تستعد إيران لانتخابات رئاسية خلال أقل من شهرين، ينتظر أن تكون حاسمة بشأن الاتفاق النووي مع الغرب وملفات أخرى كثيرة، ويبدو أن رئيس السلطة القضائية المحسوب على الجناح المحافظ المرشح الأوفر حظاً إذا ما قرر الترشح.
الانتخابات الرئاسية التي توصف بالحاسمة سوف تُعقد في 18 يونيو/حزيران المقبل، ومع انتهاء الولاية الرئاسية الثانية للرئيس الإيراني حسن روحاني، الذي لا يحق له الترشح لولاية رئاسية ثالثة بموجب القانون الإيراني، من المتوقع أن يستفيد التيار المحافظ أو المتشددون من انهيار الاتفاق النووي لعام 2015 الذي تجري الآن محاولات إعادة إحيائه في فيينا، مما يسهل عليهم الفوز في هذه الانتخابات.
ونشرت صحيفة The Financial Times البريطانية تقريراً بعنوان "المتشددون في إيران يعلقون آمالهم الانتخابية على رئيس السلطة القضائية" رصد فرص ترشح إبراهيم رئيسي، المحسوب على الجناح المتشدد في البلاد في الفوز بالرئاسة، رغم عدم فتح باب الترشح بعد وعدم اتضاح قائمة المرشحين عن كل تيار.
من هو إبراهيم رئيسي؟ وما موقفه من الاتفاق النووي؟
قضى إبراهيم رئيسي عامين على رأس السلطة القضائية في إيران، حاول خلالهما محاكمة الأبناء الفاسدين من الطبقة الثرية الإيرانية، وهي معركة أكسبته شعبية بين شعب سئم من حالات الكسب غير المشروع.
ولكن في تعليقات له هذا الشهر، سلط تركيزه على السياسات الخارجية والاقتصادية أكثر من التركيز على الإصلاحات القضائية، وهو ما قال عنه البعض إنه يمثل إشارةً واضحة على أنه يتطلع إلى منصب رئيس الجمهورية أو المرشد الأعلى، أو حتى كلا المنصبين.
وبحسب رئيسي، البالغ من العمر 60 عاماً، ليس هناك جدوى من المحادثات مع القوى العالمية لرفع العقوبات الأمريكية عن الجمهورية الإسلامية، إذ قال: "بعض [الساسة] يعقدون محادثات كي يروا ما الذي يمكنهم الحصول عليه من الغربيين. إذا عقدوا جلسات [داخل البلاد] حول كيفية تعزيز الإنتاج وإزالة العراقيل، لكانت كثير من المشكلات قد حُلَّت الآن".
وتدور المحادثات مع القوى الغربية حالياً في فيينا، حول استئناف الاتفاق النووي. ففي عام 2018، انسحبت الولايات المتحدة من الاتفاق، الذي يقضي بموافقة طهران على تقييد أنشطتها النووية مقابل رفع العقوبات الأمريكية ضد إيران، وفرضت الولايات المتحدة بعد انسحابها في ظل إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب، عقوبات قاسية على الجمهورية الإسلامية. ويعتزم الرئيس الأمريكي الحالي جو بايدن العودة إلى الاتفاق إذا عادت إيران هي الأخرى إلى الالتزام الكامل بالاتفاق، لكن الإصلاحيين يزعمون أن المتشددين سوف يحاولون عرقلة المحادثات لتعزيز فرصهم في الانتخابات.
واليوم الثلاثاء 27 أبريل/ نيسان أعلن مندوب روسيا في فيينا انتهاء الاجتماع الرسمي للجولة الثالثة من المفاوضات حول الاتفاق النووي، بعد أقل من نصف ساعة على انطلاقه، بينما قالت موفدة قناة العربية السعودية أن "وفود إيران وروسيا والصين عقدوا اجتماعا خاصا".
وكانت الجولة الثالثة قد انطلقت رسمياً قبل أن تنفض سريعاً، وقال مندوب روسيا إن "الأطراف اتفقوا على تسريع مسار العودة لاتفاق فيينا مع إيران لعام 2015″، واستبقت الولايات المتحدة المحادثات الهادفة إلى إحياء الاتفاق النووي الإيراني بالتأكيد على أن أي اتفاق محتمل مع إيران يجب أن يحول دون حيازتها للسلاح النووي بشكل نهائي.
لماذا يريد المتشددون في إيران ترشح رئيسي؟
نقلت الصحيفة البريطانية عمن وصفته بأنه أحد المتشددين في إيران قوله: "إيران دولة ثورية. لا يستطيع الإصلاحيون أن يقولوا لقد فشلنا مرةً، رجاءً امنحونا فرصة أخرى لعقد محادثات مع الولايات المتحدة. عندما تفشل في المحادثات.. فسوف تخسر في الانتخابات الرئاسية أيضاً".
ومن غير المرجح أن تمنح مؤسسات التدقيق والفحص المتشددة في إيران ضوءاً أخضر إلى الإصلاحيين، مثل وزير الخارجية والمُفاوض النووي محمد جواد ظريف، من أجل أن يترشحوا في الانتخابات، ففي تسجيل صوتي مسرب في الأيام الماضية، قال وزير الخارجية الإيراني إن الجهود الدبلوماسية تضررت بسبب تدخلات رجال الجيش.
غير أنه من المتوقع أن يحظى رئيسي بالقبول، لا لشيء إلا لأن المتشددين يعتقدون أن لديه جاذبية واسعة. في حديثٍ مع وكالة أنباء فارس الإيرانية في الأسبوع الماضي، قال أحمد أمير آبادي فراهاني، وهو أحد كبار النواب البرلمانيين المتشددين، إن رئيسي، الذي قضى أغلب مسيرته المهنية في القضاء وكان خادماً لأحد الأضرحة المهمة في مدينة مشهد المقدسة، يجب عليه الترشح للمساعدة في "خلق توافق في الآراء" بين الجماعات السياسية المتشددة وتأسيس حكومة "قوية غير قابلة للفساد" لفتح "الطريق المسدود" في البلاد. كذلك يوجد من بين المرشحين المحتملين الآخرين محمد باقر قالیباف، رئيس البرلمان الإيراني، وعلي لاريجاني، رئيس البرلمان السابق.
ولكن لا تستطيع أي شخصية "ما عدا رئيسي، أن يؤسس مثل هذه الحكومة"، وذلك حسبما قال فراهاني. وأضاف: "لقد وضع السلطة القضائية على المسار الصحيح، وهو ما يمكن أن يتبعه خليفته. إن إدارة الحكومة أكثر أهمية بكثير الآن". طالب غالبية أعضاء البرلمان، الذي يهيمن على مقاعده المتشددون، في خطاب يوم الأحد 25 أبريل/نيسان، من رئيسي الترشح لمنصب الرئيس.
كيف تغيرت فرص من خسر أمام روحاني؟
يبدو هذا الموقف بعيداً كل البعد عن موقف عام 2017، عندما خسر رئيسي أمام روحاني في سباق هيمنت عليه حملات التشهير. إذ إن رئيسي، الذي انتُقد من قبل لتورطه في حملة إعدام جماعي للسجناء السياسيين في ثمانينيات القرن الماضي، أعاد تهيئة نفسه ليبدو شخصية شعبوية، عبر تحدثه إلى الأشخاص العاديين بشأن قضاياهم في المحكمة والسفر إلى المحافظات المحرومة حتى خلال الجائحة.
وبفضل إصلاحاته، تراجعت أحكام السجن الجديدة بنسبة 11% وتضاعفت معدلات العفو تقريباً خلال السنة الإيرانية الماضية، التي تنتهي في مارس/آذار، مقارنة بالعام الماضي، وذلك وفقاً للسلطة القضائية الإيرانية. صحيحٌ أن إيران تأتي في المركز الثاني خلف الصين في عدد أحكام الإعدام المُنفذة، وفقاً لأرقام منظمة العفو الدولية، لكن حالات الإعدام شنقاً أمام الجمهور صارت نادرة. خلال جائحة فيروس كورونا، منح رئيسي إذناً بمغادرة السجن لـ100 ألف سجين.
وفي "وثيقة تطوير قضائي" مكونة من 69 صفحة نُشرت العام الماضي، قال رئيسي إن أهم أولويتين بالنسبة للجمهورية الإسلامية يجب أن تكونا مكافحة الفساد وزيادة كفاءة النظام. شددت الوثيقة على أهمية التكنولوجيا والتيسير الديمقراطي، مشيرة إلى أن الشعب يجب أن يكون لديه حرية تنظيم مسيرات سلمية، وأنه يجب أن يكون هناك مزيد من حرية الإعلام، ويجب أن تُعقد المحاكمات السياسية علناً.
وقال أحد المتشددين إن المخاطرة التي قد تواجه طريق رئيسي للترشح لمنصب الرئيسي هي أنه إذا وصل إلى السلطة بعدد أصوات قليل فإن هذا قد يدمر فرصه لأن يصير المرشد الأعلى في حال وفاة آية الله علي خامنئي، 82 عاماً، خلال الولاية الرئاسية القادمة، فيما يقول آخرون إن العلاقة الوثيقة التي يحظى بها رئيسي مع الحرس الثوري الإيراني تعني أنه في موقف قوي.
وسوف يقرر مجلس خبراء القيادة، الذي يتألف من كبار رجال الدين، هوية الشخص الذي يصير المرشد التالي. ليس لدى الحرس الثوري أي دور مباشر في هذه العملية، لكن المحللين يقولون إنهم سوف يؤثرون على خيار المجلس وسوف يكونون طرفاً رئيسياً في ضمان حدوث انتقال سلمي للسلطة.
في ظل تفكير عديد من المصوتين الإصلاحيين من أبناء الطبقة المتوسطة، في مقاطعة الانتخابات، وفي ظل رغبة المرشد الأعلى في ارتفاع أعداد الأصوات المشاركة في الانتخابات، أولى المتشددون أهمية كبيرة إلى أصوات الفئات الأفقر، وكذلك لأسعار السلع الأساسية.
وقال سعيد ليلاز، أحد محللي الاقتصاد السياسي الإصلاحيين في إيران، للصحيفة البريطانية إن المتشددين اليمينيين في إيران يعدون "من أكثر الجماعات المادية في العالم. إنهم يتحدثون باستمرار عن اللحوم والدجاج والبيض. ولّت هذه الأيام التي كانت الجمهورية الإسلامية تتحدث فيها عن المحافظة على مبادئها الأيديولوجية".
وفي هذا السياق، يروق رئيسي لشريحة واسعة من الشعب الإيراني. قالت خديجة، التي تعمل عاملة نظافة وتبلغ من العمر 35 عاماً: "يمكن أن أصوت لرئيسي. زوجي يقول إنه قد ينفعنا أكثر. يواصل السفر إلى المحافظات الفقيرة لحل مشاكلها".
وقال عامل في متجر لبيع الخضراوات والفواكه: "ليس لدي نية للتصويت، ولكن إذا ترشح رئيسي، فيمكنني أن أعيد النظر في قراري. يبدو أن رئيسي أفضل من الساسة الآخرين، وقد كافح الفساد".