"أحداث 11 سبتمبر جديدة"، يبدو هذا أسوأ كوابيس بايدن وإدارته، إذ تزداد المخاوف الأمريكية من تنفيذ القاعدة وداعش عمليات إرهابية من أفغانستان، بعد رحيل القوات الأمريكية وقوات الناتو من هناك.
وبينما تستعد القوات الأمريكية والبريطانية وقوات الناتو للرحيل عن أفغانستان الصيف الجاري. تزداد قوة طالبان يوماً تلو الآخر، في حين ينفذ تنظيما القاعدة والدولة الإسلامية (داعش) هجمات أكثر جرأة من أيّ وقت مضى، حسبما ورد في تقرير لشبكة BBC البريطانية.
وقال مايكل أوهانلون، الزميل البارز في معهد بروكينغز الذي عارض الانسحاب، "هناك احتمال كبيربأن أفغانستان ستكون أسوأ بكثير"، "ما يفعله بايدن رمية نرد عملاقة، حسبما نقل عنه تقرير لموقع Weny News الأمريكي.
لا يزال من السابق لأوانه تحديد ما سيحدث عندما تغادر القوات الأمريكية، سواء أدى ذلك إلى زيادة العنف من جانب طالبان، أو اجتياح طالبان للحكومة الأفغانية، أو في أسوأ السيناريوهات مكان يمكن للقاعدة أن تشن فيه هجمات إرهابية مرة أخرى، حسب تقرير Weny News.
وكان بايدن قد أعلن أن القوات الأمريكية ستغادر أفغانستان بحلول الذكرى العشرين لهجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001.
على خطى أسامة بن لادن
يعتقد مسؤولو المخابرات الغربية أنّ القاعدة وداعش سيواصلان السعي إلى تخطيط الهجمات الإرهابية الدولية من مخابئهما في أفغانستان، كما فعل أسامة بن لادن في الـ11 من سبتمبر/أيلول.
وبدأت هذه المشكلة تُثير حنق كبار مسؤولي السياسة في المملكة المتحدة مع اقتراب الموعد النهائي الذي وضعه الرئيس الأمريكي جو بايدن للانسحاب في الـ11 من سبتمبر/أيلول. وكما قال رئيس أركان الدفاع البريطاني الجنرال نيك كارتر: "لم تكن هذه هي النتيجة المأمولة". وهناك الآن مخاطرةٌ كبيرة بأنّ المكاسب التي حققناها في مكافحة الإرهاب على مدار الـ20 عاماً الماضية، وتكبّدنا من أجلها تكاليف هائلة، من المحتمل أن نخسرها بالتزامن مع أخذ مستقبل أفغانستان لمنعطفٍ مجهول النتائج.
لكنها لطالما كانت خطة الرئيس بايدن، منذ زيارته البلاد وهو نائب الرئيس في إدارة أوباما عام 2009 و2011، حيث أوضح أنّ بناء الدولة هناك مضيعةٌ للوقت، وأنّه يجب على الولايات المتحدة بدلاً من ذلك التركيز على نهج المواجهة لمكافحة الإرهاب باستخدام الغارات الجوية ومداهمات القوات الخاصة.
وقد خالفه البنتاغون الرأي حينها، بينما وصفه وزير الدفاع الأمريكي السابق روبرت غيتس في مذكراته بأنّه "مُخطئ بشأن كل قضايا السياسة الخارجية والأمن القومي على مدار العقود الأربعة الماضية".
تنفيذ القاعدة وداعش عمليات إرهابية من أفغانستان كارثة لبايدن
وقد تؤدي الاضطرابات في أفغانستان إلى إلحاق الأذى ببايدن سياسياً، فلقد سحب أوباما القوات الأمريكية من العراق ليعيدها مرة أخرى في عام 2014 بعد سيطرة داعش على مساحات شاسعة من البلاد، وهو قرار يقول الديمقراطيون إنه في أذهان فريق بايدن أثناء تعاملهم مع الانسحاب من أفغانستان.
يقول المشرعون الديمقراطيون إن إدارة بايدن لا تزال تعمل بسرعة على تجميع تفاصيل كيفية انسحابها من أفغانستان، وكذلك كيفية عمل الجيش الأمريكي في المنطقة.
ولم يتضح بعد عدد القوات الأمريكية التي ستبقى لحراسة السفارة الأمريكية في كابول، على سبيل المثال.
وقال مارك وورنر، رئيس لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ، وهو ديمقراطي عن ولاية فرجينيا، لشبكة CNN، إنه لم يحصل بعد على إجابة كاملة حول كيفية إجراء الولايات المتحدة عملياتٍ استخباراتية في أفغانستان دون وجود عسكري.
من جانبه، عرض تقرير "بي بي سي" الشكل المتوقع لعمليات مكافحة الإرهاب الغربية في أفغانستان فعلياً بعد الانسحاب الأمريكي.
خطة أمريكا لمحاربة الإرهاب في أفغانستان بعد انسحاب قواتها
غارات الطائرات المسيرة فعالة، ولكن لها أضرار على المدنيين
ربما تزيد أعداد هذه الغارات، حيث جرى الترويج لاستخدام الطائرات المسيرة بشدة بواسطة إدارة أوباما، التي كان جو بايدن نائب رئيسها.
وفي المناطق القبلية النائية من أفغانستان، على الحدود مع باكستان وداخل المناطق البرية من اليمن، حيث يختبئ عدد من أبرز قادة القاعدة، كان لغارات الطائرات المسيرة المتعاقبة "تأثيرٌ مرعب" على عمليات الجماعة بحسب ضباط الاستخبارات. وقد أجبرت تلك الغارات أولئك القادة على البقاء في حالة تنقل مستمر، وعدم الإقامة في نفس المكان لأكثر من ليلتين، كما قلل من قدرتهم على التواصل، وصاروا يجهلون ما إذا كانت مغادرة أي زائر سيعقبها صاروخ مدمر من عدو غير مرئي.
لكن غارات الطائرات المسيرة مثيرةٌ للجدل، إذ عادةً ما تكون خطيرة على المدنيين في المنطقة.
الاستخبارات تخشى التعاون مع حكومة تشارك بها طالبان
على مدار العشرين عاماً الماضية، كوّنت وكالة الاستخبارات المركزية وجهاز الاستخبارات البريطاني وغيرها من وكالات الاستخبارات علاقةً مقربة مع المديرية الوطنية للأمن في أفغانستان، وساعدتها في تحديد المخاطر والقضاء عليها، إلى جانب مكافحة الأساليب الوحشية التي كان يرتكبها بعض الأفراد، حيث قال مسؤولٌ أمني غربي الأسبوع الجاري: "سنظل قادرين على تقديم يد العون المفيدة للمديرية الوطنية للأمن، وكل ما علينا فعله هو تكييف نموذجنا التشغيلي".
وهناك احتمال كبير بأنّ طالبان ستشكل في النهاية جزءاً من حكومة أفغانستان المستقبلية، لذا هل سيكون الغرب مستعداً في أي وقت لمشاركة المعلومات الاستخباراتية معهم بعد كل سنوات القتال الماضية؟ يقول المسؤول: "سيكون من الصعب للغاية تخيُّل ذلك".
والسؤال الرئيسي هنا هو ما إذا كانت حركة طالبان تعني ما قالته لمفاوضي السلام في الدوحة، بشأن قطعها علاقاتها بالكامل مع القاعدة. فتلك العلاقات كانت في بعض الحالات تاريخية، وزوجية، وقبلية تعود إلى سنوات قبل هجمات الـ11 من سبتمبر/أيلول. وتتمتع طالبان بما يكفي من الذكاء لإدراك أنّ كونهم جزءاً من أي حكومة مستقبلية أفغانية ذات اعترافٍ دولي، يتطلب عدم رؤيتهم في نفس معسكر جماعات أخرى تُوصف بالإرهابية، لكن غافين ماكونيل، مدير مركز Eden Intelligence البحثي في بريطانيا، يعتقد أنّه من السذاجة الوثوق بطالبان.
الاعتماد على ميليشيات مدعومة أمريكياً
طالب بعض مسؤولي طالبان بحل القوات المدعومة من وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، ووقف عملياتها إذا وافقت الجماعة المسلحة على أي خفض في العنف، حسبما أوضح أشخاص مقربون من المفاوضات لصحيفة The New York Times الأمريكية.
وعلى الأرجح أن مثل هذا الطلب لن يجد آذاناً مصغية، لأن الجيش الأمريكي ودوائر الاستخبارات ينظران إلى هذه القوات باعتبارها القوات الأشد تأثيراً لدى الحكومة الأفغانية، رغم سلسلة الاتهامات بالانتهاكات الحقوقية الموجهة ضدها.
القوات الخاصة في مأزق
ألحقت المداهمات المسائية بواسطة فرق صغيرة من القوات الخاصة، بناءً على معلومات استخباراتية جُمِعَت من الأرض مباشرةً، خسائر فادحة بقادة الحركات وشبكاتهم. وكانت تلك الفرق تصل عادةً بالمروحيات على مسافةٍ بعيدة في جنح الليل، ثم تكمل المسيرة سيراً على الأقدام، وتجري عمليات "الاعتقال أو القتل" تلك بالتنسيق مع القوات الخاصة الأفغانية لتحول دون تنفيذ العديد من الهجمات.
ولكن في أعقاب سبتمبر/أيلول، سيتعين على الأرجح شن تلك المداهمات -أو تخطيطها على الأقل- من خارج البلاد. وبهذا تزداد مخاطر التأخير أو تسريب إنذارٍ مبكر إلى الآخرين لا محالة. كما أنّ مهمة العثور على مواقع جديدة لشن الهجمات ليست أمراً يسهل تنفيذه بين ليلةٍ وضحاها.
هل تنشئ أمريكا قواعد في باكستان؟
يجري الآن إغلاق القاعدة السرية التي استخدمتها القوات الخاصة الأمريكية كنقطة انطلاق لعملياتها ضد "الأهداف عالية القيمة". وهذه أنباءٌ رائعة لمقاتلي القاعدة وداعش، الذين لن يخشوا الآن كثيراً وصول العديد من الأمريكيين ضخام الجثة والمسلحين بشدة في منتصف الليل. فأين سيكون البديل المتاح المناسب في المنطقة؟
ربما تكون باكستان هي المرشح الأوضح من الناحية الجغرافية، ولكن الغرب لديه شكوكه العميقة بأنّ وكالة الاستخبارات الباكستانية لديها عناصر على علاقة بالجماعات الإسلامية المتشددة.
وحين شنّت وكالة الاستخبارات المركزية عملية رمح نبتون لقتل أسامة بن لادن، في مايو/أيار عام 2011، اختارت الولايات المتحدة عدم إخطار باكستان رغم اختراق فرق القوات الخاصة بالبحرية الأمريكية لمجالها الجوي بواسطة المروحيات الشبح. وكانت الاستخبارات الأمريكية تخشى أنّ أحدهم قد يمنح بن لادن معلومةً تساعده على الهرب في الوقت المناسب.
والحقيقة المرة هي أنّ مهمة "احتواء" القاعدة وداعش في المناطق البرية من أفغانستان ستصير أكثر صعوبة. وليس هناك بديلٌ سهل للحصول على الموارد على الأرض ونقلها في وقتٍ قصير. وسيعتمد الكثير من ذلك رغبة وفاعلية الحكومات الأفغانية القائمة في مواجهة جماعات الإرهاب العابر للحدود المحظورة.
بينما رسم جون راين، المسؤول السابق في الحكومة البريطانية، صورةً متشائمة حول الاتجاه الذي تسلكه الأحداث: "بالنظر إلى حجم التشدد في أفغانستان، علاوةً على الأفضلية الاستراتيجية التي ستراها الأطراف الخارجية في امتلاك قدرات إرهابية هناك، فسوف تكون هناك عودة إلى الطبيعي من تهديدات مكافحة الإرهاب بالنسبة للجيل المقبل".