تيغراي الإثيوبي، فهل يستخدم الاغتصاب كسلاح حرب، وماذا يعني ذلك لآبي أحمد؟
وفي يوم 22 أبريل/نيسان، أصدر مجلس الأمن الدولي بيانه الأول بشأن الأزمة في تيغراي، ولاحظ البيان بقلقٍ الحالة الإنسانية وتقارير العنف الجنسي، في أحدث إشارة حول تقارير متعددة تتحدث عن استخدام العنف الجنسي بأشكاله المتعددة من جانب القوات الإثيوبية والقوات الإريترية بحق النساء والفتيات في الإقليم الإثيوبي.
وكانت أزمة الإقليم قد وصلت إلى نقطة اللاعودة، مطلع نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، عندما أصدر رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد أوامره بشن هجوم عسكري شامل على الإقليم الذي تحكمة "حركة تحرير شعب تيغراي"، بعد أن زعم آبي أحمد تعرض قاعدة عسكرية حكومية لهجوم من جانب قوات الإقليم، وتمكن الجيش الإثيوبي من السيطرة على عاصمة الإقليم ميكيلي ومدنه الرئيسية الأخرى في أقل من شهر.
أما عن سبب الأزمة نفسها فيرجع إلى قرار حكومة آبي أحمد تأجيل الانتخابات العامة في البلاد، التي كانت مقررة في أغسطس/آب الماضي، وهو ما رفضته حركة تحرير شعب تيغراي التي تحكم الإقليم، في ظل النظام الفيدرالي في إثيوبيا، وقرر قادة تيغراي إجراء الانتخابات في الإقليم في موعدها، وهو ما اعتبره آبي أحمد تمرداً، ومن ثم قام بشن هجوم شامل على الإقليم، متحالفاً مع إريتريا.
ويرجع سبب مشاركة إريتريا في الهجوم إلى الخلاف بين أسمرة وتيغراي، منذ الحرب التي اشتعلت بين البلدين في عهد رئيس الوزراء الإثيوبي ميليس زيناوي (من تيغراي) في 1998، والتي لعب فيها إقليم تيغراي الدور الرئيسي في القتال، ولم تتوقف الحرب إلا بعد تدخل الجزائر عام 2000 للوساطة، وتم حينها توقيع اتفاق سلام، لكن إثيوبيا لم تنسحب من بعض المناطق التي نص عليها الاتفاق إلا بعد وصول آبي آحمد إلى السلطة في 2018، ما ساعد على تطبيع العلاقات بين البلدين، وكان ذلك سبباً في فوزه بجائزة نوبل للسلام في 2019.
وبالتالي جاء تمرد تيغراي كفرصة لآبي أحمد وأسمرة للتخلص من العدو المشترك، لكن رغم انتصارهما في الحرب بسرعة غير متوقعة، فإن التكلفة الإنسانية كانت مرتفعة بصورة بدأت تتضح معالمها مع مطلع العام، في ظل التعتيم الكامل الذي فرضته حكومة آبي أحمد على ما كان يجري على الأرض في تيغراي.
متى بدأت تظهر تقارير الاغتصاب في تيغراي؟
منذ هجوم القوات الإثيوبية على الإقليم ونزوح عشرات الآلاف من مواطنيه إلى السودان وإقامة معسكرات للاجئين، بدأت تتناثر تقارير في وسائل إعلام غربية نقلاً عن نساء وفتيات تحدثن عن تعرضهن للاغتصاب على أيدي قوات إثيوبية وإريترية، وهو ما نفته حكومة آبي أحمد التي نفت أيضاً مشاركة قوات إريترية في القتال في تيغراي.
لكن الاتهامات الموجهة للجيش الإثيوبي بارتكاب انتهاكات بحق سكان الإقليم ترقى لجرائم حرب بدأت تصدر عن عدة جهات دولية منها الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والإدارة الأمريكية، ومع استمرار منع وسائل الإعلام المحايدة من دخول الإقليم بعد سيطرة القوات الحكومية عليه بدأت تلك الاتهامات تكتسب مزيداً من المصداقية، بحسب مراقبين.
وفي فبراير/شباط الماضي، نشرت هيئة الإذاعة البريطانية BBC تقارير استقصائية تحدثت عن أن جرائم الاغتصاب في إقليم تيغراي لا تبدو وكأنها حالات فردية، بل تشير الحالات التي تم رصدها والشهادات المتطابقة من الضحايا بشأن ما قاله المغتصبون إلى أن "الاغتصاب" يستخدم على الأرجح كسلاح من جانب القوات الإثيوبية والإريترية في تيغراي.
وفي مارس/آذار الماضي رصد تقرير استقصائي مطول لشبكة CNN الأمريكية استخدام "الاغتصاب" بحق نساء إقليم تيغراي كسلاح من جانب قوات الجيش الإثيوبي والقوات الإريترية، واصفاً الأمر بأنه "يبدو وكأنها سياسة ممنهجة وليست مجرد حوادث فردية"، وجاء التقرير بعنوان "هذا تطهير عرقي"، نقل عن أطباء يعالجون الضحايا شهادتهم بأن الاغتصاب يستخدم كسلاح للتطهير العرقي.
وفي السياق ذاته نشرت مجلة Foreign Policy الأمريكية تقريراً لها، أواخر أبريل/نيسان، بعنوان "العنف الجنسي صار سلاحاً للحرب في تيغراي"، جاء فيه أن الأدلة التي قدَّمتها النساء والفتيات من تيغراي تتحدَّث عن نمطٍ من العنف الجنسي المنتشر والمنهجي يرتكبه رجالٌ يرتدون الزيَّ العسكري.
ففي الأسابيع الأخيرة، بدأت النساء في إقليم تيغراي الإثيوبي، تقدِّمن أكثر القصص التي يمكن تخيُّلها إيلاماً حول تعرُّضهن للانتهاك الجنسي والتعذيب على أيدي جنود الجيشين الإثيوبي والإريتري، بحسب تقرير المجلة، إذ يتطلَّب الأمر شجاعةً من أيِّ امرأةٍ للتحدُّث عن تجربتها مع الاغتصاب. وفي ظلِّ مجتمعٍ مُحافِظٍ مثل المجتمع الإثيوبي، يتطلَّب الأمر شجاعةً خاصة للمرأة لمشاركة التفاصيل الدقيقة والصريحة حول محنتها.
يقول كلُّ صحفي أو عاملٍ في المجال الإنساني أجرى مقابلاتٍ مع هؤلاء الناجيات أن الحالات المُبلَغ عنها ليست سوى جزءٍ بسيطٍ من العدد الحقيقي. وأفاد الطاقم الطبي أن غالبية الحالات التي يشاهدونها هم من النساء والفتيات اللاتي تعرَّضن لاعتداءاتٍ جنسية مُروِّعة. ومَن تتكلَّم منهن تعرف أنها بذلك تعرِّض نفسها لخطر الانتقام.
الأمم المتحدة توثق ما يجري في تيغراي
وفي إحاطته إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، في 15 أبريل/نيسان الجاري، شارك مارك لوكوك، منسِّق الإغاثة في حالات الطوارئ في الأمم المتحدة، قصةً واحدةً من هذه القصص. قال: "امرأةٌ نازحة وصلت مؤخَّراً إلى مدينة شاير في تيغراي أوضحت أنها عندما بدأ النزاع في بلدتها فرَّت واختبأت في الغابة لمدة ستة أيام مع عائلتها". أنجبت وهي مختبئة، لكن "طفلها مات بعد أيامٍ قليلة في الوقت نفسه قُتِلَ زوجها أيضاً، وعندما استأنفت رحلتها صادفت أربعة جنود إريتريين اغتصبوها أمام بقية أطفالها طوال الليل وحتى اليوم التالي".
وتابَعَ لوكوك أنه استنتج أنه "لا شك في أن العنف الجنسي يُستخدَم في هذا الصراع كسلاحٍ في الحرب، كوسيلةٍ لإذلال وترهيب وصدمة شعب بأكمله اليوم وفي الجيل التالي".
ويقول تقرير Foreign Policy إنه لم يعد من الممكن تجاهل هذه الحقيقة أو إنكارها. إن القيام بذلك ليس مسألة إلقاء اللوم على مَن بدأ الأعمال العدائية في تيغراي العام الماضي. إنها ليست مسألة خسائر مدنية مؤسِفة كجزءٍ من العمليات العسكرية، بل هي اعترافٌ بجرائم الحرب وربما الجرائم ضد الإنسانية التي تُرتَكَب ضد النساء والفتيات.
وكان مجلس الأمن الدولي قد تبنى القرار رقم 1325 بشأن المرأة والسلام والأمن، في أكتوبر/تشرين الأول 2000، بشأن حث جميع الأطراف المتحاربة على اتِّخاذ تدابير خاصة لحماية النساء والفتيات من العنف القائم على النوع الاجتماعي، ولاسيما الاغتصاب وغيره من أشكال الاعتداء الجنسي، في الصراع المُسلَّح. وفي 14 أبريل/نيسان، طالبت الممثِّلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة المعنية بالعنف الجنسي في النزاعات، براميلا باتن، بأن تتحرَّك الأمم المتحدة على أعلى مستوى لتطبيق القرار 1325 على الجرائم في تيغراي.
الاغتصاب جريمة، وبقدر ما يكون للاغتصاب والخوف من الاغتصاب تأثير مدمِّر على قدرة المرأة على رعاية أطفالها وإعالة أسرتها، فإنه يساهم أيضاً في التجويع. قد تكون الناجية من الاغتصاب غير قادرة جسدياً أو عاطفياً على توفير الرعاية والدعم العاطفي الذي يحتاجه أطفالها. وقد تكون غير قادرة على العمل في منزلها، إذا كان لا يزال لديها منزل، قد تشعر بالخجل إلى درجة أنها لا تستطيع الاستمرار في فعل ما هو ضروري للحفاظ على سبل العيش، مثل الذهاب إلى السوق، وقد تبقى الفتاة في سنِّ المدرسة بعيدة عن المدرسة.
وأدَّى الخوف من العنف الجنسي إلى اختباء النساء والفتيات وخائفات للغاية من السفر وغير قادرات على الذهاب إلى العمل أو المتاجر أو مراكز توزيع المواد الغذائية أو إلى مزارعهن، ليس من المبالغة القول إن الأطفال في تيغراي جوعى لأن النساء والفتيات يتعرَّضن للاغتصاب.
تُعرَّف جريمة الحرب المتمثِّلة في التجويع بأنها تدمير أو نقل أو جعل الأشياء التي لا غنى عنها لبقاء المدنيين عديمة الفائدة. هناك أدلةٌ دامغة على هذه الجرائم في تيغراي، أحرق الجنود أو نهبوا مخازن الأغذية والمحاصيل، ودمَّروا مرافق المياه، وخرَّبوا ونهبوا العيادات والمستشفيات والمتاجر والمدارس والمصانع.
وقبل ثلاث سنوات تبنَّى مجلس الأمن القرار رقم 2417 بشأن الصراع المُسلَّح والجوع، وأعاد ذلك التأكيد على أن استخدام تجويع المدنيين كأسلوب حرب قد يشكِّل جريمة حرب.
والآن يعرف العالم ما يكفي بأن جرائم الحرب تحدث في تيغراي، بحسب تقرير Foreign Policy، ولا ينبغي أن ننتظر حتى نتمكَّن من إجراء تحقيقات كاملة وشاملة قبل أن نتحرَّك لوقف الاغتصاب كسلاح حرب. والقراران 1325 و2417 سيكونان مجرد حبر على ورق، ما لم يتحرَّك العالم وفقاً للالتزامات الرسمية.
ورغم أن مجلس الأمن الدولي أصدر بيانه الأول بشأن الأزمة في تيغراي، ولاحظ البيان بقلقٍ الحالة الإنسانية وتقارير العنف الجنسي، فإنه لم يُظهِر أيَّ إلحاحٍ أو عزمٍ على العمل بأيٍّ من هذين القرارين، حسب تقرير المجلة الأمريكية.
لا ينبغي أن يتوهَّم المرء أن إنهاء الفظائع والنزاعات المُسلَّحة الجارية مهمة سهلة. تحتاج نساء وفتيات تيغراي إلى التعاطف والدعم على الفور -وفي المستقبل- للتعامل مع الصدمات والحرمان الذي يواجهنه، لكن التحدُّث علناً لإدانة الانتهاكات المُروِّعة هو الخطوة الأولى.
الخلاصة هنا هي أن جميع التقارير الصادرة حتى الآن بشأن استخدام العنف الجنسي وتحديداً الاغتصاب كسلاح من جانب الجيشين الإثيوبي والإريتري في تيغراي تطرح فرضية تبدو ضعيفة، وتتعلق بإمكانية تحول آبي أحمد من زعيم حاصل على جائزة نوبل للسلام إلى متهم بارتكاب جرائم حرب.